مجلات الأطفال في السعودية تتسابق على عقول النشء وانتقادات للجوء عدد منها إلى نشر فتاوى

TT

يدور في السعودية حديث عن حماية عقول الشباب، ولكن ماذا عن عقول الاطفال؟ حيث اكثر من 15 مطبوعة محلية وخليجية وعربية تتنافس على كسب اذهانهم وتقويم سلوكياتهم.

وبالرغم من ان هذه المجلات تصدر عن جهات متنوعة، اذ ان بعضها يصدر عن مؤسسات صحافية مستقلة كمجلات (الشبل، سعد الكويتية، براعم الايمان)، والبعض الآخر يصدر عن مؤسسة رسمية مثل مجلة «انس» التي تصدرها الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في المنطقة الشرقية باشراف وزارة الشؤون الاسلامية السعودية، الا ان ما يجمع بين غالبيتها هو سيطرة فكر ذي صبغة دينية على توجهاتها. ويتفاوت هذا التوجه من مجلة لأخرى بحسب تسييسها للقضايا المعاصرة.

والحال ان تناول مجلتين بالرصد مثل مجلتي «سعد» و«أنس» يوضح حجم التناقض في الافكار والفتاوى بين هذه المجلات، والضحية عادة طفل يتراوح عمره بين 7 و12 عاما. ففي احد اعداد مجلة «انس» ظهرت فتوى في واحدة من الزوايا توضح «حكم الاحتفال بمولد النبي»، ونصت على التالي: «ليس من حب النبي الاحتفال بمولده بل محبته في طاعته والاقتداء به وهؤلاء الذين يحتفلون بمولده هم أبعد الناس عن سنته والعمل بها».

فيما يجد القارئ في مجلة «سعد» ان القائمين على تحريرها قد وضعوا موضوع الغلاف تحت عنوان «مولد الهادي الامين»، وافردت له صفحتين داخل العدد، ونصت افتتاحيتها على التالي «ان الاحتفال بذكرى مولد الرسول يهدف الى تذكير المسلمين بحب نبيهم».

وقال فيصل الردادي، رئيس جمعية تحفيظ القرآن المسؤولة عن اصدار مجلة «انس» لـ«الشرق الأوسط»: «سعينا من خلال المجلة الى ايجاد نموذج ثقافي للاطفال خال من المحاذير الشرعية. كبديل للمجلات المليئة باللغط، وقدمنا من خلال المجلة البديل الشرعي المناسب».

وبشأن الفتاوى التي تظهر في المجلة احيانا، قال: «لا بد ان نزرع في ابنائنا مفاهيم دينية حول ماهية البدعة والسنة، حتى يتصرفوا بشكل صحيح عندما يكبرون».

ويعارض هذه الرؤية خالد السبهان رئيس تحرير المجلة ذاتها، قائلا: «لا بد ان نعترف ان بعض الاخطاء تحدث احيانا، ولا اعتقد ان تقديم الفتاوى الى اطفال لم يكلفوا بعد شيء جيد، ولكنها اخطاء قد تتسرب من هنا او هناك».

وحول تفسيره دعوة المجلة للاطفال لكتابة موضوع حول «فضل إفشاء السلام»، ومن ثم توجيه سؤال في نفس الصفحة عن «هل يجوز ابتداء الكافر بالسلام؟»، قال السبهان الذي يقود مجموعة من اربعة معلمين يقومون بتحرير المجلة «الأخطاء واردة»، وهذه الفقرة ايضا خطأ، واعتقد ان اعترافنا بخطئنا بحد ذاته جيد، ثم اننا نقوم بشكل تطوعي، ولسنا متفرغين».

اما منال البهنساوي، مديرة تحرير مجلة «سعد» فتعتقد انه من واجب مجلات الاطفال تقديم القيم العربية والاسلامية بشكل مبسط، لا يجعل الطفل يشعر انه يتلقى القيم بشكل مباشر.

لكن البهنساوي تشير الى انه «يفترض ان نكون جميعا محايدين وعلى مسار واحد، ونبعد الطفل عن اي صراع فكري وفقهي». وفي هذا السياق، تعلق الدكتورة ابتسام دخاخني، الاستشارية النفسية، قائلة: «وضع الطفل في زاوية الحرام والحلال، يصنع ردة فعل معاكسة، فملء احساسه بالذنب في هذه السن المبكرة، يسلب منه طفولته ويكون لديه مشكلة نفسية، او سلوكية تؤدي للانحراف».

