لبنان: لحود تفقد الجرحى المدنيين والعسكريين وحذر من «العبث بالأمن»

استنكار واسع للصدامات الدامية بين الجيش والمتظاهرين ومطالبة بالتحقيق وتحديد المسؤولية

TT

عكست الاحداث الدامية التي وقعت اول من امس بين الجيش اللبناني ومتظاهرين ضد السياسة الاقتصادية للحكومة في الضاحية الجنوبية لبيروت هول الصدمة في الاوساط الرسمية والسياسية والشعبية على السواء، انطلاقاً من «عدم جواز العبث بالأمن» واعتبار «السلم الاهلي والاستقرار الامني خطاً احمر ينبغي احترامه». ودعت فعاليات ومرجعيات رسمية وسياسية الى «تحديد المسؤول عما حدث» سواء لجهة تعرض المتظاهرين لنيران الجنود او لجهة اعمال الشغب والتخريب واشعال الاطارات في الشوارع وتكسير المنشآت العامة والاشجار.

ولقد تفقد الرئيس اللبناني العماد اميل لحود امس الجرحى المدنيين والعسكريين الذين اصيبوا في اطراف الضاحية الجنوبية، فزار المستشفى العسكري ومستشفى «الرسول الاعظم»، واعطى توجيهاته بضرورة الاهتمام بالجرحى وتوفير العناية الطبية الكاملة لهم. كما طلب من وزارة الصحة اخذ التكاليف المترتبة عن المعالجة على عاتقها.

واكد لحود ان «لا فرق بين اصابة عسكري واصابة اي مدنى، كونها خسارة واحدة للوطن، فكلاهما مواطن بصرف النظر عن وظيفته». ودعا الى «اخذ العبرة مما جرى على مختلف الصعد»، مؤكداً «ان القضاء سيقوم بدوره في جلاء الملابسات، وان المطلوب في هذه المرحلة تحلي الجميع بالوعي والمسؤولية وعدم الانجرار وراء الانفعالات والمزايدات التي لا تخدم احدا».

واذ اقر لحود «بصعوبة الاوضاع المعيشية والاجتماعية» اكد في المقابل عدم جواز العبث بالأمن، وتعريض الاستقرار لانتكاسة لأن ذلك من شأنه ان يزيد من الصعوبات القائمة ويفاقم الاوضاع المعيشية، داعياً الحكومة والوزارات والادارات المختصة الى بذل اقصى الجهود الممكنة للتخفيف من وطأتها، ومعتبراً «ان هذه مسؤولية جميع مؤسسات الدولة من دون استثناء».

بجانب ذلك، أعلنت قيادة «حزب الله» عن تأجيل مؤتمر صحافي كان الأمين العام للحزب الشيخ حسن نصر الله سيعقده امس. واشارت الى انها تقوم باتصالات مع الاجهزة الرسمية والقوى السياسية المختلفة لمتابعة تطورات احداث الضاحية.

من جهة أخرى، كان رئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري قد اعرب في تعليق له ليل اول من امس على الاحداث الدامية، عن اسفه الشديد لما حدث. ودعا اللبنانيين كافة الى «الاتعاظ مما حصل واجراء مراجعة في العمق وتحمل مسؤولياتهم»، مؤكداً «ان المساس بهيبة الجيش الوطني هو مساس بكرامة الوطن والمواطن واصطدام مباشر باستقرار البلاد».

كما اعلن الرئيس السابق للحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص انه «في الوقت الحاضر ضد ترحيل الحكومة الحالية» التي يترأسها الرئيس الحريري، معتبراً انه «يجب ان تبقى على علاتها حتى الاستحقاق الرئاسي الذي لا يفصلنا عنه اكثر من خمسة اشهر». ورأى ان اي حكومة اخرى ستأتي لهذه المرحلة الانتقالية ستكون «عاجزة وعقيمة».

