السياسيون العراقيون يسحبون البساط من تحت أقدام أول التكنوقراط ويطيحون بترشيح الشهرستاني لرئاسة الحكومة الانتقالية

TT

قال مسؤولون يشاركون في عملية الانتقال السياسية ان سياسيا شيعيا مستقلا، كان يعد الاختيار المفضل للولايات المتحدة والامم المتحدة لمنصب رئيس وزراء العراق، انسحب بعد معارضة عدد من السياسيين الشيعة الذين كانوا يعيشون في المنفى ويريدون المنصب لانفسهم.

وقد ادى رفض السياسيين قبول حسين الشهرستاني لمنصب رئيس الوزراء الى تعقيد جهود الولايات المتحدة والامم المتحدة لتشكيل حكومة مؤقتة لتولي سلطة سياسية محدودة في 30 يونيو المقبل، واجبر مبعوث الامم المتحدة الاخضر ابراهيمي وكبار المسؤولين الاميركيين للبحث عن مرشحين جدد. وكانت سلطات الاحتلال الاميركية تأمل في اختيار الحكومة بحلول يوم الاثنين المقبل، لاعطاء المعينين فرصة شهر للاعتياد على العمل الجديد، غير ان المسؤولين في الامم المتحدة قالوا ان هذا الهدف اصبح الان صعب التحقيق.

كما وجه الموقف ضد الشهرستاني ضربة قاصمة لمحاولات الولايات المتحدة والامم المتحدة لشغل المناصب الكبرى في الحكومة المؤقتة بمرشحين مستقلين وتكنوقراط بدلا من السياسيين، الذين قضى العديد منهم سنوات في المنفى ولا يتمتعون بتأييد شعبي.

وكانت الولايات المتحدة تمول العديد المعارضين السياسيين في المنفى خلال حكم صدام حسين، وعين العديد منهم في مجلس الحكم العراقي بعد اسقاط صدام في العام الماضي. وبسبب عدم شعبيتهم فإن سلطات الاحتلال سعت للتقليل من دورهم في الحكومة العراقية القادمة. غير ان عدم قدرة الشهرستاني على الحصول على موافقتهم يظهر قدرتهم المستمرة على عرقلة الخطط الاميركية لعملية الانتقال السياسية.

وذكر مسؤول عراقي قريب من الشهرستاني «انهم يشعرون بالانتماء الى ناد، والشهرستاني شخصية من خارج النادي». واضاف المسؤول ان الشهرستاني الذي التقى الابراهيمي عدة مرات في الاسابيع القليلة الماضية ويعتبر الاختيار المفضل لمبعوث الامم المتحدة، التقى الابراهيمي يوم الثلاثاء واوضح له «انه لا يمكنه قبول الترشيح لانه لا يمكنه الحصول على دعم هذا النادي».

وتشمل قائمة السياسيين الشيعة الذين عارضوا تعيين الشهرستاني كلا من احمد الجلبي الحليف الاميركي السابق الذي يرأس المؤتمر الوطني العراقي وكان يمول من البنتاغون، واياد علاوي زعيم حركة «الوفاق الوطني» الذي يحظى بدعم وكالة الاستخبارات المركزية، وعادل عبد المهدي من المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراقي وابراهيم جعفري من حزب الدعوة، وذلك طبقا لمصادر على علاقة بالمناقشات مع الابراهيمي.

ويريد كل من علاوي وعبد المهدي وجعفري منصب رئيس الوزراء لانفسهم.

وتجدر الاشارة الى ان عملية تشكيل الحكومة المؤقتة تعقدت ايضا بسبب مطالب السياسيين الاكراد. فهم يريدون الحصول اما على منصب الرئاسة او رئيس الوزراء. وقد عرض الابراهيمي والمسؤولان الاميركيان اللذان يشاركان في تشكيل الحكومة، بول بريمر الحاكم المدني في العراق وروبرت بلاكويل مبعوث الرئيس، على الاكراد، الذين يمثلون 20 في المائة من سكان البلاد، واحدا من منصبي نائب الرئيس واثنين من اقوى المناصب في الوزارة.

وطبقا للمصادر القريبة من العملية فإن الابراهيمي وبريمر وبلاكويل خططوا لمنح منصب الرئيس ورئيس الوزراء لعربي، بحيث تكون الرئاسة لسني ورئيس الوزراء لشيعي. بينما سيحصل الشيعة، الذين يمثلون 60 في المائة من السكان، على منصب نائب الرئيس الثاني.

واشار المسؤولون الاكراد ان قادة الاكراد الذين يبدو انهم كانوا سيقبلون العرض المقدم من الولايات المتحدة والامم المتحدة قبل ايام، جددوا تصميمهم على الحصول على واحد من المناصب الكبرى.

