يهودي أرثوذكسي إسرائيلي تحقق معه السلطات الأميركية في تهمة تنظيم شبكة لتصدير مكونات نووية إلى دول إسلامية

TT

وسط السباق على تفكيك سوق سوداء عالمية لمكونات الأسلحة النووية، تركز السلطات الأميركية على قضية غير مألوفة: يهودي ارثوذكسي من اسرائيل متهم بمحاولة بيع أجزاء اسلحة نووية الى رجل أعمال في باكستان الاسلامية.

فقد اعتقل أشر كارني، 50 عاما، المقيم حاليا في جنوب افريقيا، في مطار دينفر الدولي عند وصوله مع زوجته وابنته الى نيويورك لقضاء العطلة في التزلج. وظل اصدقاء وأفراد العائلة يمارسون ضغوطا من أجل اطلاق سراحه، وهم يصفونه بانه تاجر إلكترونيات دؤوب يحاول أن يتكسب رزقه، غير ان السلطات الفيدرالية الاميركية مقتنعة بأن كارني شخص مهم، وانه لاعب متمرس في شبكة سرية من تجار الأجزاء الاحتياطية والتقنية والمعلومات لبرامج الحكومات الأجنبية في مجال الاسلحة النووية السرية.

وتقدم قضية كارني اضاءة نادرة لما تقول السلطات انها سوق دولية سوداء تعج بالمقاولين والناقلين والعلماء والمصنعين ووكلاء الحكومات ورجال الجريمة المنظمة وربما الارهابيين.

وتقول السلطات ان القضية توفر أيضا توضيحا كلاسيكيا عن الكيفية التي يعمل بها تجار تهريب المواد النووية المحظورة، وبينها الاستعداد للالتفاف على قيود التصدير واخفاء الاستخدام الحقيقي للمنتجات واستخدام الوسطاء للشراء من المصنعين والتجار الشرعيين وارسال الشحنات عبر بلدان عدة.

ويزدهر عمل مثل هؤلاء المهربين وسط رد فعل ضعيف الفاعلية من جانب الولايات المتحدة وحلفائها أو الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، على الرغم من التحذيرات المتكررة. ويشير مسؤول كبير في وزارة الأمن الداخلي الأميركية الى تحقيقات متواصلة حساسة بشأن قضايا تتطلب سرية ويقول انه «توجد شبكات ايرانية وصينية وشرق أوسطية، وهي شبكات متطورة في شراء التقنية وأجزائها في مختلف أنحاء العالم، وتعمل في الولايات المتحدة وبعضها مشاريع عائلية ينتقل العمل التجاري فيها من الاباء الى الابناء».

وقد ظهرت احدى هذه الشبكات الى الضوء قبل خمسة أشهر، عندما اعترف العالم الباكستاني البارز عبد القادر خان ببيع برامج أسلحة نووية أعدت حسب الطلب الى ايران وليبيا وكوريا الشمالية لقاء عشرات ملايين الدولارات.

ووضعت السلطات كارني في الاحتجاز، مشيرة الى أنه يشكل خطرا وتهديدا للأمن القومي. وقد اتهم بانتهاك القانون الفيدرالي للسيطرة على الصادرات وقوانين اخرى تهدف الى منع انتشار الاسلحة النووية. ويواجه المتهم الذي احتجز في سجن يقع في ضواحي واشنطن حكما بالسجن يصل الى 10 سنوات اذا ما ثبتت عليه جميع التهم.

وكارني متهم بتنظيم عقد لارسال 200 محولة كهربائية يمكن استخدامها لاغراض طبية او للاسلحة النووية، الى رجل اعمال باكستاني يدعى همايون خان.

وقد نفى كارني وخان الانتهاك العمد لاي قوانين اميركية، كما ذكرا انه ليست لديهما علاقات مع عبد القادر خان او شبكته.

ويعتقد بعض المسؤولين الاميركيين ان الواجهة الاخيرة لتلك المعدات الكهربائية هي الحكومة الباكستانية، والمتهمة ايضا بالتواطؤ مع شبكة عبد القادر خان. وينوي المحققون الفيدراليون السفر الى العاصمة الباكستانية اسلام اباد، في اطار التحقيقات.

وهذه المعدات هي محولات كهربائية متقدمة ذات استخدامات غير عسكرية، تشمل تكسير حصى الكلى، ولكن لانها تبث شحنات كهربائية قوية تعتبر مثالية كمفجرة نووية مما دفع الحكومة الاميركية الى الحد من صادراتها.

