3 غربيين يدعمون مؤتمرا عن «الإساءة للأطفال» في السعودية بعد رفض شركات سعودية رعايته

ندوة تقول إن الخصوصية السعودية عائق أمام كشف الحقائق حول الظاهرة التي تعالج في إطار سري للغاية

TT

45 في المائة من الاطفال في السعودية يتعرضون يوميا للايذاء في البيت والشارع والمدرسة وحتى في دور ومراكز الشؤون الاجتماعية. ودقت مجموعة من المتخصصين في المجالات التعليمية والطبية والقانونية ناقوس الخطر حول هذه القضية، وذلك في ندوة مفتوحة اكدت فيها على ضرورة الالتفات لهذه الظاهرة المحاطة باسوار من السرية فرضتها طبيعة المجتمع المحافظ.

قيل كلام كثير في هذه الندوة التي نظمها الاسبوع الماضي قسم طب الاطفال ضمن فعاليات مؤتمر «الاساءة للاطفال» في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الابحاث في جدة، لكن المستمعين كانوا قلة، اذ لم يزد عدد الحضور عن 30 رجلا وامرأة فقط. لكن اكثر ما لفت الانتباه هو غياب من يرعون هذه التظاهرة التي تناقش واحدة من اكثر القضايا المسكوت عنها في المجتمع السعودي. ورفضت كل المؤسسات الطبية وشركات الادوية العاملة في واحد من انشط واكبر الاسواق العربية استهلاكا لمنتجاتها رعاية التظاهرة بحجة «حساسية هذه القضية في المجتمع السعودي».

واعترف الدكتور عبد الله الغامدي المشرف على تنظيم المؤتمر ان كل محاولاته لاقناع الشركات الوطنية برعاية فعاليات هذا المؤتمر باءت بالفشل. وقال: «واجهنا صعوبة في تنظيم المؤتمر لعدم رغبة اي شركة في رعايته». واضاف: «عادة ما تتسابق شركات الادوية في الحصول على حق حصري لرعاية اي مناسبة طبية. لكننا هذه المرة لم نجد شركة واحدة ترغب في رعاية هذه المناسبة».

وكشف الغامدي ان رجلا وامرأتين (من جنسيات غربية) تبرعوا بتحمل جزء من تكاليف المؤتمر دعما منهم لقضية الاساءة للاطفال في السعودية. وقال، بعد ان اصر على عدم كشف هوياتهم بناء على رغبتهم: «الوحيدون الذين تبرعوا لاقامة المؤتمر، رجل وامرأتان رفضوا الافصاح عن هوياتهم، اتصلوا بمكتبي وابدوا رغبتهم في التبرع لهذا المؤتمر وقاموا بارسال مبالغ من المال دعما لموضوع الندوة».

وواجه المشاركون في الندوة التي استمرت نحو خمس ساعات على فترتين صباحية ومسائية، مشكلة ضيق الوقت المتاح لكل متحدث والذي خصص بعشر دقائق فقط لكل منهم.

يقول حسين القحطاني مدير هيئة التحقيق والادعاء العام في مدينة ينبع وأحد المتحدثين في المؤتمر: «قطعت مسافة 300 كيلومتر لحضور المؤتمر والمشاركة فيه، لكن عشر دقائق لا تكفي للتحدث عن قضية اصبحت ظاهرة في مجتمعنا. ومهما ضغطت معلوماتي حولها، فانه من المستحيل ايجازها في وقت قصير كهذا».

مشكلة غياب الاحصائيات كانت هي الاخرى عائقا امام المتحدثين الذين اتفقوا جميعا على عدم وجود احصائية سعودية دقيقة عن هذه القضية، معترفين ان الامر اصبح ظاهرة يجب الوقوف عندها بشكل جدي. ويقول حسين القحطاني: «المشكلة حجمها كبير ونحن من خلال عملنا نقف على قضايا متعددة من هذا النوع، ونامل الاسراع في ايجاد حلول رسمية لهذه الظاهرة».

واكد سالم الطويرقي رئيس ادارة الارشاد والتوجيه في منطقة مكة المكرمة ان «هناك قضايا مختلفة فيما يتعلق بالاعتداء على الاطفال، لكنها لا تصل الى المحاكم ومراكز الشرطة بسبب طبيعة مجتمعنا السعودي المحافظ، وهذا قد يعد سببا لعدم وجود احصائيات كافية»، مشيرا الى ان موضوع العنف ضد الطفل من المواضيع الحساسة ويعد التطرق له «خطوة جريئة».