وترى دخاخني ان الحل يكمن في التركيز على الاخلاقيات من منظور انساني غير مختلف عليه. مثل الصدق والامانة والحب والاخلاص وغيرها، بدلا من زرع التردد داخل الطفل مبكرا، مع الاخذ في الاعتبار تعزيز مهارات الطفل في الخيال وتوسيعه، بما يحقق لديه القدرة على الابتكار الخلاق.

والحال ان الجانب الآخر المشترك بين جميع هذه المجلات (باسم، براعم الايمان، سعد، الشبل... الخ) هو استخدامها للقصص التاريخية بشكل مفرط ولافت. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: الا تصبح القصة هادفة الا اذا كانت تاريخية؟ وتجيب البهنساوي عن هذه النقطة، بقولها «لا بد ان نسلط الضوء على ماضينا حتى لا ينساه الناشئة من الاطفال». من جانبه، قال يعقوب اسحاق المختص في ادب الاطفال «ان المجلات التي تعتمد على القصص التاريخية، تعاني من عجز في الكتاب القادرين على معالجة الواقع بتجاربه المعاصرة واليومية، وهو بلا شك إفلاس فني».

ولا تكتفي بعض المجلات بتأطير اتجاهاتها في شكل ديني، ولكن تتجاوز الى حقنها برؤى سياسية كالقصة في مجلة «سعد»، التي كانت تحت عنوان «القدس في قلوبنا»، وبطلها «مازن» الذي لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره، حيث يفكر بحسب نص القصة في الاستشهاد بعد سماعه لكلمات شيخ جليل. ونص المقطع على التالي: «مشى مازن حائرا.. فكلمات الشيخ الجليل ما زالت تطن في اذنه.. هل للشهادة هذا القدر؟ ما اروع كلمات الشيخ، كان يزرع في قلبه حب الشهادة والفداء». وتنتهي القصة بقرار مازن مواجهة دبابة اسرائيلية بحجر في يده يلقى بعدها حتفه.

وتدافع البهنساوي عن هذا الجانب بقولها: «القصة تمثل وجهة نظر الكاتب، وتحوي جانبا تربويا قيما، يوضح للاطفال الآخرين ان هناك من هم في مثل سنهم ويعانون الأمرين في حياتهم. ثم ان القدس ليست قضية سياسية بل دينية، لذلك تم تناولها. ولا نقصد من القصة دفع او تشجيع الاطفال على فكرة الانتحار كما يعتقد البعض».

ويعارض اسحاق هذه الرؤية ويطرح فكرة بديلة بقوله «بدلا من تلقين الجيل الجديد ثقافة الموت والكآبة والقبور، كان من الاولى تعليمه ثقافة البناء وحب الحياة، واكسابه مهارات تساعده على تقديره لقيمته كانسان، فجميل ان يموت اي انسان من اجل وطنه، ولكن الاجمل ان يعيش لأجله».

وتقول الدكتورة تغريد القدسي، الناشطة في حقوق الطفل ورئيسة قسم المكتبات والمعلومات في جامعة الكويت، «هناك مغالاة في مجلات الاطفال بتركيزها على القيم والمثل على حساب احتياجاتهم المعلوماتية الحقيقية، خصوصا في ظل عالم متطور ومتغير باستمرار».

وتضيف القدسي «اللافت للنظر استغلال هذه المجلات للغطاء الديني لتحظى بالقبول في الاوساط الشعبية، مما يوضح ان معظم القائمين عليها يهدفون الى الربح المادي، فمن السهل ان تنشئ مجلة وعظية مليئة بالنصائح، ولكن من الصعب اخراج مشروع جاد يهتم باحتياجات الطفل العصرية الحقيقية. وفي النهاية مجلات الاطفال تقع تحت مد «ايديولوجي» يعم المنطقة الخليجية بأكملها، فأصبحت بدورها جزءا من هذا النسق».

وتفند القدسي الأسس التي يجب ان تبنى عليها مجلات الاطفال، قائلة «يجب ان يكون هناك تناغم بين جمالية الشكل والمضمون، بشكل يرتقي بذوق الطفل ويوسع خياله وآفاقه العقلية، وان يكون المشرفون على الاصدار من المتخصصين في المجال التربوي الخاص بالطفل، وان يكونوا ذوي اهلية ومصداقية علمية. ولا تترك المسألة على الغارب، مع تقديم دعم معلوماتي سخي لاحتياجات الطفل في القرن الواحد والعشرين».