وفي عريضة الدعوى المقدمة في قضية كارني في واشنطن، ذكرت السلطات ان خان تقدم بطلب، في اسلام اباد مع كارني لشراء 200 من هذه المحولات في الصيف الماضي، قيمة كل منها 447 دولارا اميركيا، وان خان لديه علاقات بالمؤسسة العسكرية الباكستانية وجماعة اسلامية سياسية متطرفة.

واوضح النائب كريستوفر كوكس رئيس اللجنة الاختيارية للأمن الداخلي في مجلس النواب الاميركي ان «هذه الاتهامات في غاية الخطورة». واصر المسؤولون الباكستانيون في مقابلات مع صحيفة «لوس انجليس تايمز» على ان حكومة اسلام اباد ليست طرفا بأي شكل في شراء منتجات اميركية محظورة، وهو الحظر الذي صدر في جزء منه بسبب برنامج التسليح النووي الباكستاني. غير ان الصحيفة اكدت ان باكلاند كورب، وهي شركة التصدير الخاصة بإسرة همايون خان كانت وكيلا للمشتريات للبرنامج النووي منذ عام 1975. وفي ذلك الوقت كانت باكلاند تتفاوض على عقد واحد على الاقل لمواد مشتبه في استخدامها في صناعة الاسلحة النووية مع الفريد همبل وهو رجل صناعة الماني، ونازي سابق والشخصية الاساسية في سوق (بازار) المعدات النووية.

وقد بذل همبل الذي مات في عام 1989، جهدا كبيرا لنشر الاسلحة النووية مثلما فعل عبد القادر خان، وربما اكثر، طبقا لما ذكره غاري ميلهولين، وهو مؤسس مشروع ويسكنسون في واشنطن للحد من انتشار الاسلحة النووية.

وخلال السبعينات والثمانينات، استخدم همبل طائرات الشحن والرشاوى وشبكات سرية من الناشطين لامداد دول في جنوب اسيا وافريقيا واميركا الجنوبية والشرق الاوسط بمعدات نووية تستخدم في صناعة الاسلحة، ومثل عبد القادر خان، جمع ثروة تقدر بالملايين، وبالرغم من الرقابة من قبل هيئات الحد من الاسلحة النووية لسنوات عديدة، تمكن من الافلات دائما.

وذكر مسؤول وزارة الأمن الداخلي ان المحققين ينوون القيام بملاحقة جادة لاية علاقة بين قضية كارني وما يمكن ان يكون تبقى من شبكة همبل. وذكر المسؤول انه يبدو ان همايون خان كان متورطا في عقود غير قانونية ترجع لعدة سنوات. ورفض تشانينغ فيلبس المتحدث باسم مكتب مدعي مدينة واشنطن التعليق لان التحقيق لا يزال في مراحل اولية.

كما رفض فريق محامي كارني التعليق على القضية، الا ان السلطات قالت انه اتاح لهم فرصة نادرة للاطلاع على العالم السري النووي، بدون حتى معرفة ذلك.

وقد تمكن كارني خلال سنوات من اعداد قائمة دولية من الوسطاء والزبائن باعتباره بائعا للمعدات العسكرية المتقدمة ومعدات إلكترونية في مجال الطيران عبر شركته «توب كاب تقني» في كيب تاون في جنوب افريقيا.

وتمكن العملاء الفيدراليون، بضربة حظ، من الاطلاع على خفايا واحدة من هذه العقود. وبدأت السلطات تحقيقاتها في شهر يوليو( تموز) الماضي، بعدما تلقوا معلومات من مجهول في جنوب افريقيا بان كارني يستخدم شركات كواجهة ووثائق شحن غير دقيقة لبيع منتجات اميركية محظورة الى باكستان والهند. وقال المخبر ان كارني اشترى انذاك 400 من هذه المحولات لحساب همايون خان.

وكان كارني قد حاول في البداية شراء المحولات مباشرة من شركة بركين المر اوفتولكترونيكس في ولاية ماساشوسيتس الاميركية، طبقا لعريضة الدعوى التي قدمها العميل الخاص جيمس برغام من مكتب تطبيق قوانين التصدير بوزارة التجارة.

وقال مسؤول من «بيركن المر» لكارني إنه بحاجة إلى تقديم شهادات أميركية تضم تفاصيل تتعلق باستخدام المحولات، ووعد بعدم إرسالها إلى بلدان موجودة ضمن القائمة السوداء، مثل باكستان او استخدامها في تطبيقات لها صلة بالمجال النووي. وقال كارني لخان إنه لن يقوم بتقديم أوراق من هذا النوع.

