القراءة المجانية للصحف والمجلات في محلات البقالة ظاهرة تنتشر في المدن السعودية

بعض البائعين يلجأ إلى تدبيس الصحف في مواجهة الظاهرة

TT

يستيقظ باكرا ليذهب إلى البقالة المجاورة لمنزله لشراء كيس الخبز الذي ستجهز منه سندويشات الإفطار لأطفاله قبل توجههم إلى مدارسهم، لكنه قبل تناول الكيس المحدد سعره بريال واحد يمر بالكشك المخصص لبيع الصحف ويبدأ في جمع ما تيسر منها ثم يحملها معه إلى مكان منزو في البقالة ولعل أنسبها ثلاجة اللحوم، حيث لا طلب على محتوياتها في الصباح، يفرش الجرائد والمجلات على سطح الثلاجة ويبدأ بقراءتها على عجل، وعندما يستوقفه شيء لافت فيها يتمتم بكلمات غير مفهومة ويوزع نظراته ما بين الجريدة ومعصمه الأيسر خشية أن تصل الساعة السادسة والنصف، حيث موعد انطلاقة أطفاله إلى المدرسة، فهم بانتظار عودة أبيهم بكيس الخبز الذي ستعد منه الفطائر التي سيحملونها معهم إلى المدرسة. يفتتح خزانة الخبز ويقلب محتوياتها على عجل ويسأل البائع هل هذا الخبز من صنع اليوم ام أنه بائت؟ ليأتيه الجواب من البائع بخبث بأنه جُلب للتو من المخبز فهو طازج مثله في ذلك مثل الجرائد التي كان يقرؤها قبل لحظات، ويعطيه الدليل على ذلك بقطرات الماء التي تكونت داخل الكيس بفعل حرارة الارغفة التي أُدخلت وهي ساخنة. يناول البائع ريالا واحدا ويحمل كيس الخبز معه إلى منزله بعد أن قرأ صحفا ومجلات بما يعادل خمسين ريالا فيما لو اشتراها، ولأن بعض الصحف يتأخر توزيعها إلى ما بعد السابعة صباحا فهو يعود ظهرا لقراءتها في نفس المكان، حيث السيناريو نفسه لكن هذه المرة سيدفع ثلاثة ريالات ثمنا لعلبة اللبن التي سيختم بها زيارته الثانية للبقالة خلال ساعات.

هذا المشهد يتكرر يوميا في أكثر من نقطة لبيع الصحف، فيما يمكن تسميته بالقراءة المجانية للصحف والمجلات التي أصبحت ظاهرة لافتة في المدن السعودية، وأجبرت الكثير من العاملين في نقاط بيع الصحف إلى اللجوء لأساليب عدة لمنعها أو الحد منها من دون أن يخسروا زبائنهم، ولعل اقلها كتابة عبارة «الصحف والمجلات ليست للقراءة داخل المحل»، أو يتم تدبيسها حتى لا يتم فتحها ومن ثم قراءتها.

ورصدت «الشرق الأوسط» هذه الظاهرة من خلال جولة صباحية باكرة على مدى ثلاثة أيام وفي أماكن مختلفة من العاصمة السعودية، والتقت بقارئي الصحف بالمجان وبالعاملين في نقاط البيع وسجلت دوافع هذه الظاهرة وحلولها.

ففي حي السويدي غرب الرياض شاهد مندوب «الشرق الاوسط» أمام إحدى محلات البقالة، شابا في العشرينات يتناول ثلاث جرائد تم توزيعها باكرا من الكشك المخصص للصحف، ثم يدلف داخل البقالة ويأخد له مكانا بعيدا عن الداخلين والخارجين، حيث وضع الصحف الثلاث على سطح الثلاجة وخلال ربع ساعة انتهى من قراءتها وتركها من دون أن يكلف نفسه عناء لملمة صفحاتها التي نثرت بشكل فوضوي، ثم توجه الشاب إلى البائع وطلب علبة سجائر ليركب سيارته وينطلق مسرعا، ليعود البائع إلى لملمة الصحف وإعادتها إلى وضعها الأول، غير أنه لم يستطع، فاضطر إلى جمعها من دون ترتيب لصفحاتها وربما ادخل صفحات جريدة بأخرى، ووضعها على الثلاجة بانتظار زبون آخر، فمثل هذا المشهد يتكرر كل يوم.