الدكتور طلعت وزنة مدير ادارة الخدمات الطبية بوزارة الشؤون الاجتماعية ذكر الحضور بأن طرح مثل هذا النوع من القضايا كان يأتي على استحياء. وقال: «قبل 9 سنوات فقط كنا نتطرق الى قضية الاساءة للاطفال على استحياء في لقاءاتنا وندواتنا العلمية لكن الامر بات مختلفا الآن بعد ان اصبح الحاكم المدني يحيل الينا جميع هذه القضايا للنظر فيها». واضاف: «الامر ليس بالسهولة التي قد يتصورها البعض في مجال تطويق هذه الظاهرة».

وعن الحالات الاكثر عرضة للاعتداءات قال وزنة: «الاطفال الاكثر عرضة للاعتداءات الجسدية والجنسية هم ممن يتمتعون بالوسامة الى جانب الاطفال المعاقين وصغار الحجم».

ومن بين المشاكل التي قد تواجه الطفل بعد تعرضه لاي اعتداء واطلاع الجهات الامنية والاجتماعية على قضيته، هو المصير المجهول الذي سيؤول اليه. لكن الدكتور وزنة خفف من هذه التخوفات بقوله ان لدى وزارة الشؤون الاجتماعية «قاضياً من الدرجة الاولى له الحق في تحديد المدة التي يبقى فيه الطفل في الدور الايوائية حسب الحاجة». واضاف: «نقوم بايواء الاطفال الذين يعتدى عليهم في دور خاصة، ويتم اجراء فحوص طبية لهم، ثم يطبق عليهم وعلى اسرهم برنامج تأهيلي».

ومن بين اهم المشاكل التي تواجة العاملين في وزارة الشؤون الاجتماعية قلة الخبرة في مجال التعامل مع هذه القضايا، اذ يعترف الدكتور وزنة قائلاً: «ليست لدينا خبرة في التعامل مع الحالات الصعبة بل نقوم غالبا باحالتها الى المستشفيات، وفي حالات اخرى نحاول ان نصلح الامر، الا انه احيانا وفي سبيل تقديم الخدمة للطفل يتم الاعتداء على الطفل بممارسات لارغامه على التعامل مع الوضع الجديد، وهي تعد من الاساءة».

ورغم ان وزارة الشؤون الاجتماعية ترفض عادة اي حالة تصل اليها من قبل الجهات الحكومية من مستشفيات واقسام شرطة، فان الدكتور وزنة يبرر اسباب ذلك بقوله: «75 في المائة من الحالات الموجودة في دور رعاية الاطفال تأتى الينا من امارة المنطقة. لكننا للاسف الشديد لا نستطيع قبول الحالات المحولة من المستشفيات او مراكز الشرطة الا بموافقة ولي امر الطفل او بأمر من الحاكم المدني»، مؤكدا ان وزارة الشؤون الاجتماعية «انشأت وحدة خاصة للحماية الاجتماعية تتعلق بالطفل والمرأة وكبار السن».

وكشف الدكتور يحيى بانافع من مستشفى الولادة والاطفال بجدة ان «الاعتداء على الاطفال في السعودية يشمل الاعتداء الجسدي والجنسي والعاطفي ولكل منها صور مختلفة ولكن اسوأها هو الاعتداء على الاطفال المعاقين او من يقل عمرهم عن سنة». واضاف: «لا توجد لدينا اي احصائيات ثابتة وموثقة، لكننا نعتمد على النسب العالمية التي قد تكون مقاربة للوضع المحلي». وقال ان الارقام العالمية تشير الى ان «91 في المائة من الاعتداءات جسدية، و82 في المائة جنسية، ومعظمها حدثت في اماكن يفترض ان يكون الطفل فيها في مأمن، و77 في المائة من المعتدين هم من الاشخاص الذين يفترض فيهم الثقة من قبل الطفل، و35 في المائة هم من عائلته، و10 في المائة من هذه الحالات تضمنت عنفا جسديا، بينما تعرض 95 في المائة من المعتدين للاعتداء في صغرهم، و80 في المائة من المعتدين هم من مدمني المخدرات».

وحذر بانافع من ان «هناك دعوات تأخذ شعار عدم الاساءة للاطفال، لكنها في حقيقتها تسعى لتحرر الطفل وانحرافه بتركه دون رقابة ومتابعة، ويجب الحذر منها».

