الصادق المهدي لـ«الشرق الأوسط»: ثلاثة سيناريوهات لسودان ما بعد السلام

ندعو إلى طريق ثالث والسودانيون وصلوا إلى قناعة بأن لا تقدم مع الحرب أو بأجندة شمولية

TT

لدى الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض، دائما ما يقوله كما يقول أهل الغرب، كان ذلك على صعيد قضايا السودان على كثرتها وتعقيداتها، أو على صعيد القضايا الدولية، وفي هذا اللقاء بدا في غاية التفاؤل بمستقبل جديد في السودان، أرجعه الى أن طرفي الاتفاق في السودان، وبعد محادثاتهما المكوكية، أصبحا على ما يقترب من القناعة بأن إقصاء الآخرين مستحيل، بل أن المهدي رجح تسابقهما، أي حزب المؤتمر الحاكم والحركة الشعبية لتحرير السودان، على خطب ود القوى السياسية الأخرى، وقال لـ«الشرق الأوسط»: تصدق هنا مقولة إن في اختلاف الأئمة رحمة. وأرجع ذلك الى أن محصلة الخلاف السياسي الكثير في السودان قد قادت الى اقتناع أي كيان سياسي بفشل سياسات الأقصاء من أي مصدر كانت ومن أي توجه سياسي اطلقت. ومع المهدي كان هذا الحوار:

* كيف ترى مستقبل السودان في ضوء اتفاق السلام الذي تم التوقيع عليه أمس الأول؟

ـ المستقبل سيكون ناتج المخاض الذي طال ووصل بالسودان الى ما وصل اليه، بمعنى أن ذلك المخاض قد أوصل أهل السودان، وبرغم طول المدة، الى قناعتين لا أحسب أن أحدا سيزايد عليهما في المستقبل، وهما أنه لا مجال للتقدم في ظل حرب، ولا مجال للتقدم بأجندة شمولية ونظام ديكتاتوري.

من هنا أحسب أن توابع المخاض ستستمر تحت ثلاثة سيناريوهات هي: سيناريو المحافظة على نظام الانقاذ قدر المستطاع وهو السيناريو الذي يتبناه غالبية أهل الإنقاذ وتراهم يبذلون ما في وسعهم لاتخاذ كل التدابير التي تعينهم في هذا الشأن بدءا من تدابير تستبق الانتخابات المقبلة ونهاية باستعدادات أخرى.

سيناريو السودان الجديد الذي تتبناه غالبية أهل الحركة الشعبية أيضا، وهو سيناريو يقترب تعريفه من صيغة جديدة لجهة سودان جديد وبديل لما هو قائم، وركيزتيه العلمنة والأفرقة.

السيناريو الثالث هو الذي نتبناه نحن وقوامه سودان متجدد وليس جديدا، ونأمل أن تتصحح فيه أخطاء الماضي لاستيعاب الجميع في اطار سلام عادل وتحول ديمقراطي، وتقديري أنه إذا ما كان للفترة المقبلة أن تشهد صراعا سلميا ونزيها على السلطة فسيكون النصر للسودان المتجدد. ولا أقول ذلك من فراغ، وقراءة الواقع الإقليمي توحي بأن دول الإقليم نفسها تشهد وتعايش نفس مخاض السودان، والسيناريوهات فيها تقارب ما عندنا، ففيها نشهد قوى تريد حلولا شكلية مقابل الابقاء على جوهر الوضع القائم، وقوى تريد تغييرا راديكاليا وقوى التيارات الاسلامية المتشددة بأجندتها المعروفة، وأخيرا القوى التي لا تملك شكلا معينا للتغيير، فلا هي تريد الابقاء على الوضع الراهن ولا هي تريد أن يكون البديل طروحات التشدد الاسلامي.

ومن هنا نبدو نحن في السودان في حاجة الى طريق ثالث وبوسعنا اذا ما اسسناه أن نقدم معادلة طيبة وموضوعية لمآزق الدول الأخرى من حولنا.

* ولكن هل تعتقد أن السودان بتركيبته المعقدة مؤهل للنجاح ومن ثم تقديم المثال الذي تقول به؟

ـ بالتأكيد، والحيثيات هنا كثيرة، وفي مقدمتها الميراث السياسي في السودان وأشدد هنا على قوة هياكل المجتمع المدني في السودان، وقراءة التاريخ تقول إن تلك القوة استعصى تفكيكها طوال تاريخ السودان على أية شمولية وديكتاتورية، وأراها مؤهلة للقيام بدور محوري في الفترة القريبة المقبلة.

* تبدو متفائلا مع أن الانتخابات، أية انتخابات تحتاج الى مال وإعلام، ووجه المقارنة شبه معدوم بين المؤتمر الوطني الحاكم (الجبهة الاسلامية بمسماها القديم) وبين كل القوى السياسية الأخرى التي ستنافسها، فمن أين لقوى السودان المتجدد أن تكسب معاركها مع الخلل القائم في القوى المادية بين أطراف الصراع ؟

ـ لا أوافقك في النتيجة التي يحملها بالتضمين سؤالك وكأن القضية محسومة، لأن شواهد التاريخ المعاصر، ومع سائر النظم الشمولية، تقول إن أية انتخابات حرة ونزيهة تكسبها المعارضة، وأبدأ من بورما عام 1994 حيث كسبت سان سوشيه الانتخابات بنسبة 85 في المائة يوم أن قررت الجونتا العسكرية إجراء انتخابات ولكنها فجعتها فتراجعت عنها، واستدعي ما حصل في الهند أخيرا، وتعال الى أفريقيا واستدعي نماذج كينيا وغانا في العام الماضي، ومعنا في السودان أرجو التوقف مع نتائج انتخابات جامعة الخرطوم الأخيرة، وفيها مؤشر حي، وتقول تقديراتي إن أحزاب المعارضة قد أنفقت عليها ما لا يتعدى من 2 الى 3 في المائة مما أنفقه المؤتمر الوطني الحاكم الذي صرف عليها بتقديراتنا نحو مليار جنيه ولكنهم خسروها بفارق كبير. وأرجو أن أؤكد هنا أن المستقبل للمعارضة متى ما كانت الانتخابات المقبلة حرة ونزيهة.