القادة العرب يؤكدون في تونس رفضهم إملاء الإصلاحات ويتعهدون بتحديث نابع من «الإرادة الذاتية»

بن علي يأمل في قرارات ترتفع لمستوى الأحداث * لحود: العرب كانوا ضحية مزدوجة للإرهاب * الملك محمد السادس يدعو لتفعيل مبادرة السلام العربية * موسى يحذر من «انهيار» الجامعة

TT

اكد القادة العرب امس خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر القمة العربية على رفضهم سياسة الاملاءات الخارجية فيما يتعلق بالاصلاح السياسي في المنطقة، مؤكدين عزم الدول العربية على تحقيق الاصلاحات الديمقراطية وتطوير منظومة الجامعة العربية «كعملية ارادية ذاتية». وكما كان متوقعا برز خلال الجلسة الافتتاحية اتفاق عربي على عدم دعوة قوات التحالف الى الانسحاب الفوري من العراق، مشيرين الى ان خروج قوات التحالف مرهون بالتطورات الأمنية على ارض الواقع في العراق وقرار الحكومة العراقية المنتخبة. وفي الملف الفلسطيني، جدد القادة تأييدهم لمبادرة السلام العربية، داعين اللجنة الرباعية الى التحرك فورا من اجل إحياء «خريطة الطريق». في خطابه الافتتاحي للقمة العربي، أعرب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي عن أمله في أن يكون اجتماع القمة تكريسا للوفاق العربي وارادة الاصلاح في العالم العربي وتعزيز مصداقيته. واشار الرئيس التونسي في خطابه الى الجهود الحثيثة لتي بذلت في سبيل التئام القمة وتحقيق التوافق حول جدول اعمالها، معتبرا ذلك انطلاقة جديدة للعمل العربي المشترك. وقال الرئيس بن علي ان الميثاق العربي لحقوق الانسان، سيساهم في تكريس احترام الدول العربية لحقوق الانسان ورفع مكانة المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والعامة. وأبرز الرئيس التونسي ضرورة تلازم قاعدة تمثل القيم الكونية والحفاظ على الخصوصيات الذاتية، التي يتعين ان تستند اليها عملية الاصلاح، مشددا على رفض العنف والارهاب والتزام الدول العربية مكافحته والعمل على اجتثاث جذوره. وبشأن الملف الفلسطيني دعا الرئيس التونسي الى الاسراع بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني من عمليات الدمار والاعتداءات الاسرائيلية التي يتعرض لها، مؤكدا ضرورة تكثيف الجهود الدولية لإحياء عملية السلام وتفعيل «خريطة الطريق».

وفي خطابه الذي القي نيابة عنه، وصف الشيخ حمد بن عيسي آل خليفة ملك البحرين ورئيس القمة السابقة، الوضع في العراق بأنه يكاد ينحرف للمحظور. وقال عاهل البحرين في كلمته التي ألقاها نيابة عنه خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس وزراء البحرين، وسلم إثرها رئاسة القمة لتونس، ان قوة الجامعة العربية تعني عودة الاعتدال والسياسة المتوازنة في المنطقة، مؤكدا ان الاصلاح يحظى بالأولوية في العالم العربي ولكن من منطلق رؤية عربية قادرة على بناء ذاتي مستقل، مبرزا أن الدول العربية تريد السلام وتنبذ الارهاب والتعصب وترغب في الاسهام في بناء الحضارة الانسانية.

ودعا ملك البحرين الى «احياء عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس مبادرة السلام العربية التي قدمها الأخ الأكبر الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي وأقرتها قمة بيروت».

كما دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، لتفعيل مبادرة السلام العربية، ضمن توجهات قمة بيروت، بعد أن تعثرت كل الجهود وانتكست كل المبادرات. واكد العاهل المغربي انه باعتباره رئيسا للجنة القدس، سيبذل كل الجهود الممكنة من أجل احياء عملية السلام على أساس قاعدة الارض مقابل السلام والشرعية الدولية، لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، داعيا في هذا الصدد لتفعيل خريطة الطريق.

ودعا العاهل المغربي إلى تجاوز الخلافات العربية وتوحيد الصف العربي واصلاح منظومة العمل العربي المشترك لاقامة تجمع اقليمي فاعل ومؤثر في النظام العالمي الجديد، منوها بالخطوات التي قطعها مجلس التعاون الخليجي والاتحاد المغاربي رغم الصعوبات الظرفية التي يجتازها. وقال الملك محمد السادس في خطابه الذي خصص القسم الأكبر منه لعملية الاصلاح في العالم العربي، ان خير ما يمكن ان يوجهه قادة الدول العربية لشعوبهم وللعالم، هو تأكيد اختيارات أساسية برسائل قوية، مفادها «أننا سباقون للإصلاح الذاتي، معاهدين الله على احترام المسار الخاص لكل شعب، والحوار مع الغير في نطاق التفاعل البناء بين المرجعية الاسلامية والكونية والتمسك بالأمن الشامل الذي يكفل لكل الشعوب سيادتها ووحدتها الوطنية والترابية»، مبرزا أن عملية الاصلاح تقوم وفق وتيرة تناسب كل بلد على حدة، وتحترم خصوصية شعبه وهويته الوطنية.