العامل الذي كانت نظراته ترمقني وأنا أقف داخل البقالة أثناء مراقبة الشاب وهو يقرأ الصحف من دون أن اطلب منه شيئا، معتقدا أنني موظف في إدارة حماية المستهلك أو البلدية لمراقبة صلاحية المواد الغذائية وأسعارها المعروضة في البقالة، زالت دهشته عندما انتقدت أسلوب الشاب الذي قرأ الصحف بالمجان وعبث بصفحاتها وتركها من دون أن يعيدها إلى سيرتها الأولى، واكتفى معلقاً على ذلك بقوله «هذه مشكلة نواجهها كل يوم، فكثير من مرتادي البقالة ينهجون هذا الأسلوب الذي لا أجد له تفسيرا سوى أن الكل يريد القراءة بالمجان». ويضيف: «مالك البقالة قال له دعهم يتصرفون كما يشاؤون فنحن بحاجة إلى زبائن حتى لو كان ذلك على حساب مبيعاتنا من الصحف والمجلات». ويشير العامل إلى أن هذه الصحف التي يعبث بها الزبائن تدرج تحت بند الرجيع، على الرغم من أن هناك طلبا عليها، غير أن بعض الزبائن يرفض شراء جريدة بهذا الوضع.

وفي إحدى محال السوبرماركت على طريق الملك فهد، راقب مندوب الجريدة رجلا في الاربعينات من عمره ترجل من سيارته الفارهة ليتجه صوب كشك الصحف ويقف أمامه يتأمل العناوين التي حملتها صحف الصباح وجال كثيرا فيها ليلتقط صحيفة رياضية وأخد يقلبها ثم يرفع يديه ساخطا، ويبدو أن فريقه المفضل وقع ضحية تحكيم خاطئ أو أن شباكه أتخمت بعدد وافر من الأهداف.. اقتربت من الرجل لأسأله عن سر قراءته للصحف من دون أن يشتريها، ولأن طرح مثل هذا السؤال بشكل مباشر نوع من الوقاحة فقد بادرته بالسؤال عن سر غضبه بعد قراءته للجريدة وهل ثمة شيء منشور فيها يدعو إلى هذا الغضب ويشجع على شراء الجريدة، فرد بسذاجة متناهية: ان محلل مباراة البارحة لم يشر إلى أن الهدف الثالث في مرمى فريقه المفضل جاء من تسلل واضح كالشمس في رابعة النهار.

ويضيف، ألا ترى انه تسلل؟! فأجيبه بأنني لم أشاهد المباراة، لذلك لا يمكنني أن اعلق عليها أو أعطي رأيا فيها، لكنه استرسل في الحديث بإسهاب عن المباراة وعن الفرص الضائعة لفريقه التي لو استثمرت بشكل صحيح لخرج فريقه فائزا بنتيجة تاريخية، حدث ذلك والناس يلتقطون الصحف من أمامنا ويتحاشون الاحتكاك بنا ونحن نقف أمام كشك الصحف، ولما أحسست بالحرج طلبت منه أن نبتعد قليلا عن المكان لنكمل حديثنا، لكنه عرض أن نتناول الافطار سوياً في مطعم يبعد أمتاراً قليلة عن المكان، وافقت له شرط أن ادفع الحساب، ولم يتردد في قبول العرض. وفي المطعم طرحت عليه ملاحظتي بخصوص عدم شرائه للصحيفة والاكتفاء بقراءتها بالمجان، فأجاب ان هدفه من ذلك عدم إضاعة ريالين أو ثلاثة في شراء جريدة، وقاطعته بأن هذا الاسلوب غير حضاري ويمثل نوعاً من السرقة، فامتعض من كلامي قائلاً «ما شاء الله عليك اشوفك صرت مفتي». ضحكت من كلامه ولعدم وجود لغة مشتركة بيننا. استأذنت في الذهاب فهمس في أذني بأن هذا اسلوبه كل يوم، فهو يمر على أكثر من بقالة لقراءة الصحف من دون أن يدفع ريالاً واحداً، ويتمنى أن يجد شخصاً مثلي يدعوه للافطار من دون أن يدفع ريالاً واحداً ايضاً.