وعن طبيعة الاعتداءات التي يتعرض لها بعض الطلاب وخصوصا صغار السن في المدارس والمؤسسات التعليمية يقول سالم الطويرقي رئيس ادارة الارشاد والتوجيه في تعليم منطقة مكة المكرمة: «يتنوع العنف داخل المدرسة بين الاعتداء والضرب والرمي والعنف الجسدي والنفسي باحتقار الطالب واهماله وعدم الاجابة عليه». واكد انه بالرغم من ان «العنف الجنسي يعتبر من اقل الانواع في المجتمع المدرسي، فانه الاسوأ، وهناك قضايا الاغتصاب وكشف الاعضاء وكلها لا تصل الى المحاكم ومراكز الشرطة بسبب طبيعة مجتمعنا المحافظ وهذا قد يعد سببا لعدم وجود احصائيات كافية حول هذه القضية».

ويشكل العنف بين الطالب والمعلم جزءاً من قضية الاعتداء على الطفل الا ان الطويرقي يرى ان «علاقة الطالب بمعلمه علاقة متباينة بين القوة والضعف، ومن بين الاسباب التي تدفع المعلم احيانا للاعتداء على الطالب العجز في القدرة على التفاهم او القصور في التعبير وكذلك المخزون الارثي لدى الفرد، وهو ما قد يلجأ احد الطرفين الى العنف ضد الاخر».

واعتبر الطويرقي ان طبيعة المجتمع السعودي تشجع على ظاهرة الاعتداء على الاطفال، اذ «كثيرا من الآباء يأتون الى مدرسة أبنائهم ويقولون صراحة للمعلمين او لمدير المدرسة عن اطفالهم ان (لكم اللحم ولنا العظم!)، وهذا يعني موافقتهم على ان يقوم المعلم بضرب ابنه وتأديبه بأي شكل، طالما تجنب اصابته بالكسور!».

وتحدث حسين القحطاني مدير هيئة التحقيق والادعاء العام بمحافظة ينبع بشفافية بالغة حول الموضوع، وقال: «اكثر القضايا اشكالا هي قضايا الاطفال لاننا احيانا نضطر لنزع الطفل من مكانه ونقله الى محيط آخر اكثر امنا. فأحيانا يتعرض الطفل للاعتداء من محيطه ومن داخل اسرته».

وعن حجم مشكلة الاساءة للاطفال في السعودية كشف القحطاني عن وجود دراسة اجراها مركز مكافحة الجريمة التابع لوزارة الداخلية بالرياض جاء فيها ان «21 في المائة من الاطفال يتعرضون للايذاء الجسدي والنفسي بشكل دائم و45 في المائة منهم يتعرضون للايذاء بشكل يومي، بينما يتعرض 33 في المائة للايذاء النفسي، كما احتل الحرمان بمختلف انواعه نسبة 66 في المائة، وجاء ترك الطفل مع الخادمة او مع من يخاف منه وحيدا في المرتبة الاخيرة دون ان تحدد الدراسة النسبة المؤية لذلك».

ووصف القحطاني دور هيئة التحقيق والادعاء العام بانه الغائب الحاضر في هذه القضايا، اذ «غالبا ما تقدم البلاغات الى الشرطة، ولا يعرف البعض انه بالامكان تقديم بلاغ في اي مشكلة من هذا النوع لهيئة الادعاء العام للمشكلة، وهناك حق عام وآخر خاص في مثل هذه القضايا».

وبالنظر الى حقيقة ان كثيراً من المواطنين يجهلون حقوقهم عند تقديم شكوى من هذا النوع ما يجبرهم احيانا على كتمانها وعدم الابلاغ عنها، يؤكد القحطاني قائلاً: «اجريت بحثا حول حق المواطن من رجل الامن، وحق رجل الامن من المواطن. وكلما بحثت في نقطة قالوا لي انها سرية». ويرى ان اللجوء الى السرية ساهم في تفاقم المشكلة وازديادها في الخفاء. واضاف: «فاقمت اكذوبة خصوصيتنا الاجتماعية من القضية، وزادت في تعقيدها، وجعلت كل الامور في نطاق السرية، وهذا ما يجعلها تتطور الى درجة انه لا يستطيع احد احتواءها عندما تكبر». ولم يخف القحطاني تفاؤله بالبدء بمناقشة مثل هذه القضايا مؤكداً «وجود لجنة من حقوق الانسان واخرى في الشؤون الاجتماعية يشير الى بداية تفعيل هذه القضية والتركيز عليها والاهتمام بها ومعالجتها».