واتصل كارني بعد ذلك بزكي بيلمن رئيس شركة «تقنيات الجيزة» في ولاية نيوجيرسي يوم 6 أغسطس ( اب) وطلبت هذه الشركة من «بيركن المر» 200 محولة قيمتها 89400 دولار، بالمقابل سلمت شهادات تقول فيها إنها ستستخدم هذه المحولات في مستشفى يقع بمدينة سويتو في جنوب أفريقيا. اتصلت السلطات بمسؤولي «بيركن المر» وهؤلاء قالوا إن أي طلب نموذجي من أي مستشفى هو خمسة أو ستة أزرار، وفي رد على ذلك طلب موظفون استخباراتيون أميركيون من مسؤولي الشركة تعطيل عمل الدفعة الأولى المشحونة والبالغ عددها 66 قطعة ثم القيام بإرسالها مثلما كان متفقا.

وقال المخبر الأصلي للسلطات إن كارني قد يكون ضمّن اسم شركة طباعة حجرية في عنوان خان باعتبارها المستخدم للأزرار لا شركة خان المعروفة باسم «باكلاند بي أم إي»، ثم قدم لوكالة «فيدرال أكسبريس» الأرقام المتقصاة وفيها أظهر طرقا تمر بدبي.

ويذكر ان المهربين يقومون وبشكل منتظم بعمليات شحن سلع عليها قيود تصديرية إلى مدن خارج نطاق القيود الأميركية ثم تتم إعادة تصديرها إلى البلدان الثالثة لإخفاء أصل البلد المصدر وتجنب التأثر بالقوانين الهادفة لمنع انتشار الأسلحة النووية والمواد المتعلقة بإنتاجها حسبما تقول السلطات. وقام كارني بالضبط مثلما توقع المخبر وتمكن العملاء السريون من أن يتعقبوا الشحنة في كل مرحلة من مراحل تنقلها.

وإذا كانت شركة الجيزة قد شهدت لـ«بيركن المر» بأن المحولات هي لاستخدام مستشفى في جنوب أفريقيا، حيث قامت بتغليفها وإرسالها إلى مكتب كارني في كيب تاون عن طريق الإعلان عن أنها «روابط كهربائية توصل أي دائرتين» وهي لذلك لا تتطلب إجازة تصدير حسب شهادة بريغام. ومعلومات مضللة ومزيفة من هذا النوع هي انتهاك للقانون الفيدرالي.

وقام كارني لاحقا بإعادة تغليفها وإلصاق أسماء قطع غيار كهربائية عليها كي يرسلها إلى دبي ومن هناك إلى إسلام آباد حيث قام شخص بالتوقيع على فواصل القدح معرفا نفسه بأنه موظف من «جمعية خيرية للطباعة». وقامت شرطة جنوب أفريقيا يوم 11 ديسمبر (كانون الاول) بمداهمة مكاتب كارني بناء على طلب من السلطات الأميركية. واعترف كارني بأنه أرسل المعدات حسبما ذكرت وثائق المحكمة. وخلال أقل من شهر لاحقا وفي حالة شديدة الغموض جاء كارني إلى الولايات المتحدة حيث تم اعتقاله فورا. بعد اعتقاله تم تحويل كارني وقضيته إلى واشنطن ثم تم في الأخير نقله من عهدة السلطات الفيدرالية إلى سجن إقليمي حيث كان يحصل على طعام حلال (يهوديا) وسمح له بالصلاة. قال أحد أعضاء الادعاء العام «تشكل هذه القضية واحدة من أكثر القضايا جدية في مجال انتهاك قوانين التصدير. صدّر كارني سلعا قادرة على تفجير الأسلحة النووية إلى شخص يعرف أن له علاقة مع الجيش الباكستاني».

وفي مقابلة مع كرانز قال إن صديقا أخبره عن وضع كارني المتأزم نفسيا داخل السجن وقال إنه ذهب لمساعدته معتقدا بأنه بريء. ولعله كان ضحية مؤامرات بسبب سذاجته. وتساءل كرانز «لماذا يرسل يهودي متدين قطع غيار لأسلحة نووية إلى بلد يكره إسرائيل مثل باكستان. ذلك أمر غير معقول».

خدمة «لوس انجليس تايمز» خاص بـ«الشرق الأوسط»