وفي حي المصيف شمال الرياض، سألت أحد المقيمين العرب وهو يقرأ الصحف واحدة تلو الأخرى في احدى محلات بيع المواد الغذائية عن السر في ذلك فقال «إن مرتبه الشهري لا يشجع على شرائه صحيفة كل يوم، لذلك فهو ينهج هذا الاسلوب رغم تذمر العامل الآسيوي منه».

ويقول محمد. ع البائع في احدى المكتبات بالرياض «ان قراءة الصحف بالمجان ظاهرة قديمة وعلاجها سهل جداً، حيث يلجأ إلى تدبيس كل صحيفة لمنع الفضوليين من قراءتها، لافتاً إلى أن البعض تصل به الجرأة إلى نزع الدبابيس عن الصحيفة وقراءتها، ويرى بأن «البخل وعدم الرغبة في دفع ريالين في شراء صحيفة هو الدافع وراء قيام الكثيرين بقراءتها امام اكشاك بيعها».

ويذكر ف. ق مقيم سوري يعمل بائعاً في بقالة بوسط الرياض، بأنه تجنب عرض الصحف في اكشاك بعد أن حدد زبائنه الذين يرسلون اطفالهم كل يوم لشراء جرائدهم المفضلة مقابل فتح حساب لمشترياتهم، ومن ضمنها الصحف، وبذلك تجنب الحرج الذي يلاقيه من راغبي قراءة الصحف في محله من دون شرائها. ويشدد علي. س الذي يملك محلاً لبيع الادوات القرطاسية والمستلزمات المدرسية في حي السويدي على أن التعامل مع النماذج البشرية التي تهوى قراءة الصحف والمجلات في اكشاكها يتطلب حزماً حتى لو جاء ذلك على حساب كسب زبون أو زبونين، لافتاً إلى انه عند وجوده في محله فإنه لا يتوانى عن استخدام اسلوب توبيخ أي شخص يعمد الى انتهاج مثل هذا الاسلوب في ما يتعلق بقراءة الصحف والمجلات، بل انه يعتذر عن تلبية طلب اي زبون يقرأ الصحف قبل دخوله محله لشراء ما يعرض فيه من ادوات قرطاسية أو مستلزمات مدرسية.

وأجمع اصحاب البقالات والمحلات التي تعرض بيع الصحف والمجلات إلى أن البخل وعدم الرغبة في دفع أي شيء مقابل الاطلاع على ما تحمله هذه الصحف والمجلات وراء انتشار هذه الظاهرة، مطالبين الجميع بعدم اعطاء الفرصة لمثل هؤلاء للتمادي في ذلك من خلال كتابة عبارات على الاكشاك تشير الى ان الصحف والمجلات للبيع وليست للقراءة مع ضرورة تدبيس الجريدة بأكثر من دبوس.

يشار إلى أن احدى الصحف المحلية طرحت منذ سنوات تجربة لبيع الصحيفة في المطارات والاسواق والمطاعم ومحطات الوقود واماكن تجمعات الناس عن طريق تخصيص اكشاك وصناديق لدفع سعر الصحيفة، لكن التجربة فشلت حيث أن البعض يعمد إلى أخذ الجريدة من دون أن يدفع سعرها.