الى ذلك، دعا الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى القادة العرب الى حماية جامعة الدول العربية من الانهيار. وقال موسى في كلمته الافتتاحية ان هناك «اصواتا منادية الى التخلص من الجامعة او تفكيكها كأنها السبب في ما أصاب الأمة وهو غير صحيح».

واضاف موسى ان جامعة الدول العربية «تعيش الان لحظات حرجة وسط تحديات جسام، لا تدعوها تهوي او تنهار، ان الأمة كلها تنظر اليكم وتنتظر كلمتكم». وشدد الامين العام على ان الجامعة تعمل بجدية من اجل تحسين ادائها رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها. كما اعلن ان انهاء احتلال العراق سيتم وفق جدول زمني «يرتضيه العراقيون»، وقال ان «الدبلوماسية العربية تابعت تطورات الموقف في العراق بقلق كبير، اذ حدث تراجع كبير في فرص استقرار العراق وأمنه». واضاف ان الدبلوماسية العربية «اذ تتابع باهتمام وحذر تلك الخطوات التي تعود بها الأمم المتحدة إلي إدارة الساحة العراقية حتى تفرق بين غثها وسمينها، إلا أنه لا شك أن عودة المنظمة الدولية إلى إدارة الأمور في العراق يمكن أن تشكل ضمانة لتطورات ذات رصانة وسياسة ذات مصداقية تدفع بالموقف إلي الاتجاه الصحيح وهو استعادة السيادة وإنهاء الاحتلال بانسحاب قواته وفقا لجدول زمني يقره مجلس الامن الدولي ويرتضيه العراقيون».

وكان مسؤولون عرب قد اكدوا ان هذا الموقف يأتي بناء على طلب من مجلس الحكم الانتقالي العراقي الذي يريد ان يتم ربط المطالبة بانهاء احتلال العراق باستقرار الوضع فيه. وقال المسؤولون انه سيتم التعبير عن ذلك في قرار يصدر عن القمة العربية يتعلق بالوضع في العراق.

ويتوقع ان تتبنى القمة قرارات «معتدلة» حول العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على سورية وقرارا منفصلا يدين العملية الاسرائيلية الدامية في رفح جنوب قطاع غزة. وهناك توافق بين الدول العربية بشأن وثيقة الاصلاحات في العالم العربي مع وجود اقتراح سوري بعدم استخدام كلمة «اصلاحات» باعتباره مصطلحا غربيا، لكن مسؤولا عربيا قال الجمعة في ختام اجتماع وزراء الخارجية العرب التشاوري الاخير عشية القمة ان تغيير اسم الوثيقة امر «شكلي». ويتوقع ان تستمر القمة 24 ساعة وتختتم ظهر اليوم.

وقد اجتمع وزراء الخارجية العرب ليل اول من امس في قمرت شمال تونس لمدة اربع ساعات وذلك عشية القمة، واتخذوا قرارا حول العقوبات التي فرضتها الولايات المحدة على سورية وقرارا آخر حول رفح. وقال مسؤول عربي بارز فضل عدم الكشف عن هويته اثر الاجتماع الذي استمر خلال عشاء عمل ان الوزراء «تبنوا قرارا حول العقوبات الاميركية ضد سورية»، موضحا «لقد اعتمدنا قرارا يدعم سورية حيال العقوبات الاميركية ضدها». واضاف ان «القرار يطالب المجمتع الدولي بتشجيع الحوار بين سورية والولايات المتحدة لان القضايا لا تحل عن طريق العقوبات».

واشار الى ان وزراء الخارجية العرب تبنوا قرارا آخر حول العملية الاسرائيلية في رفح. وقال ان «الوزراء وافقوا على قرار «مستقل» يتعلق بالعملية الاسرائيلية في رفح والذي سيكون خارج البيان الختامي للقمة». واضاف ان «هذا القرار يعبر عن تأييد الدول العربية لقرار مجلس الأمن» الذي ادان اسرائيل لقتل فلسطينيين وهدم منازل في قطاع غزة. واوضح ان القرار «يطالب المجتمع الدولي بالعمل وفق روحية قرار مجلس الأمن».

واشار من جهة اخرى الى ان الوزراء «قرروا ان يضعوا بين يدي القمة القرار المتعلق بطلب سورية سحب كلمة «اصلاحات» من الوثيقة المتعلقة بهذا الموضوع». واضاف «ان القرار سيكون للرؤساء»، معتبرا ان «الموضوع شكلي وليس له اهمية كبرى».

وكان عضو في احد الوفود قد قال ان مشاورات في الكواليس سبقت الاجتماع بشأن وثيقة الاصلاحات، موضحا ان «سورية تعتبر ان ليست هناك حاجة لاستخدام عبارة «اصلاحات».

وتؤيد الاكتفاء بعبارة «التطوير والتحديث» في عنوان الوثيقة. وقال المصدر ان سورية تعتبر عبارة «اصلاحات» مصطلحا غربيا. وقالت المصادر ان تونس من الدول التي ترغب في الابقاء على عبارة «اصلاحات».

وقد افتتح الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اعمال القمة العربية صباح امس بحضور اثني عشر رئيسا وملكا، في حين تشارك الدول الثماني الاخرى على مستوى رؤساء الوزراء ووزراء الخارجية.