القذافي يخطف الأضواء في تونس «بمقاطعته القمة» بعد دقائق معدودة من بدء الجلسة الافتتاحية

الزعيم الليبي ينتقد جدول أعمال القمة ويلوح بالانسحاب من الجامعة * التفت إلى مبارك وأشار إلى سيجارة كان يدخنها قائلا «هذه سيجارة أميركية»

TT

فجر الزعيم الليبي معمر القذافي مفاجأة كبرى بانسحابه من الجلسة الاولى للقمة العربية بعد دقائق معدودة من افتتاحها رسميا، وقال القذافي في مؤتمر صحافي عقده بعد انسحابه ان ليبيا تنسحب من القمة «لانها غير راضية عن جدول الاعمال» ولعدم طرح مبادرة السلام الليبية التي تدعو لحل الصراع العربي الاسرائيلي بتأسيس دولة واحدة للفلسطينيين والاسرائيليين تسمى «اسراطين»، كما انتقد تبني القمة لمبادرة السلام العربية عوضا عنها. غير ان التوقيت والطريقة التي غادر بها القذافي رجحت سببا اخر متعلقا باستياء الزعيم الليبي من الكلمة التي القاها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى حول «المواقف الاحادية» لبعض الدول العربية، وسعي «بعض الاصوات» للقضاء على الجامعة. وذكرت مصادر دبلوماسية رفيعة ان الأمين العام للجامعة العربية خلال القائه كلمته، وفي فقرة بعينها قال فيها ان هناك «اصواتا منادية الى التخلص من الجامعة او تفكيكها كأنها السبب في ما اصاب الامة وهو غير صحيح»، واصفا الانتقادات التي تتعرض لها الجامعة من بعض العرب بأنها بمثابة «سهام موجهة للقلب»، منتقدا العرب الذين يتصرفون بشكل منفرد، وهو ما فهم على انه انتقاد لقرار طرابلس احادي الجانب التخلص من برنامجها لاسلحة الدمار الشامل، وهنا قام القذافي من على مقعده فجأة وتوجه خارج القاعة دون ان ينبس ببنت شفة عند سماع هذه الانتقادات التي ادت بحسب الدبلوماسيين الى «مضايقته». وعندما سأل الصحافيون عمرو موسى لاحقا عما اذا كانت كلمته هي السبب وراء مغادرة القذافي، فأجاب «هل هذا معقول»؟

وبعدها بقليل عاد القذافي الى متابعة اعمال الجلسة الاولى، وتابع القذافي خطاب الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ورئيس وزراء البحرين وهو يدخن سيجارة ولا يبدو سعيدا، ولاحقا بدا متململا يلتفت يمينا ويسارا ويقلب عينيه الى سقف القاعة.

واشارت مصادر ليبية إلى ان القذافي لا يدخن كما انه يمنع من حوله من التدخين. وذكر دبلوماسيون ان القذافي الذي كان جالسا قرب الرئيس المصري حسني مبارك قال للاخير «انني ادخن سيجارة اميركية الصنع». واكتفى الرئيس المصري بالابتسام دون ان يعلق. وعقب مغادرة القذافي الجلسة، هب خلفه حرسه الشخصي، واعلن مصدر رسمي في الوفد الليبي ان القذافي سيعقد مؤتمرا صحافيا بعد قليل، ولاحقا اعلن القذافي في المؤتمر الصحافي الذي حضره ببدلة بيضاء ناصعة بدلا من العباءة التي حضر بها الجلسة الاولى ان ليبيا مضطرة لمقاطعة القمة لانها لا توافق على جدول اعمال الحكومات العربية وان بلاده تريد جدول اعمال الشعوب العربية، كما انتقد عدم بحث جامعة الدول العربية اقتراحه بقيام دولة واحدة اسرائيلية فلسطينية. واوضح ان «القمة العربية تنعقد في وقت يشهد سجن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس العراقي السابق صدام حسين». واكد القذافي انه يؤيد «قيام دولة واحدة يعيش فيها الفلسطينيون واسرائيليون كحل للصراع في الشرق الاوسط».

وانتقد القذافي الذي كان يتنقل في حديثه بين العربية والانجليزية عمرو موسى لتجاهل خطته المسماة «بالورقة البيضاء» لاحياء الحل القائم على اقامة دولة واحدة للفلسطينيين والاسرائيليين. وقال القذافي ان العوامل السكانية في اسرائيل والاراضي الفلسطينية وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى ديارهم تجعل من اقتراحه الخاص بدولة واحدة الحل الوحيد للصراع.

