لبنان: مواقف سياسية متباينة حول «مسيرة الأكفان» وانعكاساتها

TT

تباينت المواقف السياسية في لبنان من «مسيرة الأكفان»، التي نظمها «حزب الله» اول من امس في ضاحية بيروت الجنوبية وضمت اكثر من نصف مليون شخص لبسوا الاكفان واطلقوا صيحات الغضب ضد اميركا واسرائيل، احتجاجاً على الاعتداءات التي تتعرض لها المقدسات في العراق وفلسطين. ففي حين أيّد وزير الثقافة اللبناني غازي العريضي هذه المسيرة ووصفها بـ«اقوى وابلغ الرسائل» الشعبية الى القمة العربية، والى المشروع الاميركي الهادف الى اثارة الفتنة، اعتبر النائب الدكتور فارس سعيد عضو «لقاء قرنة شهوان» المسيحي المعارض «ان الخيارات التي يتخذها (حزب الله) لا يتحملها وحده»، منتقداً «تفرده باتخاذ قرارات من هذا الحجم، كوضع نفسه بتصرف حركة حماس وارتباطه بحركة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر المدانة من قبل المرجعيات الشيعية».

وأوضح الوزير العريضي في حديث تلفزيوني ان الموقف الذي اعلنه الامين العام لحزب الله الشيخ حسن نصر الله في الخطاب الذي ألقاه في مسيرة الاكفان «يعبر عن الخيار الاستراتيجي للدولة اللبنانية»، لافتاً الى: «ان نصر الله اطلق خطاباً سياسياً حمل رسائل الى القمة العربية من بيروت، فـ(رئيس الحكومة الاسرائيلية ارييل) شارون يوجه رسائل الى القمة العربية بالدم في رفح، و(الرئيس الأميركي جورج) بوش و(ووزير الخارجية كولن) باول يوجهان رسائل الى القمة بالضغط السياسي والدبلوماسي الذي افشل الموعد الاول للقمة وبما يفعلانه في العراق. ان رسائل نصر الله هي رسائل سياسية ابلغ واقوى واعلى خطاب شعبي عربي يستقطب الناس. صحيح ان المظاهرة مهدها شيعي، لكن انعكاسها على المستوى العربي والاسلامي يتجاوز الحد الشيعي. هذا من جهة، ومن جهة اخرى بالمعنى الشيعي للكلمة عراقياً، هكذا مظاهرة وهكذا موقف اسقط لعبة الاميركيين في العراق بمحاولة اثارة الفتنة السنية ـ الشيعية، حيث بدأت عملية الاسقاط بموقف مقتدى الصدر بأن المقاومة ليست مقاومة سنية، بل الشيعة معنيون ايضاً بما يجري في العراق بمواجهة الاميركيين».

واعتبر العريضي «انه في ظل الغياب العربي الرسمي والحزبي والشعبي ظهر نصر الله قائداً عربياً شيعياً بامتياز، وان خطابه يظهره في منتهى الذكاء». واردف: «ليس من القليل ان يقف قائد المقاومة بعد الاعلان عن شبكة «موساد» تخطط لخطفه او لاغتياله، ويخاطب الاميركيين وغيرهم علناً بالقول «انا هنا، هذا خطابي، فتفضلوا لاعتقال، لاغتيال، لعمليات». ورداً على سؤال عما اذا كان نصر الله يحتكر الشارع الشيعي في لبنان، رد العريضي بالنفي وقال: «انه لا يحتكر الشارع الشيعي فهو يقود المقاومة ولا ينادي بالاحتكار، لكننا نعيش في البلد فراغاً سياسياً، وهناك متغيرات في الحياة سياسية اللبنانية وهناك شريحة كبيرة الى هذا الحد موجودة تؤيد خيار المقاومة».

