مسؤول الاستخبارات الخارجية في حركة قرنق: السودان مقبل على تحول حضاري لا مكان فيه للرافضين للديمقراطية

ادوارد لينو لـ«الشرق الأوسط»: الحكومة جندت 150 تاجرا شماليا سابقا للعودة للجنوب والعمل لصالحها

TT

يعتبر ادوارد لينو القيادي البارز في الحركة الشعبية لتحرير السودان مسؤول المخابرات الخارجية فيها، من اكثر القيادات المنادين بما تسميه الحركة بـ«السودان الجديد» القائم على الديمقراطية وحقوق المواطنة والحريات. وهو من أبناء منطقة ابيي احدى المناطق الثلاث المثيرة للجدل في مفاوضات السلام الجارية حاليا في مدينة نيفاشا بكينيا بين الحكومة والحركة الشعبية. انضم الى الحركة في عام 1985، وكان عضوا سابقا في الحزب الشيوعي السوداني، وهو اديب وشاعر له ديوانان في شعر المقاومة بالانجليزية ويتحدث اللغة العربية بطلاقة. وهو خريج كلية الاداب بجامعة الخرطوم عام 1971، وهو دفعة النائب الاول لرئيس الجمهورية علي عثمان طه وتخرجا معا في العام نفسه. وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» تحدث عن مستقبل السودان بعد توقيع «اتفاق السلام» والتحديات التي تواجهه، وقال ان «المسؤولية اكبر من ان يتحملها القادة وحدهم»، وطالب بمشاركة الكل في حمل العبء حتى يستطيع السودان تجاوز مخاطر التشتت والفرقة وتجاوز اثار الحرب.

* إدوارد لينو بكى عندما زار الخرطوم في ديسمبر (كانون الأول) الماضي لأول مرة بعد نحو 20 عاما من الفراق.

* من المتوقع ان يشهد السودان تحولات سياسية كبيرة بعد توقيع اتفاق السلام، لكن هناك قضايا ما زالت عالقة في دارفور وشرق السودان في ظل الهدوء الذي يسود الجنوب، وستكون هذه قنابل موقوتة.. ما هو تقديركم لهذا الوضع حاليا ومستقبلا؟

ـ صحيح ان السودان مقبل على تغيير يشهده في تاريخه، ولكن ما نقوم به الآن كان يمكن ان يحدث قبل عام 1956.

اليوم اصبح التغيير واقعا، وملامحه بدأت تظهر، والقنابل الموقوتة في دارفور والجنوب نفسه وشرق السودان والانتفاضة الكامنة في نفوس السودانيين في وسط السودان، هي حقائق موجودة، وما أراه ان النظام كأنه يتحين الفرص التي يمكن ان تخرجهم من هذه التجربة بأقل الخسائر الممكنة، وبالطبع هم سيخسرون التفرد بالسلطة والمال.

لكن في الفترة التي تحدث فيها هذه التغييرات سيحدث التوجه الحضاري الحقيقي ببناء السودان وبمشاركة كل السودانيين، هذا هو التوجه الحضاري الذي يمكن ان نتحدث عنه وليس ما فعله النظام في الفترة السابقة من توجه حضاري احادي.

* الحوار بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان ليس جديدا، هو بدأ منذ عام 1989، بوصول النظام الى السلطة، الآن دخل في مرحلة جادة جدا، هل لديك اعتقاد بعد كل ذلك الا يكون النظام جادا في الوصول الى اتفاق؟

ـ النظام حاول في البداية وطيلة هذه الفترة ان يراوغ حتى ان اتفاق الخرطوم للسلام الذي ابرم عام 1997، كان محاولة تكتيكية، وعندما سألنا نائب الرئيس علي عثمان طه حوله رد طه ان ذلك الاتفاق كان عملية تكتيكية، وهذا صحيح، لأن النظام كان يحاول طيلة الفترة الماضية تشتيت وتفتيت الحركة الشعبية ووحدة المعارضة السودانية، لكن ما يحدث الآن انهم قاب قوسين او أدنى من اتفاق شامل، وان زمن الافك اصبح مكتوبا عليه الفناء.

* انتم ستشاركون في السلطة والحكومة القادمة رغم انها تضم نقيضين، هل يمكن لها الاستمرار؟

ـ لن تكون المشاركة في الحكم قاصرة علينا، نحن الطرفين بل كل الاحزاب السياسية ستشارك، وبالتالي من دون تردد هذا سيصبح شكلا من اشكال الحكومة القومية في الفترة الانتقالية، ولن ينفرد الحزب الحاكم بالحكم لوحده، والذي يمكن ان يحدث ان يكون للنظام 40 في المائة، والحركة الشعبية 40 في المائة، والاحزاب السياسية الاخرى 20 في المائة، لذلك لن ينفرد احد الطرفين بنسبة الـ50 في المائة في الحكومة القومية.

