مسؤولون أميركيون وعراقيون يكشفون: مذكرة قضائية وراء مداهمة منزل الجلبي ومقره

ضابط شرطة عراقي: نبحث عن 8 أشخاص بينهم أعضاء في المؤتمر الوطني متهمين بالاختطاف والتعذيب والاحتيالفف

TT

كرر مسؤولون اميركيون وعراقيون القول بأن أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي، الذي يتزعمه احمد الجلبي، متهمون بتزويد ايران بمعلومات حول مواقع القوات الاميركية في العراق وبخطف طبيب معروف من منزله.

من جانبه قال الجلبي، الذي كان في السابق خيار وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) المفضل لقيادة العراق خلال مرحلة ما بعد الحرب، ان حملات المداهمة التي استهدفت منزله ومكاتب المؤتمر الوطني العراقي جاءت ردا على انتقاداته للسياسات الاميركية في العراق. وعقد مجلس الحكم العراقي الذي يعمل الجلبي عضوا فيه جلسة طارئة أول من امس لمناقشة كيفية الرد على حملة المداهمة. وقال في بيان صحافي انه لم يجد ما يبرر عملية المداهمة التي قامت بها قوات من الشرطة العراقية والتحالف. وقال أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي وضباط بارزون في الشرطة العراقية ان التحقيقات بشأن المؤتمر تشتمل على ثلاث قضايا محددة.

جدير بالذكر ان المؤتمر الوطني العراقي كان قد تسلم مبلغ 33 مليون دولار من وزارة الخارجية الأميركية خلال السنوات الاربع الماضية، بالاضافة الى التمويل الذي ظل يتلقاه من «البنتاغون» بواقع 335 ألف دولار شهريا لقاء تلقي معلومات استخبارية حول نظام صدام قبل الحرب وتعقب كبار مساعديه بعد الحرب.

وتتركز التحقيقات حول تهم تتعلق بالفساد والاختطاف والنهب المسلح. كما أفاد مسؤولون اميركيون وأعضاء في المؤتمر الوطني ومسؤولون في الشرطة العراقية ان التحقيقات تشتمل ايضا على اشتباه الولايات المتحدة في ان واحدا من المستشارين المقربين من الجلبي يعمل لصالح جهاز الاستخبارات الايرانية. ومعروف عن هذا المستشار، وهو أراس حبيب، ان لديه علاقة عمل طويلة مع وكالة استخبارات الدفاع الاميركية وهو الآن هارب. اما احمد الجلبي نفسه، فلم يصدر بحقه امر اعتقال. وقال مستشار للجلبي ان مسؤولي المؤتمر تسلموا إخطارا مسبقا بشأن اعتزام القوات الاميركية إجراء تفتيش على المبنى المخصص لاستخبارات المؤتمر الوطني واخذوا اجهزة كومبيوتر من المبنى قبل اسابيع. وقال مستشار الجلبي، فرانسيس بروكس، ان السلطات لم تعثر على أي شيء له قيمة استخباراتية عقب حملة المداهمة التي استهدفت مكاتب المؤتمر. وفي ظل استعداد الولايات المتحدة لنقل سلطات محدودة لحكومة عراقية مؤقتة خلال أقل من شهر، قال الجلبي ان الاجراءت الاخيرة ضد المؤتمر الوطني الذي يتزعمه لا تعدو ان تكون محاولات من الولايات المتحدة تهدف لعزله قبل تعيين الحكومة الجديدة. وكانت ادارة الرئيس جورج بوش تعتبر الجلبي، وهو رجل أعمال شيعي معتدل قضى سنوات طويل في المنفى، في مقدمة المرشحين لقيادة العراق عقب الإطاحة بصدام حسين، إلا ان الجلبي اتهم مسؤولين اميركيين بالفشل في التحرك بالسرعة اللازمة لنقل السلطة الى العراقيين فضلا عن انتقاداته لمشاركة الامم المتحدة في هذه العملية. تجدر الاشارة الى ان اعضاء في الحزب الديمقراطي الاميركي المعارض أعربوا خلال جلسة استماع عقدتها لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس النواب الاميركي عن دهشتهم ازاء تطورات الاحداث فيما يتعلق بأحمد الجلبي. فقد قال النائب الديمقراطي جيم كوبر مخاطبا الجنرال ريتشارد مايرز، رئيس هيئة الاركان المشتركة، واثنين من كبار العسكريين: «نحن ندعم قواتنا وندعمكم، إلا اننا نشعر بقلق ازاء المسؤولين المدنيين في البنتاغون». وتابع كوبر حديثه قائلا: ان ما حدث بشأن الجلبي يعتبر تطورا كبيرا في الحرب لان واحدا من ابرز المستشارين الذين تثق فيهم واشنطن، في اشارة الى الجلبي، ربما يكون قد ظل يضلل الولايات المتحدة عن عمد على مدى سنوات وشهور، كما اشار كوبر ايضا الى ان المسؤولين الاميركيين ربما يكونون قد أخذوا ما قاله كاملا دون تحفظ.

