المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية كريس باتن: لا بد من طي صفحة «المغامرة البائسة» في العراق ولن تتوقف حلقة العنف الدموي في الشرق الأوسط ما لم تمارس أميركا الضغوط على إسرائيل

TT

قال كريس باتن، المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية، ان حل الازمة العراقية في اعقاب ما وصفه بـ«المغامرة البائسة» من شأنه ان يساهم في تحسين العلاقات بين العالمين الاسلامي والغربي. واشار في محاضرة القاها امس بدعوة من «مركز أكسفورد للدراسات الاسلامية» بعنوان «الاسلام والغرب على مفترق طرق» الى ان العرب يحملون «آراء سلبية للغاية عن الولايات المتحدة وبريطانيا». ولفت الى عدم اقتناعه بوجهة النظر القائلة انه لا شأن للغرب بتروج الاصلاحات الديمقراطية في العالم العربي. وشدد على مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للعلاقة بين الغرب والعالم الاسلاميه، موضحا ان للفلسطينيين مآسيهم التي لا يسلط الضوء عليها دائما. وشدد على عدم امكان تحقيق السلام ما لم تضغط أميركا على تل أبيب.

واستهل المفوض الأوروبي للشؤون الخارجية الذي اختير اخيرا رئيسا فخريا لجامعة أكسفورد، كلمته بتفنيد المقولات الاستشراقية عن العرب، كما دحض طروحات هانتغتون عن صراع الحضارات. وغمز من قناة كبير أساقفة كانتبري السابق اللورد جورج كاري الذي القى محاضرة مثيرة للجدل اخيرا عن العالم الاسلامي وتاريخه، فقال «اترك النقاشات الدينية لكبار الأساقفة المتقاعدين».

ولفت الى صعوبة تجاهل العالم الاسلامي بالنسبة للغرب، لا سيما ان هناك 12 مليون مسلم يعيشون في أوروبا وقال «ليست هناك اشارة للصراع على القيم» بين الاسلام والغرب. واضاف ان «العالم العربي لا يمانع في الأخذ ببعض القيم الأميركية والأوروبية، لكنه لا يطيق السياسات الأميركية، وايضا نفس السياسات حين يتبناها الأوروبيون او يتحملونها».

وقال باتن ان «العراق اليوم يبدو في أعلى قائمة السياسات التي تنفر العرب»، بيد ان «غياب السلام في الشرق الأوسط.. يحتل مكانة بارزة في هذه اللائحة». واضاف ان معالجة القضية الفلسطينية تمثل «واحدة من اربعة موضوعات، يمكن للنهج الذي نتبعه حيالها في أميركا وأوروبا ان يخفف او يؤجج العداء العربي».

وأوضح ان «هناك صرختي غضب مشروعتين، وقصتين لا قصة واحدة» وزاد ان «اكثر المحاولات اجتهادا لالتزام الحياد»، مع ذلك، تجر «على رأس المرء اتهامات بالتحيز». وذكر ان السلام يستدعي ان «يكون الأوروبيون والعرب أشد ضغطا وإلحاحا مع القيادة الفلسطينية». غير انه اردف مؤكدا ان وضع حد لحلقة العنف والانتقام الدموية «لن يكون ممكنا» ما لم تكن أميركا مستعدة للقيام بالشيء نفسه (الضغط والالحاح) مع اسرائيل. وتابع ان «الجانبين يجب ان يتعرضا للضغط كي يقفزا في الوقت نفسه» والا فلا أمل في ايقاف حمام الدم الذي «يدمر آفاق حياة افضل للفلسطينيين والاسرائيليين ويسمم العلاقات بين أميركا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية (من جهة) والعالم العربي (من جهة اخرى)».

وعن العراق، اعرب باتن عن تأييده لما قاله رئيس الوزراء البريطاني توني بلير من ان «الهروب» غير وارد على الاطلاق. واضاف « ان هذا (الهروب) غير مشرف (اذا تم) قبل وجود حكومة عراقية ديمقراطية فعالة». وزاد ان انشاء هذه الادارة الشرعية يتطلب الضوء الاخضر والمساعدة من جانب الأمم المتحدة واعضاء المجموعة الدولية. وقال «في العراق علينا ان نمنح المؤسسات الحكم الذاتية المحلية القدر الممكن من السلطة السياسية، مدركين انه حتى اجراء الانتخابات ستكون السلطة والشرعية (التي تتمتع بها هذه المؤسسات) حتما محدودة». وحذر من ان الخلل في بناء هذا العراق الجديد قد يؤدي «الى تقسيم هذه الدولة التي شدت اجزاؤها الى بعضها البعض بعناية غير فائقة»، كما سيفضي الى «نتائج خطيرة على المنطقة». وتابع «هناك دروس عديدة يمكن استخلاصها من هذه المغامرة البائسة (الحرب على العراق)» بيد ان الوقت ليس مناسبا للتفوه بعبارة «لقد قلت لك (لأميركا) ذلك (قبل الحرب)». وشدد على ان المرحلة تقتضي تعاون الأوروبيين والولايات المتحدة بهدف انجاح العملية السياسية العراقية لا سيما انه «اذا فشلنا فسيلحق بنا جميعا الأذى».

اما بخصوص الاصلاحات الديمقراطية وعملية التحديث في الشرق الأوسط، فقال باتن إنه يجب على الأوروبيين ان يدعموا هذه الاجراءات لأنها «من مصلحتنا الاكيدة». ورأى ان الاصلاحات من شأنها ان «تخفف ضغط الهجرة غير المشروعة، وتفتح اسواقا جديدة متسعة، وتصدر الاستقرار الى جيراننا القريبين». واكد انه لا يقبل نهائيا الرأي القائل «انها ليست من شأننا». الا انه اوضح ضرورة التعاون مع العرب انفسهم على تنفيذ هذه الاصلاحات، بصورة تحترم وجهات نظرهم وحضارتهم وشروطهم المحلية. وقال «قبل كل شيء، لا يمكنك فرض مجتمع حر من خلال الغزو والقوة العسكرية ونشر الديمقراطية في المنطقة على مسارات دبابات جيفرسون». وبدت هذه العبارة اشارة للتذكير بموقف المفوض الأوروبي من الحرب على العراق، لا سيما ان «فرض الديمقراطية» من خلال الغزو كانت أحد ابرز مآخذه على مشروع الحرب قبل وقوعها. وحذر من انه اذا سعى الغرب الى ترويج عملية التحديث في العالم العربي بفرض «تأمين مصالحنا نحن»، فانه يجازف بتنفيذ افكاره الديمقراطية اتي باتت تلقى مزيدا من الاهتمام والترحيب بين العرب.