من جهة ثانية، اعتبر النائب باسم السبع ان مظاهرة حزب الله «تشكل رسالة سياسية وحلقة اساسية من حلقات التعبير عن الصراع الدائر في العالم العربي». ورأى ان «اخطر ما فيها انها تشكل ربطاً للبنان بعوامل جديدة للصراع في المنطقة»، مشيراً الى ان «رفع صورة مقتدى الصدر في المسيرة يجعلنا امام عامل جديد من عوامل الازمة في لبنان»، ثم قال: «ان رسالة مظاهرة الاكفان التي وجهها حزب الله الى الاميركيين تتكامل مع الرسالة الاولى التي وجهها الحزب من خلال الانتخابات البلدية. وهذا التكامل يرتكز على ارضية حقيقية تؤكد استحالة فك الارتباط بين المسألة الداخلية والمسائل المحيطة بها، مما يعني ان عملية فك الارتباط بين المسألة اللبنانية والصراع العربي ـ الاسرائيلي بدا امراً مستحيلاً في السنوات الماضية، وكاد ان يطيح بالدولة اللبنانية، واكثر ما اخشاه في المرحلة المقبلة ان يكون لبنان ارتبط بدوائر جديدة غير الدوائر المرتبطة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي».

ثم اضاف: «هذه المظاهرة اخطر ما فيها انها تشكل ربطاً للبنان بعوامل جديدة للصراع في المنطقة. لبنان كان على مدة 50 سنة مرتبطاً بشعار اسمه تحرير القدس وبتنا امام شعار جديد اسمه تحرير النجف. وهذا الامر يتعلق بمقدسات المسلمين، ولذلك لا يجوز الاستهانة به خصوصاً من المعنيين بقراءة هذا الملف من جانب المسلمين الشرقيين في النجف وكربلاء مسألة اساسية في جوهر العقيدة الاسلامية الشيعية. والمسلمون في لبنان وفي هذا الشرق يرون ان مقدساتهم تنتهك واحدة تلو الاخرى». أما النائب سعيد، فقال ان «الخيارات التي يحاول حزب الله ان يأخذها منذ شهرين وحتى اليوم هي مسؤولية سياسية لا يتحملها حزب الله وحده، لأن قرار الحرب والسلم ليس على عاتق حزب الله فقط. وهو ليس قادراً على التفرد بشكل مستقل بأخذ قرارات بهذا الحجم من مثل وضع قيادته بتصرف حركة «حماس» او الايحاء اليوم بارتباطه بحركة مقتدى الصدر المدانة من قبل قيادات شيعية ومرجعيات سياسية بارزة».

واعتبر سعيد ان لبنان بات اشبه «بصندوق بريد، يبعث من خلاله السوريون برسائل الى اميركا»، مشيراً الى ان اللبنانيين «دفعوا ثمناً غالياً قبل اي بلد آخر». ثم قال: «اذا كانت قوى التطرف في العالم وصلت الى حائط مسدود، آن الآوان في لبنان ان تنهض مجموعة اسلامية ـ مسيحية وتقول ان هذا السلوك دفعنا ثمنه، وتعالوا لنبحث عن خيار آخر خارج دورة العنف وخارج خيار العنف الدائر في المنطقة».

هذا، وكان وفد شعبي سوري ضم المئات من الاشخاص من «حركة المرتضى الديمقراطية» شارك اول من امس في مسيرة نصرة المقدسات في فلسطين والعراق، قد زار الشيخ خضر نور الدين عضو المجلس السياسي في «حزب الله» امس، والقى مدير مكتب الدكتور جميل علي الاسد (رئيس الحركة) الشيخ يوسف حوراني كلمة اكد فيها على «ضرورة الوحدة في مواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة»، واضعاً الحركة في تصرف الانتفاضة والمقاومة. واشار الى «دور سورية في لبنان منذ بداية الاحداث وحتى اليوم مؤكداً على ثبات الموقف السوري متمثلاً بالرئيس الشاب الواعد الدكتور بشار الاسد».