«الشرق الاوسط» تزور رفح بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي: حي «البرازيل» يبدو كما لو أن زلزالا قويا ضربه والأهالي ينتظرون الإذن لدفن موتاهم

الدبابات دمرت المنازل وأهلها بداخلها.. والجرافات خربت شبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي والهاتف

TT

بدا حي «البرازيل» في رفح كما لو ان زلزالا قويا ضربه، بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي منه فجر اول من امس. وشاهدت «الشرق الاوسط» التي زارت المكان، اكوام ركام المنازل المدمرة تسد الافق، ولا يمكن للمرء ان يسير في شوارع الحي بالسيارة نظرا لان جميع الشوارع قد تم حفرها بشكل متعمد لتخريب البنية التحتية الاساسية. شوارع الحي تملأها الحفر. وكما يؤكد السكان فإن جرافات «دي ناين الضخمة»، التابعة لجيش الاحتلال حرصت على تعميق الحفر في شوارع الحي كي تدمر شبكة المياه والكهرباء والصرف الصحي والهاتف. مياه الصرف الصحي تندفع في الشوارع، مؤذنة بحدوث كارثة صحية، مع العلم ان القطاع يعاني اصلا من داء الحمة الشوكية والحمى المالطية. جميع المنازل والمرافق العامة التي تقع على جانبي الشوارع قد تدميرها بشكل كلي او جزئي. اسوار مدرسة «القرطبي»، الثانوية، وعدد من الصفوف الدراسية، فضلا عن دورات المياه فيها قد تم تدميرها، بعد ان داستها الدبابات. سكان الحي يقولون ان دبابات «ميركفاه ثلاثة»، الضخمة لا تسير على الشوارع المعبدة، بحجة الخوف من زرعها بالعبوات الناسفة، لذا فان هذه الدبابات التي يصل وزنها الى ثمانين طناً تشق طريقها وسط المدارس والمرافق العامة، الامر الذي احدث دمارا يصعب وصفه.

احد سكان الحي ويدعى هاني ابو غالي، قال انه بينما كان يجلس مع افراد عائلته في الصالون، فاذا بالدبابة تقتحم المنازل، وأحد الجدران ينهار، فما كان منه الا ان قفز بشكل هستيري والقى باطفاله من احدى النوافذ الى حديقة المنزل وقفز، وهو لا يكاد يصدق انه نجا وافراد عائلته من الموت المحقق، وقد سوت الدبابة المنزل بالارض. اما ما حدث في حي «تل السلطان»، فهو اكثر مأساوية، وشهادات الناس الذين ما زالوا تحت حصار جيش الاحتلال تكشف عن السادية التي تعامل بها جنود الاحتلال مع سكان الحي. وكما يقول الصحافي عبد الرازق ابو جزر، الذي يسكن الحي المحاصر، فان قناصة الحي عندما كانوا يتجهون للصعود الى سطح احد المنازل فانهم لا يدخلونه من الباب، بل تقوم الجرافة بتدمير جزء من الطابق الارضي، ومن الجزء المدمر يندفع الجنود الى داخل المنزل. القناصة قبل ان يصعدوا الى السطح، فانهم يجمعون جميع افراد الاسرة الذين يسكنون في هذا المنزل في غرفة واحدة ويطلبون منهم عدم التحرك مطلقا الا بعد الحصول على اذن من الجنود. فمثلا منزل جمال عابد يقطنه اربعون شخصاً ويتكون من ثلاثة طوابق، جنود الاحتلال اجبر السكان على التجمع في احدى الغرف. والتوجه الى دورات المياه لا يتم الا باذن الجنود الذين يسوفون في الاستجابة لطلبات افراد العائلات المحتجزين. الطفل محمد ابو شمالة خمسة عشر عاما، مريض بمرض السكري، وكان عليه ان يتناول حقن الانسولين، الجنود لم يسمحوا له بتناول هذه الحقن الا امامهم وبعد ان يتعب كثيرا، وبعدما يأخذ هذه الحقن يطلبون منه ان يضعها في المرحاض وليس في أي مكان اخر.

في الحي ترى حطام السيارات المدمرة التي طحنتها الدبابات التي تشق طريقها فوق المنازل والمرافق العامة وممتلكات السكان. اكثر المناطق التي تعرضت للدمار في الحي هو مخيم «بدر»، مع العلم ان سكان هذا المخيم، سبق لارييل شارون ان دمر منازلهم في اوائل السبعينات عندما كانوا لا يزالون يعيشون في مخيم «بلوك او»، المتاخم للشريط الحدودي، وها هو يدمر منازلهم بعد اربعة وثلاثين عاما. اللافت للنظر ان اسرائيل دمرت في غضون ساعات ما سعت دول الاتحاد الاوروبي الى استثماره بملايين الدولارات من اجل تشييده في كل من مخيم «بدر»، ومخيم «كندا»، المتاخمين لحي «تل السلطان».

الشيء الاكثر ايلاما هو ما يحدث لذوي الذين قتلوا برصاص جيش الاحتلال. فما زالت جثث هؤلاء تمكث في ثلاجات الخضار تنتظر ان يسمح الجيش بدفنها. من هنا فانه وعلى الرغم من رفع حظر التجول عن الحي فانه لم يتم دفن أي شخص قتل في الحي.