تظاهرات الاحتجاج على السياسة الاقتصادية للحكومة اللبنانية

«رصاص قنص مشبوه» استهدف القوى الأمنية والمدنيين وعرقل محاولات التهدئة

TT

تحول الاضراب والتظاهرات التي سارت في لبنان امس، بدعوة من الاتحاد العمالي العام احتجاجاً على سياسة الحكومة الاقتصادية ورفضاً لزيادة اسعار المحروقات، مواجهات دامية بين قوى الجيش اللبناني ومجموعات من المتظاهرين أسفرت عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في منطقة حي السلّم في الضاحية الجنوبية ببيروت. وقدَّرت مصادر طبية بعد ظهر امس العدد بستة قتلى وحوالي 30 جريحاً، بينما ذكرت معلومات ان عدد القتلى ثلاثة والجرحى بالعشرات حالات البعض منهم خطرة.

هذا، وفي حين سارع نواب من «حزب الله» وعدد من رجال الدين الى تهدئة الاوضاع، اتهم بيان لقيادة الجيش عناصر من المتظاهرين بـ «محاولة الاستيلاء على آليات عسكرية، فأطلقت النار عليهم لإبعادهم».

* «عناصر مندسة» كما اشارت مصادر امنية الى وجود «عناصر مندسة» و«قناصة» اطلقوا النار في اتجاه الجيش والاهالي، بحيث ان الوضع كان يعود الى التدهور كلما نجح سعاة التهدئة في تبريد الاوضاع. وقد شوهد على شاشة احدى شبكات التلفزيون رجل دين يصاب برصاصة وهو بين الجنود والناس في اجواء هادئة وسط الشارع. الا ان مصادر متابعة تساءلت عن اسباب وجود عناصر الجيش اللبناني في المقدمة بمواجهة المتظاهرين في حي السلم مع ان الترتيبات كانت تقضي بوجود عناصر قوى الامن الداخلي في هذا الوضع، على ان تؤازرها قوات من الجيش اللبناني وتتدخل فقط حين تقتضي الضرورة.

وفق المعلومات المتوافرة، امتدت الصدامات التي بدأت في حي السلّم (ضاحية بيروت الجنوبية) حيث سقط القتلى السبعة و23 جريحاً، لاحقاً الى مناطق الاوزاعي وطريق المطار (حي المرامل)، حيث اصيب ستة اشخاص، ثم المشرفية والغبيري والكفاءات وحي معوض ومنطقة صفير ومستديرة مار مخايل، حيث اصيب طفل. وانطلقت مظاهرة في شارع هادي نصر الله الذي يصل الضاحية بمدينة بيروت، وهتف المتظاهرون بسقوط الحكومة اللبنانية ورئيسها.

وذكر شهود عيان لـ «الشرق الأوسط» ان الصدامات بين الجيش والمتظاهرين امتدت أيضاً الى طريق صيدا القديمة ومستديرة شاتيلا ومستديرة الطيونة (على الطرفي الجنوبي لبيروت) ومستديرة مار مخايل، ومنها نحو تقاطع غاليري سمعان على حدود الحدث ـ الحازمية. وقد عمد مندسون الى تحطيم ابواب البنك الفرنسي، كما حطم آخرون مطعم الـ «ك. اف. سي» (KFC) عند تقاطع غاليري سمعان وبولفار كميل شمعون.

وعلى الرغم من انحسار الصدامات عصر امس، سمعت اصوات رصاص متقطع. وعرف من القتلى الذين سقطوا في حي السلم: علي أمهز وعباس خروبي وخضر شريف وياغي حسام ياغي وحسين المقداد وعلي خرفان، وشخص من آل مشيك وامرأة مسنة. وعرف من الجرحى يوسف خروبي وهادي شقير ومحمد الرفاعي ومحمد علي ديب وزينب محمد عيسى جابر ووسيم يحيى وعيسى علي الكوفي وعلي عباس وحسن فؤاد صفوان وعلي محمود عياش وانور الحلبي وعلي دندش وقاسم صوان وعلاء خير الدين وعلاء العزيز وزين المولى وعبد العلي وياسر شميس وحسن رضا.