وقال سياسي كردي كبير «ان الاكراد في حاجة الى واحد من المنصبين الكبيرين. يجب الا نهمش، والا نظهر بمظهر مواطنين من الدرجة الثانية».

وقال مسؤولون اميركيون ودبلوماسيون في الامم المتحدة ان مطالب قادة الاكراد ورفض السياسيين الشيعة بشأن اختيار رئيس وزراء مستقل للعراق اسفر عن تحويل عملية تشكيل الحكومة المؤقتة، التي من المقرر ان تتولى السلطة في العراق لمدة سبعة شهور، الى مفاوضات معقدة وسط العراقيين انفسهم.

وينظر بعض المشاركين في هذه العملية الى ان بضعة منفيين عراقيين سابقين يفرضون مرة اخرى مراجعة الخطط الاميركية. فمعارضة قادة سياسيين عراقيين افشلت المبادرات الاميركية المبكرة لصياغة دستور دائم قبل تسليم السلطة الى العراقيين واختيار ادارة انتقالية من خلال نظام المؤتمرات الاقليمية. ومن جانبه قال مسؤول مطلع ان المعارضين المنفيين السابقين يطالبون بان يكون لهم دور رئيسي، وأشار الى انه من المحتمل ان يحصلوا على ما يريدون لأنه لم يتبق وقت كثير، كما لا يرغب احد في المخاطرة بمقاطعة الحكومة الجديدة. وقالت مصادر مطلعة ان الابراهيمي يفضل فكرة إعطاء منصب الرئيس واثنين من نائبيه للقادة السياسيين على ان يكون منصب رئيس الوزراء والحقائب الوزارية لأصحاب الخبرة الفنية. لكنه في مواجهة مطالب قادة سياسيين بدور اكبر في الحكومة، فإن الابراهيمي ربما يضطر الى إعادة النظر في تفاصيل خطته. فالعالم النووي الشهرستاني، 62 سنة، الذي سجنه نظام صدام حسين لمدة تزيد على عشر سنوات اثر رفضه المساعدة في انتاج اسلحة نووية، ليس له تجربة تذكر في المجال السياسي. إلا انه، على العكس من الكثير من المنفيين العراقيين، آثر تركيز طاقاته على مساعدة اللاجئين العراقيين، اذ تحاشى العام الماضي العمل في السياسة وركز جهوده في مشاريع المساعدات الانسانية في جنوب العراق. ويقول عدنان علي، الذي يعمل مستشارا لدى الجعفري، «الوضع الجديد في العراق يحتاج الى شخص يعرفه الشارع العراقي وصاحب برنامج سياسي وأداء ممتاز خلال العام الماضي». ويعتقد عدنان علي ان الشهرستاني خبير نووي قضى في السجن سنوات طويلة وهو صاحب تاريخ طويل في العمل مع المنظمات الخيرية لذا من الصعب عليه القفز من هذا النوع من التخصص الى التعامل مع أشياء مثل السيادة والوزارات والميزانية. ويقول ابراهيم الجنابي، المتحدث باسم إياد علاوي، ان الشهرستاني سيواجه صعوبة في حل المشاكل التي تواجه العراق حاليا لأنه يفتقر الى الخلفية السياسية في الوقت الذي يحتاج فيه هذا المنصب الى مهارات سياسية. وكان الشهرستاني قد صرح خلال مؤتمر صحافي انعقد في العاصمة العراقية انه ابلغ الابراهيمي بأنه لا يرغب في العمل في الحكومة الانتقالية، مؤكدا انه يريد الاستمرار في خدمة الشعب العراقي من خلال عمله الحالي في منظمات العون الانساني. وقال الشهرستاني انه لا يريد ان يشغل منصب رئيس الحكومة المقبلة «لأسباب مقنعة» بالنسبة له على الاقل. لكنه اشار الى انه ليس من المناسب مناقشة هذه القضايا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ البلاد. وأكد كذلك انه يفضل تمهيد الطريق أمام حكومة عراقية جديدة تحاول قيادة البلاد في الطريق الى الديمقراطية. وأعرب الشهرستاني عن اعتقاده ان رئيس الحكومة الجديدة «لا يجب ان يكون شخصا منتميا الى أي من الاحزاب السياسية»، كما اكد على اهمية ان يشغل هذا المنصب «اكثر الاشخاص كفاءة». وأكد ان العراقيين اذا عملوا معا على نحو افضل سيتيحون فرصا افضل لتحسين الاوضاع بصورة عامة.

إلا ان الشهرستاني لا يستبعد ان يكون له مستقبل في عالم السياسة، مؤكدا انه سيترشح للحصول على مقعد في البرلمان المرتقب في الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل.

*خدمة «واشنطن بوست»، خاص بـ«الشرق الاوسط»