وقال الجنرال مايرز انه لا يعرف الكثير عن احمد الجلبي، على الرغم من علاقته الوثيقة بالبنتاغون.

وطرح النائب كوبر، عضو لجنة القوات المسلحة، سؤالا عما تغير خلال الايام الاخيرة حتى يصبح الجلبي هدفا لعملية المداهمة الاخيرة طالما ظل يتلقى دعما ماليا من الولايات المتحدة حتى الاسبوع الماضي.

ورد الجنرال مايرز قائلا إنه لا يستطيع الاجابة على هذا السؤال، لكنه اشار الى ان المؤتمر الوطني العراقي، الذي يتزعمه الجلبي زود وحدة الاستخبارات الاميركية في بغداد بمعلومات ساعدت في إنقاذ ارواح جنود.

وطرح النائب الديمقراطي وعضو اللجنة تيموثي ريان أيضا سؤالا على مايرز حول ما اذا كان المسؤولون الاميركيون قد كانوا «ضحية عملية غش من شخص محتال»، وجاء رد الجنرال مايرز: «لا تتوفر لدي معلومات تسمح لي بأن اتوصل الى هذا الحكم. اعتقد اننا يجب ان ننتظر لنعرف الحقيقة، لكنني الآن لا اعرف».

وكان الحاكم المدني للعراق، بول بريمر، قد أحال نتائج تحقيق اجرته الشرطة العراقية حول المؤتمر الوطني العراقي الى محكمة الجنايات المركزية العراقية، ولخص قاض عراقي يوم الخميس التهم ذات الصلة بالتحقيق المذكور في الاختطاف والتعذيب والاحتيال و«مسائل اخرى ذات صلة». من جانبه قال دانيال سينور، المتحدث باسم الحاكم المدني للعراق، ان بريمر لم يتدخل في هذه القضايا، مؤكدا انه باشر فقط الجانب الإجرائي المتعلق بإحالتها الى الجهات المعنية.

إلا ان ضابط شرطة عراقيا مطلع على القضية اشار الى ان غالبية المتهمين الثمانية الذين كانت الشرطة تبحث عنهم يوم الخميس متورطون في عمليات نهب مسلح وخطف الشهر الماضي شارك فيها أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي. وقال الضابط، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفا من فقدان وظيفته، ان الشرطة ظلت تتلقى شكاوى على مدى شهور بشأن أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي ينتحلون صفة ضباط شرطة ويقتحمون منازل فضلا عن ارتكابهم عمليات سطو مسلح. وأضاف الضابط ان مسؤولي الشرطة أبلغوا مكاتب المؤتمر الوطني العراقي بهذه الادعاءات عدة مرات، كما أوضح ايضا ان الشرطة العراقية القت القبض خلال الاسابيع الثلاثة الماضية على اربعة مسؤولين في المؤتمر الوطني العراقي بتهم تتعلق بالنهب المسلح.

وقال مسؤول الشرطة ان المؤتمر على علم كامل بكل هذه المعلومات لأن مسؤوليه ابلغوا عدة مرات. وكان طبيب معروف متخصص في أمراض القلب قد رفع قضية جنائية ادعى فيها انه تعرض للاختطاف بواسطة اشخاص قال انهم أعضاء في المؤتمر الوطني العراقي. وقال المدعي ان عناصر من المؤتمر الوطني داهموا منزله ليلا واتهموه بأنه يؤوي إرهابيين وطلبوا تفتيش منزله. وأشار الضابط الذي تلقى الشكوى انهم استولوا على مبلغ 20 ألف دولار نقدا وجهاز كومبيوتر قبل ان يقتادوه داخل سيارة. وأضاف الشاكي ان واحدا من أفراد المجموعة عصب عينيه قبل اقتياده الى مبنى خضع فيه للاستجواب، كما أكد انه تعرف على أربعة اشخاص من اعضاء المؤتمر الوطني العراقي بعد إزالة العصابة من على عينيه. والاشخاص الاربعة هم ضمن المتهمين الثمانية الذين كانت تبحث عنهم الشرطة العراقية يوم الخميس. من جانبه قال ضابط شرطة شارك في عملية المداهمة التي استهدفت منزل الجلبي انه اعترضهم بصورة مهذبة عند باب منزله وسألهم قائلا: «ما هي طبيعة عملكم مع الاميركيين؟ هل تعملون في الوحدة الجنائية»؟ وأضاف الضابط انه رد على الجلبي قائلا: «لا... نحن نعمل في الشرطة ولدينا مذكرة قانونية نعمل على تنفيذ ما جاء فيها».