وبعد ظهر أمس اصدرت مديرية التوجيه في قيادة الجيش بياناً حول الوضع الامني جاء فيه: «صباح اليوم (امس) افيدت القوى الامنية عن قطع طرقات وحرق اطارات مطاطية في عدد من المناطق.. وعلى الفور تدخلت قوى الجيش لاعادة فتح الطرقات المقطوعة. وفي محلة حي السلّم تعرضت وحدة من الجيش التي تحاول فتح الطريق الى الرشق بالحجارة من قبل بعض المتظاهرين مما ادى الى اصابة خمسة عسكريين بجروح بينهم ضابط وتضرر عدد من الآليات العسكرية، فعمدت عناصر الجيش الى اطلاق النار في الهواء تحذيراً لتفريق المتظاهرين، فيما تقدم بعضهم باتجاه الآليات العسكرية محاولين الاستيلاء عليها فأطلقت النار عليهم لإبعادهم مما ادى الى مقتل شخص واصابة ثلاثة آخرين بجروح احدهم بحالة الخطر. هذا وما زالت قوى الجيش تعمل على فتح الطرقات في مختلف المناطق».

وذكرت معلومات انه جرى توقيف عدد من المتورطين في اعمال الشغب والاشتباك مع الجيش اللبناني، بلغ عددهم حتى مساء امس سبعة عشرة موقوفاً. كذلك افادت مصادر امنية مطلعة أن الوضع في حي السلّم يميل الى التهدئة فيما يجري العمل على معالجة الامور في المناطق المجاورة خصوصاً في طريق المطار. وحيال تدهور الاوضاع سارع الاتحاد العمالي العام الى الدعوة للتوقف عن التظاهر، بعدما كان رئيسه غسان غصن قد دعا اثناء الاعتصام الى معاودة التحرك الخميس المقبل.

وصدر عن قيادة الاتحاد بيان جاء فيه: « تطلب قيادة الاتحاد العمالي العام الى جميع العمال والسائقين العموميين المعتصمين وكل الذين شاركوا في تحرك الاتحاد اليوم (امس) ولا سيما السائقين العموميين، التوقف عن التظاهر والحفاظ على المظاهر الحضارية والسلمية للتحرك المطلبي بعيداً عن كل الاعمال المخلة بالقانون».

* الإضراب والاعتصامات وعلى صعيد الاضراب، تلبية لدعوة الاتحاد العمالي العام، فانه شمل بيروت والمناطق اللبنانية كافة في الجبل والجنوب والشمال والبقاع. ففي بيروت تقاطرت الشخصيات النقابية والقطاعية وحشود عمالية وشبابية وطلابية الى ساحة المتحف، حيث اقيم الاعتصام المركزي في محيط مجلس الوزراء الذي لم يعقد جلسته الاسبوعية امس رغم الوضع الحرج وحماوة التحرك. وحمل المتظاهرون الاعلام اللبنانية ورايات الاحزاب والمجموعات المشاركة. ورفعوا لافتات تندد بـ «سياسة الحكومة التجويعية». وردد البعض هتافات ضد رئيس الحكومة رفيق الحريري ووزير المال فؤاد السنيورة والوزراء والنواب، ودعوهم للرحيل.

ولقد احيط المعتصمون بتدابير امنية مشددة. ونشرت في محيط المنطقة قوات من الجيش وقوى الأمن الداخلي وسيارات الاطفاء والدفاع المدني التي وضعت في حال جهوزية لرش المتظاهرين بالمياه في حال استدعت الضرورة. وألقى رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن كلمة في المتظاهرين طالب فيها الحكومة بخفض اسعار المحروقات حتى 15 الف ليرة (10 دولارات) للصفيحة الواحدة من البنزين، واعادة النظر بالسياسة الضريبية واقامة نظام اقتصادي يحافظ على قطاعات الانتاج ويحمي اليد العاملة اللبنانية ويحمي الصناعة الوطنية من المزاحمة الخارجية.

