أياد علاوي.. الأرستقراطي الشعبي والبعثي السابق المحاذر للوقوع في مطبات المواقف المتحجرة

زهير المخ*

TT

يحمل أياد هاشم علاوي جسماً غير متوازن يميل إلى الثقل، لكنه يخفي ذهناً متنبهاً ودائم اليقظة. أنيق القيافة، يبدو متحرراً من الرسميات، ونادراً ما يرتدي بدلة رسمية أو يعقد ربطة عنق.

إنه «أرستقراطي شعبي»، لا يتأثر ولا يثور، ويفضل بلوغ مآربه بكثير من الهدوء وعلى الناعم. لم يؤثر انتماؤه البعثي السابق في لغته وسلوكه، فهو لا يتحدث بمنطق إيديولوجي. يحذر الوقوع في مطبات المواقف المتحجرة ويتحاشى الغرق في التنظير. وبكثير من الغموض، يحاول علاوي أن يجمع بين مفاهيم متباعدة وربما متناقضة: العروبة والانتماء العراقي، الاشتراكية والليبرالية، يرفض امتدادات الماضي السلطوي ويرغب جدياً في المساهمة بتحديد ملامح مستقبل الحكم في العراق.

لقد صقلت فيه تنشئته العائلية كيف يركب الموجة في ذروة ارتفاعها ويعود بها إلى حيث يريد، وهو مدهش بإخفاء مقاصده حتى على أقرب المقربين إليه. ففي البيان الذي أصدره خمسة أعضاء في المكتب السياسي لـ «حركة الوفاق الوطني» في أغسطس (اب) الماضي اتهمه رفاقه السابقون صراحة بـ «الفردية واحتكار القرار بذريعة سرية العمل». ولد أياد علاوي في العام 1945 في أحضان أب شيعي بغدادي وأم من عائلة عسيران الشيعية اللبنانية. وعائلة علاوي معروفة بنشاطاتها التجارية، لكنها أفرزت في المقابل عدداً من المسؤولين والوزراء في الحكومات العراقية المتعاقبة إبان العهد الملكي، من بينهم عمه وزير الصحة الأسبق عبد الأمير علاوي.

هذا الأصل «الأرستقراطي» أو المراتب المبنية عليه، كان يمثّل فعلاً رصيداً لمن يريد دخول حلبة السياسة من أفراد العائلة. ولما قام انقلاب يوليو (تموز) 1958، بات الأمر متروكاً للشباب المتحمسين الطامحين أو الساعين إلى الصعود في سلم السلطة مستفيدين من مكانة آبائهم، ولكن من دون أن يتورط هؤلاء الآباء في هذا العمل. وبسبب هذه الطموحات السياسية، انتسب أياد علاوي إلى حزب البعث في العام 1961 وهو لم يزل بعد طالباً في المرحلة الثانوية، ربما بدافع الوقوف في وجه المد الشيوعي أو ربما لدوافع أخرى.

لكن وصول حزب البعث إلى سدة السلطة مرة ثانية في يوليو 1968، كان بالنسبة لعلاوي مصدر إحباط أكثر منه ظفراً بمكسب طال انتظاره. وبالفعل، يمكن النظر إلى حزب البعث كنسق من العلاقات اخترقته تدريجاً عصبية ذات انتماء طائفي ـ جهوي، ثم لعبت فيه الدور الطاغي، وكان هذا الدور ينمو طبيعياً بقدر ما كانت النخب الشيعية داخل جهاز الحزب مفككة وهزيلة.

هنا، يجدر بالمرء أن يتذكر أن البعثي أياد علاوي شيعي المذهب في حزب تغيرت موازين القوى فيه وباتت الأرجحية داخله للسنة. هذه المسألة ليست جديدة، وهي مكون أساسي من مكونات الثقافة السياسية العراقية. ويمكن طبعاً أن يجد القارئ عدداً من الرواة يساندون هذا الرأي، من بينهم البعثي السابق هاني الفكيكي.

ولما كان الأمر كذلك، عرف علاوي كيف يقبل التواري والانكفاء. ففي العام 1971 غادر العراق متوجهاً هذه المرة إلى بيروت التي كانت تحتضن أعضاء من القيادة القومية للحزب كانت تناوئ بعث العراق.

وفي العاصمة اللبنانية، انخرط علاوي بالعمل في إطار هذه المجموعة، لكن السلطة العراقية تعاملت مع هذه المجموعة بخفة وازدراء انطلاقاً من يقينها أن حجمها صغير بصورة كافية لكي لا يهتم بها إلا مسؤولون ثانويون.

وبما أن الأحداث اللاحقة طمست دور هذه المجموعة، فقد شدّ علاوي الرحال إلى لندن، حيث انتسب إلى كلية الطب وليتابع من هناك نشاطاً سياسياً معارضاً للسلطة العراقية أدى إلى تعرضه إلى أكثر من محاولة اغتيال كان آخرها في العام 1978 حيث أصيب إصابات بالغة.

ومع ذلك، لم يمتثل علاوي لقوانين اللعبة التي حددها نظام البعث في بغداد على الكثير من أمثاله، وظل أميناً على خياراته المناوئة لهذا النظام. وكانت هزيمة النظام العراقي على أيدي القوات الحليفة في العام 1991 بداية أفق لعلاوي الذي كان ينتظر بفارغ الصبر قرب انهيار السلطة المركزية في بغداد. ففي هذا العام التقى علاوي مع مجموعة من رفاقه السابقين في حزب البعث من بينهم صلاح الشيخلي وتحسين معلا وسليم الإمام ونوري البدران، وجميعهم من الشيعة، وأعلنوا تأسيس «حركة الوفاق الوطني». هذه الحركة التي لم تكن سوى تنظيم مسجل باسم شخص أكثر مما هي حركة تطمح إلى تحقيق أهداف سياسية، استفادت إلى حد كبير من «تدويل» القضية العراقية من جهة، ومن خروج أقطابها من رحم النظام العراقي من جهة أخرى.

ولئن كان عقد التسعينات عقد «تدويل» القضية العراقية بجدارة، فقد راهن علاوي وحركته على القوى الدولية لإحداث التغيير المطلوب في السلطة العراقية، كما راهنت القوى الدولية بالمقابل على علاوي وحركته باعتبارهما ما زالا يتمتعان بنفوذ ملحوظ لدى بعض مراكز القوى العراقية. وكان انقلاب 1995 الفاشل الذي أدى إلى إعدام عشرات الضباط تتويجاً لهذه المراهنة.

وقبل هذا التاريخ بقليل كانت الحركة بادرت إلى فتح مكاتب لها في شمال العراق وفي دمشق وعمان، ودشنت حركة اتصالات مع الداخل. وهكذا، بكثير من الصبر راح علاوي يكدس بهدوء بعض المكاسب الهامشية التي أتاحتها بعض المناسبات المؤاتية. فقد كان ممثلاً أصيلاً في مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في ديسمبر (كانون الأول) 2002 في لندن، وسافر في يناير (كانون الثاني) 2003 إلى واشنطن للاجتماع بمبعوث الرئيس الأميركي لدى المعارضة العراقية زلماي خليل زاد، بغرض تنسيق المواقف في شأن مستقبل العراق ما بعد صدام، وأصبح في ما بعد عضواً أصيلاً في مجلس الحكم الانتقالي.

* أكاديمي عراقي مقيم في فيينا