وكان نائب رئيس الحكومة عصام فارس قد استغرب عدم انعقاد مجلس الوزراء هذا الاسبوع، ورأى «ان الازمات الاقتصادية والاجتماعية والحياتية، فضلاً عن المستجدات المتلاحقة على الصعيد الاقليمي، تستدعي المتابعة اليومية من قبل السلطة التنفيذية لمختلف شؤون البلاد والعباد»، وقال انه «اذا حالت، احياناً، اسباب ملحة دون عقد جلسة المجلس في موعدها الاسبوعي كل يوم خميس فليس ثمة ما يمنع انعقادها في يوم آخر لكي تظل الحكومة في حال سهر دائم على هموم الناس ومشاكلهم، وفي جهوزية تامة لايجاد الحلول الناجعة والمعالجات اللازمة لها».

في هذه الأثناء، طالب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بفتح تحقيق بالملابسات التي رافقت التظاهرات. ورأى انه «كان يمكن تكليف قوة من مكافحة الشغب بمرافقة مثل هذه التظاهرات وحمايتها، وذلك حفاظاً على كرامة الجيش ومناقبيته ومنعاً لجره الى سياسات «الازقة» التي ظهرت بعض ملامحها امس». وأشار الى «ان الحزب التقدمي لم يكن الا مشاركاً في التظاهرات التي جاءت تحت عنوان اساسي هو تحديد سقف سعر صفيحة البنزين». وأردف: «اذا كان الاتحاد العمالي العام ومن وراءه من اركان الحكومة قصدوا من التظاهرات والاضرابات الوصول الى مآرب اخرى معينة، فإن الحزب لن ينضوي تحت لواء هذه السياسات».

ودعا جنبلاط الى «الغاء مافيا الفيول ومكننة الدولة للضمان الاجتماعي وتوحيد سلسلة الرتب والرواتب في القطاعات المدنية والامنية واعادة عائدات الكازينو للخزينة وتوحيد صناديق الاستشفاء واعتماد البطاقة الصحية». وخلص الى المطالبة بـ«تحديد المسؤوليات عما جرى»، مشيراً الى «العبء السياسي الكبير الذي يتحمله الحزب (الذي يرأسه) نتيجة مشاركته في الحكومة الى جانب فرقاء بعضهم شريك في الهدر والفساد على حساب المال العام». هذا وكان المرجع الشيعي اللبناني الشيخ محمد حسين فضل الله قد استنكر الاحداث الدموية، وقال في خطبة الجمعة امس: «لا نريد للناس ان تستذكر الدور السابق للقوى الامنية بعدما تعرف الناس الى الجيش الذي تحمل المسؤولية الى جانب المقاومة في تحرير الارض والخلاص من الاحتلال». واضاف: «ان من حق الجميع ان يعرفوا من المسؤول عما حدث. فالسلم الاهلي والاستقرار الامني مسؤولية الجميع. ولا بد ان يتم التعاطي مع هذه المسألة على اساس انها خط احمر ينبغي احترامه في ظل التحديات الكبرى التي تواجهنا في المنطقة، والتحديات الداخلية على المستوى الاقتصادي التي افرزت هذه النتائج».

واكد فضل الله ضرورة تحقيق المطالب المحقة للطبقات المحرومة والفقيرة وللعمال، على ان يكون التعبير عن هذه المطالب حضارياً، لأن عمليات التخريب واشعال الدواليب وتكسير الهواتف العمومية وحرق الاشجار امور غير جائزة. وينبغي على القوى السياسية والشعبية ان تتحمل مسؤوليتها وتأخذ دورها في منع المظاهر التعبيرية التي تسيء الى روح اي تحرك شعبي ومضمونه، والذي قد يكون انطلق من اشخاص او جهات لا تريد خيراً بالحركة الشعبية الاحتجاجية». وخلص الى القول: «ينبغي ان يحدد المسؤول عما حدث سريعاً، لأننا لا نريد للناس ان تكون فريسة الاهمال الاقتصادي والامني، او ان توضع بين نارين: الموت جوعاً او الموت عقابا».