والحوار حول تقاسم السلطة لن يكون حول التقاسم فقط، بل في شكل الحكم، وكيفية ادارة الدولة السودانية في الفترة المقبلة في اطار ان السودان مقدم على عهد جديد، وبالتالي شكل الحكم لن يكون شراكة بين طرفين فقط من دون النظر الى الآخرين، واعتقد ان هذا هو الذي يخيف قادة الجبهة الاسلامية الحاكمة، لانهم لم يعتادوا ان يشاركهم احد في السلطة والا يشير اليهم احد بكلمة لا.

* وما صحة ان البترول المكتشف في ابيي له دور في تعميق الازمة والمفاوضات حولها؟

ـ نعم هذا صحيح، اذ أصبح البترول دور في هذا التفاوض، وشخصية مثل وزير الطاقة الدكتور عوض الجاز الذي لم تكن يعرف أبيي في حياته بدأ يتحدث بان البترول المكتشف في أبيي هو ملك للشمال، وان المنطقة بها بحيرة من البترول لا يمكن ان يتخلى عنها النظام، هذا الحديث قاله الجاز في زيارته لفرنسا مؤخراً.

يظهر من ذلك ان النظام يحاول زج الموارد الطبيعية في المفاوضات حول قضية هذا المنطقة، وهذا اسلوب معروف ظل يتبعه النظام في مفاوضاته معنا دون النظر الى حقوق هؤلاء المواطنين او الى جذور المشكلة.

* حسب تقديرات المراقبين سيواجه الجنوب مشاكل وخلافات وتنافسا سياسيا خاصة ان معظم ابناء الجنوب حملوا السلاح في فترات مختلفة.. كيف وضعت الحركة الشعبية خطتها لتخطي هذه الصعاب حتى لا تكون هناك مشاكل مسلحة في الجنوب؟

ـ عندما بدأت الحركة الشعبية نضالها عام 1983 بدأت الحكومة منذ ذلك خلق قوات مناوئة للحركة من ابناء الجنوب بالذات، وتم تكليف الحكومات الاقليمية الجنوبية بعد التقسيم الذي حدث عام 1983 في اعالي النيل وبحر الغزال والاستوائية بأن تقوم بمواجهة الحركة الشعبية في مهدها، لذلك هذا ليس غريباً ان يتواصل مثل هذا العمل.

لذلك كل المعارضة الجنوبية التي تتحدث عنها الحكومة اليوم لديها علاقة مباشرة في التمويل والتدريب والتسليح من النظام. وصراحة يحاول النظام حاليا ان يستمر في هذا الاتجاه، وحتى اذا تم الاتفاق ستستمر محاولات النظام بتجنيد بعض المجموعات لادخالهم تنظيم الحركة الشعبية والجيش الشعبي، بل الان يقوم النظام بتدريب بعض من ابناء الجنوب في اجهزة الأمن والجيش لاستيعابهم وتسريبهم الى الجيش الشعبي.

* ما تحدثت عنه يشير الى امرين اما ان يقود الى بناء ثقة مهزوزة او اعادة الازمة وفقدان الثقة مجدداً؟

ـ بنهاية الفترة الانتقالية بعد ست سنوات سيدلي كل مواطني الجنوب باصواتهم لتحقيق مصيرهم ومستقبل السودان، والنظام يحاول بهذه الاقتراحات ان يكسب بعض الجنوبيين ليس لصالح وعيون الجنوب ولكن لشيء آخر.

واكشف لك امراً آخر ان هناك اكثر من 150 تاجراً شمالياً كانوا يعملون في الجنوب وفقدوا اموالهم خلال الحرب. الآن هناك تنظيم من قبل الحكومة بتمويل هؤلاء التجار ليعودوا الى الجنوب مرة اخرى ولذلك فإن النظام ما زال يريد المضي والاستمرار بذات الاساليب القديمة وليس باساليب الصراحة والشفافية والوضوح والتفاهم، ونحن لا نتخيل ان السودان يمكن ان يتغير بين يوم وليلة، وانه في مرحلة من المراحل فان بعض السياسيين سينظرون الى التغييرات الجديدة بعين قديمة وسيحاولون حل كل ما يظهر من خلافات باسلوب (لعب الطواقي) واعتقد ان مثل هذه الممارسات ستستمر طالما كان هناك صراع سياسي، ولكن سيأتي الوقت الذي سيعرف فيه الناس ان مثل هذه الاساليب غير مجدية، واذا ما استمرت هذه الحيل ستؤدى الى تفتيت البلاد وتمزيقها بصورة اوسع، ولن تتوقف بانفصال الجنوب بل ستمتد الى ابعد من ذلك.