وقال مستشار المؤتمر الوطني العراقي، فرانسيس بروكس، ان حملات المداهمة لها صلة في الغالب بالتحقيق حول صباح نوري، وهو يحمل الجنيسة الالمانية واختاره احمد الجلبي كمسؤول لمكافحة الفساد بوزارة المالية. وكان نوري قد اعتقل في ابريل (نيسان) الماضي بعد ان كشفت عمليات مراجعة الحسابات عن عجز قدره 22 مليون دولار في البرنامج المتعلق بالإشراف على إدخال العملة الجديدة في التداول هذا العام. وقال بروكس ان نوري من «صغار المسؤولين» في المؤتمر الوطني العراقي.

وأوضح بروكس ان أراس حبيب، مسؤول الاستخبارات في المؤتمر الوطني، هو الهدف الرئيسي في هذا التحقيق. فيما صرح مسؤول أميركي بأن حبيب يخضع لتحقيق بتهمة العمل لصالح الاستخبارات الايرانية وأن الادعاءات المتعلقة به جاءت نتيجة نشاط حالي مع حكومات اجنبية. وقال بروكس، الذي كان يعمل في السابق مقاولا متعاقدا مع وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) في شمال العراق، ان حبيب كان على خلاف مع وكالة الاستخبارات لمدة عشر سنوات تقريبا. وأضاف بروكس قائلا ان ضابطا بوكالة الاستخبارات المركزية طلب من حبيب في منتصف التسعينات استخدام شبكة معلومات المؤتمر الوطني العراقي في جمع معلومات حول ايران، إلا ان حبيب رفض ذلك. جدير بالذكر ان وكالة استخبارات الدفاع تسلمت من وزارة الخارجية الاميركية مسؤولية برنامج كان يحصل المؤتمر الوطني بموجبه على مبلغ 335 ألف دولار شهريا لقاء جمع معلومات استخبارية. وكان حبيب واعضاء آخرون في المؤتمر الوطني قد خضعوا لاختبارات لكشف الكذب ركزت بصورة كاملة تقريبا على علاقاته بأجهزة مخابرات اجنبية. وأضاف بروكس قائلا ان حبيب نجح في الاختبار وأقر خلال عملية الفحص والتدقيق انه كان في السابق على صلة بأجهزة استخبارات كل من سورية وتركيا وايران، الا ان هذه المعلومات لم تتأكد من مصدر مستقل.

وفيما أثارت الإجراءات الاخيرة غضبا وسط قادة سياسيين عراقيين، لم تؤد محنة الجلبي الى تأييد كبير له بين المواطنين العراقيين العاديين الذين لم يتقبلوا فكرة احتمال ان يصبح الجلبي زعيما محتملا لهم. وكانت مظاهرة محدودة قد حدثت يوم أول من أمس داخل المنطقة الخضراء التي تضم المقر الرئيسي للاحتلال، احتجاجا على معاملة السلطات الاميركية لأحمد الجلبي وفشلها في منع اغتيال الرئيس الدوري لمجلس الحكم الانتقالي عز الدين سليم يوم الثلاثاء الماضي. ويقول المهندس العراقي علي هاشم علي، 46 سنة، ان الولايات المتحدة لم تكتشف ان الجلبي كذاب إلا بعد مرور اربع سنوات، إلا ان العراقيين «كشفوا انه لص وكذاب بعد يومين فقط»، على حد قوله، إلا ان بروكس يرى ان ما حدث مع الجلبي سيكون له فوائد سياسية خصوصا في حشد التأييد للجلبي داخل مجلس الحكم العراقي، وأضاف: «ما حدث سيكون له اثر ايجابي علينا. فعلنا ما نريده. صدام حسين قد ذهب».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»

* شارك في إعداد هذا التقرير كل من روبين رايت وتوماس ريكس في واشنطن وجاكي سبينر وهدى أحمد وناصر نوري في بغداد