وأعلن غصن العودة الى التحرك وتصعيده الخميس المقبل اذا لم تأخذ الحكومة بمطالب القطاعات النقابية او الصناعية. وقال: «ان اكثر من نصف الشعب اللبناني بات يرزح تحت خط الفقر». من ناحية أخرى، تسبب الاضراب الى توقف حركة النقل بعدما توقفت وسائط النقل العمومية عن العمل التزاماً بقرار نقاباتها، كما شهدت معظم المناطق اقفالاً. وشلت الحركة في معظم المناطق في بيروت والمدن الرئيسية. واقفلت المدارس الرسمية والخاصة. وتوقفت الدراسة في الجامعة اللبنانية، كما توقف العمل في مرفأ بيروت والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والسكك الحديد والنقل المشترك ومصالح المياه وأوجيرو. اما في مطار بيروت فتوقفت العمليات الارضية لثلاث ساعات ابتداء من العاشرة قبل الظهر. وتوقف العمل في ادارات شركات الطيران اللبنانية. واما في المصارف الخاصة ومصرف لبنان فقد توقف العمل لساعة واحدة.

* المناطق خارج بيروت وخارج بيروت انطلقت مظاهرة كبيرة في مدينة جونية تحولت الى اعتصام امام السراي الحكومي، وحمل متظاهرون نعشاً في اشارة رمزية الى الحكومة. وشمل الاضراب في مناطق كسروان جامعة اللويزة والمدارس الرسمية والخاصة.

وفي محافظة البقاع بشرق لبنان، قطع السائقون العموميون الطريق العامة ومنعوا نقل الركاب بسيارات الاجرة والحافلات. وفي بلدة مقنة (شمال مدينة بعلبك) قطع متظاهرون الطريق الدولية بين مدينة زحلة اللبنانية ومدينة حمص السورية لبضع ساعات، وأحرق سائقون اطارات السيارات. وعندما حاولت القوى الامنية اعادة فتح الطريق تعرضت للرشق بالحجارة مما ادى الى تحطيم زجاج سيارة جيب وشاحنة عسكرية.

وفي مدينة بعلبك ذاتها منعت السيارات من الدخول الى شوارع المدينة، وحمل متظاهرون لافتات تندد بسياسة الحكومة الاقتصادية. ورفع بعضهم ارغفة الخبز تعبيراً عن «سياسة التجويع» الحكومية.

وفي مناطق الجنوب، اقفلت المدارس الرسمية والخاصة، وتوقف العمل في مكاتب الضمان الاجتماعي ومؤسسة كهرباء لبنان ومصلحة المياه، واعتصم العمال وسائقون عموميون امام السراي الحكومي في مدينة صيدا. وقابل وفد من المعتصمين محافظ الجنوب لمطالبته بنقل احتجاجاتهم الى الحكومة. وفي مدينة صور، نفذت النقابات والاتحادات اعتصاماً امام مقر القائمقامية. ورفع المعتصمون لافتات تندد بالسياسة الاقتصادية للحكومة، وكذلك كانت الحال في مدن وبلدات النبطية وبنت جبيل وراشيا وحاصبيا وجزين.

وفي محافظة جبل لبنان امتد الاضراب الى اقضية المتن وعاليه والشوف، حيث قطع متظاهرون رفعوا اعلام الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، والممثل بالحكومة بثلاثة وزراء هم: مروان حمادة وغازي العريضي وعبد الله فرحات، الطرق العامة واشعلوا اطارات للسيارات على طريق بحمدون ـ عاليه ـ صوفر الدولية فسارع الجيش الى اعادة فتحها.

وفي الشمال اللبناني، شمل الاضراب المرفأ وقطاعات العمل في طرابلس، ونظمت تظاهرات واعتصامات امام السراي الحكومي في المدينة. وعملت قوى الجيش والامن الداخلي على اعادة فتح الطرق التي قطعها السائقون العموميون في مناطق عكار والمنية.