واعتبر عضو كتلة نواب «حزب الله» في البرلمان اللبناني النائب الدكتور حسين الحاج حسن قتل المتظاهرين «امراً مداناًَ». وتساءل: «ألم يكن بالامكان تفادي ما حصل واستعمال وسائل اقل عنفاً من الرصاص الحي من قبل القوى الامنية وعدم ازهاق الارواح المدنية؟». وقال: «نحن لا نريد ان نصل الى محاسبة الجيش على اخطاء الحكومة واخطاء السياسيين وان يحاسب الجيش على السرقة والهدر الذي يقوم به الحكام».

من جهته، قال النائب ميشال المر عقب اجتماعه بالبطريرك الماروني نصر الله صفير امس: «ان ما حصل هو امر مؤسف ومؤلم. وابدي استنكاري الكامل والشامل من دون اي تردد للاعتداء على الجيش، بأي وسيلة كانت، ان كان باطلاق النار او الهجوم على آلياته، وان الاعتداء على الجيش هو اعتداء على الوطن وكيانه، وهذا مر غير مقبول، وهذا خط احمر لا بل خطوط حمر». ودعا رئيس «الحزب الديمقراطي اللبناني» وزير الدولة طلال ارسلان الى «عدم توظيف هموم الرغيف باتجاهات مناقضة للاهداف النقابية والعمالية». وطالب بـ«حماية المؤسسة العسكرية واجراء تحقيق سريع في ما حدث وتحديد المسؤولية ومعاقبة المرتكبين».

واصدرت «حركة التجدد الديمقراطي» التي يرأسها النائب المعارض نسيب لحود بياناً اعتبرت فيه «ان الصدامات الدموية المؤلمة التي وقعت بين الجيش والمتظاهرين في الضاحية الجنوبية (...) اخرجت الى السطح دفعة واحدة معظم مظاهر الاختلال العميق الذي يعتري الاوضاع العامة في لبنان في السنوات الاخيرة».

واعتبرت النائب بهية الحريري ان احداث الضاحية الجنوبية «شكلت نقطة غير مضيئة، بالنسبة للبنان»، وقالت «ان الفوضى والشغب اصبحا امراً من الماضي»، واكدت «ان المس بالقوى الامنية وتحديداً الجيش اللبناني هو خط احمر»، واشارت الى «ان العناصر التي قامت بهذا الامر هي عناصر مدسوسة احدثت نوعاً من الذعر لدى المواطنين».

واعرب حزب «الوطنيون الاحرار» عن اسفه لسقوط الضحايا «في المواجهة غير المبررة»، واعتبر انها «تطرح اكثر من علامة استفهام بالنسبة الى الاستحقاقات الدستورية المقبلة». واكد، في بيان له امس، على «حق التظاهر السلمي والتعبير الديمقراطي عن السخط والغضب من الوضع المأساوي الذي يعيشه المواطنون».

واستغربت الاتحادات النقابية، في ختام اجتماع طارئ عقدته امس «زج الجيش واقحامه في ما جرى»، مطالبة بفتح تحقيق «لتحديد المسؤوليات ومن اعطى الاوامر باطلاق النار وانزال اشد العقوبات بحقهم». وقررت النقابات «اعلان الحداد العام يوم تشييع ضحايا الاحداث الاليمة في حي السلم واعتبارهم شهداء».

وشدد رئيس الاتحاد العمالي غسان غصن على وجوب فتح تحقيق لتحديد المسؤوليات في احداث ضاحية بيروت الجنوبية. واعرب عن اعتقاده بـ«وجود مندسين في التظاهرات حاولوا تعكير صفو الامن». واستنكر زج المتظاهرين والجيش في أي اشكال امني.