وعندما سأل الصحافيون القذافي عما اذا كان انسحابه من الجلسة الافتتاحية يعد تجميدا لعضوية ليبيا في الجامعة العربية او انسحابا منها، رد القذافي بشكل غير مباشر قائلا «اتمنى ان تتخذ اللجان الشعبية في ليبيا قرارا بالانسحاب». كما انتقد مبادرة السلام العربية التي ايدتها الدول العربية والتي تقضي بتطبيع العلاقات بين اسرائيل وكل الدول العربية، مقابل انسحاب اسرائيل من كل الاراضي العربية المحتلة في فلسطين وسورية ولبنان، مشيرا الى انها تتجاهل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين.

وثار القذافي حينما خاطبه أحد الصحافيين باعتباره رئيساً، وقال «الشعب الليبي هو الرئيس، والشعب هو صاحب السلطة لأن ليبيا ليست دولة أنتيكات كما هو موجود». وقال القذافي ان الرئيسين المصري حسني مبارك والجزائري عبد العزيز بوتفليقة أقنعاه بالحضور الى القمة.

وحول ما يحدث في الأراضي الفلسطينية، قال الزعيم الليبي «أتمنى أن ترسل الجامعة قوات عربية لتحل محل قوات الاحتلال حتى تعيش الشعوب في سلام»، مشيراً الى ان هناك مبادرة بيروت العربية ومبادرة خريطة الطريق الاميركية، وأضاف ان مبادرة بيروت تم تجاوزها والمهم الآن خريطة الطريق. وأكد القذافي تأييده لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، مشيراً الى أن ما يطرح حول حل مشكلاتهم يعني إبادتهم، مؤكداً ان الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم وفقاً لقرار التقسيم وليس على مساحة 45% من الأرض.

واكد الزعيم الليبي انه لن يواصل حضور جلسات القمة، مشيرا إلى أنه لن يحضر الجلسات الختامية التي تعلن فيها نتائج أعمال القمة لانه غير راض عن اجندة الحكومات العربية ويدعو لاعتماد اجندة الشعوب، كما انه غير راض عن النتائج التي تناقش في القمة. وقال انه جاء اصلا الى تونس «تلبية لرغبة صديقي الرئيس بن علي واثر مكالمات هاتفية اجراها معي الرئيسان حسني مبارك وعبد العزيز بوتفليقة الليلة قبل الماضية».

وعاتب القذافي العرب بسبب ما اعتبره «تخليا منهم عن القضية التي ضحوا من أجلها قبل 1967»، وقال «انهم جاؤوا الآن وقالوا بأنهم يقبلون باستعادة الأراضي التي احتلت في ذلك التاريخ متخلين عما سبقها من تضحيات».

وقالت مصادر ليبية وعربية واسعة الاطلاع إن الانسحاب المفاجئ للزعيم الليبي خلال إلقاء عمرو موسى كلمته يعني ان ليبيا قررت نهائيا الانسحاب من القمة العربية. واكدت مصادر ليبية أن الانسحاب من الجامعة العربية بات نهائيا ومجرد مسالة وقت فقط لا غير. وتوقعت المصادر أن تجدد ليبيا رسميا طلب تفعيل طلبها السابق الذي قدمته في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر( تشرين الاول) من عام 2002 لتجميد عضويتها في الجامعة العربية احتجاجا على ما تقول إنه عجز عربي رسمي عن التعامل مع القضيتين الفلسطينية والعراقية. وتترقب أوساط الجامعة العربية وصول مذكرة رسمية ليبية في هذا الاتجاه في أي وقت، علما بأن عدة وساطات عربية قد نجحت في وقف تفعيل طلب الانسحاب الليبي السابق.

وثار جدل وغموض حول مشاركة القذافي في قمة تونس، حيث لوحظ أن وسائل الإعلام الليبية الرسمية ظلت على مدى اليومين الماضيين تمهد إعلاميا لاحتمال تغيبه، بعدها أشارت إلى أن سلسلة الاتصالات الهاتفية التي أجراها معه عدد من الزعماء العرب على رأسهم الرؤساء التونسي والجزائري والمصري اقنعته بالمشاركة.

وكانت وكالة الأنباء الليبية الرسمية قد اعتبرت اول من امس أن دول الجامعة العربية لا تقوى على التعامل والتجاوب مع التحدي الذي يواجه الامة العربية بما يلبي تطلعات الشعوب العربية في هذا الظرف العسير الذي تطلب فيه هذه الشعوب إدراج بند واحد فقط على جدول أعمال هذه القمة وهو تطبيق معاهدة الدفاع العربي المشترك، والالتزام بمقاطعة الإسرائيليين، وهو التحدي الذي يصعب على دول الجامعة العربية أن تواجهه في هذه القمة.