* الحركة الشعبية تتحدث عن السودان الجديد، لكن هناك عدم قناعة من بعض الجنوبيين حتى أولئك الذين يعملون في الحركة بجدوى هذا الشعار، وهم يطالبون الحركة بأن تلتفت إلى الجنوب، كيف ستواجهون مثل هذه المشاكل؟

ـ هذا صحيح، إن هناك عددا لا يستهان به من الجنوبيين داخل الحركة وخارجها يتحدثون مثل هذا الحديث، لكن هذا يعود إلى تراكم عدم الثقة خلال هذه الفترة الطويلة من تاريخ السودان، والآلام والتجارب المريرة التي مر بها الجنوبيون، وكلما كانت هناك محاولة للتلاعب في مستقبل الشعب وعدم الشفافية في العمل السياسي ستتصلب هذه المواقف وتصبح أمرا واقعا في النهاية، وسيصيب مستقبل وواقع السودان لا محالة.

وأنا أعتقد أن عدم قبول فكرة السودان الجديد لا ينطبق على الجنوبيين فقط بل هناك محاولات ومراوغات في وفد الحكومة المفاوض وهذا جزء لا يتجزأ من ذلك الرفض والنظام الحالي الذي نتفاوض معه، ونأمل أن نصل إلى اتفاق سلام نهائي هو أيضا يمثل قمة الرافضين لفكرة السودان الجديد، لأنه لا مكان لهم في السودان الجديد الذي ستكون فيه الديمقراطية والحريات العامة والعمل المكشوف والمعلن، وهذا لا يستوعب مثل أولئك.

* هل أنت مع المنادين بضرورة المحاسبة للمسؤولين على الجرائم التي ارتكبت منذ بداية الحرب؟ أم مع الذين ينادون بتطبيق نظام «الحقيقة والمصالحة» الذي عمل به في جنوب أفريقيا بعد نهاية الفصل العنصري؟

ـ أنا شخصيا أرى أن السودان يحتاج إلى «الحقيقة والمصالحة»، هناك جرائم ارتكبت في حق الإنسان السوداني واختفاء آخرين، ومن ثم تعذيبهم حتى الموت، وهؤلاء الأبرياء لم تكن الاتهامات التي وجهت لهم تستحق حبسهم، ناهيك من إعدامهم، إلى جانب أن هناك أموالا أهدرت، هذا لا يتوقف على جانب ضباط الجيش السوداني بل حتى الجيش الشعبي لتحرير السودان وذلك حتى لا ترتكب الجرائم الإنسانية من دون محاسبة، وما نريده في «الحقيقة والمصالحة» إبراز الحقيقة خاصة لذوي المفقودين، لأن لديهم الحق الكامل في معرفة ما حدث لأبنائهم، وأولئك النساء اللائي اغتصبن وتم سبيهن أن يعرفن الحقيقة.

* بعد عشرين عاما من الحرب، كيف يتم بناء مستقبل السودان؟

ـ الإنسان ذاكرته بسيطة رغم كل الآلام الكبيرة، وما نحتاجه هو الوضوح، نعم، الستة أعوام المحددة للفترة الانتقالية بسيطة لكن المطلوب عمله خلال هذه الفترة بالذات في عملية بناء الثقة مسألة ضخمة جدا، لذلك أفضل طريق هو أن يعمل الجميع لبناء السودان على أسس جديدة بطرق سلمية وحضارية ويمكن أن نتخطى التحديات الكبيرة التي ستواجه الجميع.

* هل أنت شخصيا مع وحدة السودان أم أنك مع الانفصال؟

ـ لست مع الوحدة أو الانفصال، أنا لدي واجب أريد أن أقوم به وأوصله للناس جميعا، أنا شخصيا من دعاة السودان الجديد بكل ما أملك من قوة روحية وجسدية، وهمي الأكبر أن يكون الإنسان إنسانا في المقام الأول وأن تحفظ كرامته من دون تخويفه وتجريده من حقه الطبيعي والإنساني، وليس هناك أحد من قيادات الحركة يمكن أن يحدد لك هل هو مع الوحدة أو الانفصال وهذا أوانه سيأتي بالطبع.