شبان الشيعة ينجذبون إلى مقتدى الصدر بدوافع الفقر ونفاد الصبر وسمعة والده

TT

كان حيدر عباس يجر عربته وسط الذباب والنفايات المنتشرة في مدينة الصدر، الحي الشيعي الكبير في العاصمة بغداد، وهو يتحدث عن رجل الدين المثير للاضطرابات مقتدى الصدر الذي اطلق على الحي في العام الماضي اسم عائلته بعدما كان صدام قد سماه باسمه. وبينما كان عباس يتحدث راح ابنه البالغ 16 عاما يهزج مع مجموعة من الشباب الآخرين الذين انضموا اليه وبدأوا يهتفون بحياة مقتدى الصدر ويقولون «مقتدى على حق. نحن نتبع مقتدى. نحن نموت من أجل مقتدى». لا يحظى الصدر الذي وصفته ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش باعتباره مجرما وقاطع طريق بدعم كبير من جانب الأغلبية الشيعية في العراق، لكن الناس في شوارع مدينة الصدر يصورونه على نحو مختلف، فهم ينظرون الى رجل الدين الذي يتزعم تمردا شيعيا منذ ثمانية أسابيع كصوت بارز معبر عن الفقراء ووطني يكافح ضد الاحتلال الأجنبي ووريث تقليد يقاوم الظلم والطغيان. ويقول مواطنون عراقيون عاديون ان أساليبه قد تكون متهورة وربما يمكن القضاء على ميليشياته، لكن الرسالة التي يحملها تمتد عميقا في المجتمع العراقي ولن تزول بسهولة.

وقال عباس «أنا لا أحب مقتدى شخصيا. أنظر الى ما فعله. فقد تسبب في قتل كثير من الناس الذين دفعهم الى القتال في مواجهة الدبابات الأميركية، ولكن ما يقوله صحيح بالطبع. ما الذي جلبه لنا الأميركيون؟ نحن في وضع أسوأ من أي وقت مضى. ان مقتدى يريد اخراجهم». ولفترة تقرب من العام ظل الشيعة يرحبون الى حد كبير بالغزو الأميركي ويتسامحون مع الاحتلال، ولكن الصدر وأتباعه وميليشياته كانوا استثناء من ذلك، فقد شجب في يونيو (حزيران) من العام الماضي تأخر اجراء الانتخابات والانتهاكات التي تقوم بها قوات التحالف، وهي احتجاجات لم يطرحها رجال دين شيعة كبار الا في الخريف الماضي، وهو مما أدى الى تعزز مكانة الصدر ارتباطا بخيبة أمل عدد متزايد من الشيعة من حكم الولايات المتحدة في العراق.

وفي ابريل (نيسان) الماضي عندما بدأ الصدر تمرده طالبته الولايات المتحدة بتسليم نفسه الى محكمة عراقية لمحاكمته بتهم مرتبطة بمقتل رجل الدين المعتدل عبد المجيد الخوئي، غير أنه وميليشياته التي تحمل اسم «جيش المهدي» صعدا من التمرد مما دفع بآلاف من القوات الأميركية للتوجه الى المدن الشيعية المقدسة، النجف والكوفة وكربلاء. ويقول مسؤولون أميركيون ان القوات الأميركية قتلت ما يقرب من 1500 من أفراد ميليشيا الصدر خلال ثمانية أسابيع من القتال مما أوصل هذه الميليشيا الى حافة الانهيار. ولكن عدنان علي، المسؤول الكبير في جمعية الهلال الأحمر العراقية، قال ان «الهجوم على الصدر عزز موقعه أكثر من السابق». وقال الجنرال المتقاعد علي شكري، الذي عمل مستشارا لعاهل الأردن الراحل الملك حسين والمطلع على الشؤون العراقية «ان الصدر ينهض من هذا الوضع كشخصية سياسية وطنية يتعين التعامل معها».

وفي الأسبوع الماضي توصل الوسطاء الشيعة الى وقف لإطلاق النار بين الصدر وقوات الاحتلال. ولكن ليست هناك دلائل على أنه يمضي نحو تنفيذ وعده بسحب ميليشياته من الشوارع، وكشف القتال الشديد في الكوفة أول من أمس عن انهيار الاتفاق.

ويقول عراقيون ان الفجوة بين مواقف الصدر والمواقف الأميركية تعكس افتقارا الى فهم تعقيدات جوانب الحياة الشيعية الدينية والسياسية والاقتصادية. ويستفيد الصدر من التبجيل الذي لا يزال يكنه الشيعة العراقيون لوالده آية الله محمد صادق الصدر الذي قتل هو واثنان من ابنائه عام 1999 في عملية يتهم الشيعة صدام حسين باصدار الأوامر لتنفيذها. وكان ابن عم لهم هو آية الله محمد باقر الصدر الذي يعتبره كثيرون ابرز المفكرين الشيعة في العقود الماضية، قد قتل على يد قوات أمن صدام عام 1980.

ويعرض مقتدى الصدر رسالة والده التي تركز على قضايا الناس الاجتماعية والاقتصادية بأسلوب قريب من الناس العاديين يثير الرعب لدى زعماء الشيعة التقليديين لأنه يجتذب الشباب. ويعتبر الصدر البالغ 31 عاما من جانب كثير من العراقيين غير ناضج بعد للعب دور الواعظ للشعب. ولكن نواقص الصدر تعتبر، بالنسبة لأتباعه، اقل اهمية من الامتياز الذي يتمتع به عبر ارثه العائلي.

ويقول الباحث السوسيولوجي مصطفى الناصري ان «العراقيين يدينون بالولاء لمن يحبونهم. لقد احبوا والده ولهذا فانهم يحبون الابن». وعندما سئل حسن علي، الحمال في سوق بمدينة الصدر، عما اذا كان افتقار الصدر الى البلاغة في خطبه عائقا، قال «أتعني الطريقة التي يتحدث بها؟ من يهتم بذلك؟ الصدر هو الأقوى والأشجع. انه يقف الى جانب العدالة، انه عراقي».

وبالنسبة للموالين له فان كونه عراقي المولد يعتبر اضافة ايجابية. وعلى النقيض من ذلك فان آية الله العظمى علي السيستاني ايراني المولد. ويلعب الصدر على وتر الوطنية. وبين البوسترات التي تحمل صوره المنتشرة في مدينة الصدر يظهر في واحدة منها بوجهه الملتحي سوية مع وجه والده على العلم العراقي الذي كان معمولا به في عهد صدام. ويرفرف العلم أيضا على مكاتبه في مدينة الصدر. ولا يوجد مثل هذا العلم على مكتب السيستاني في النجف. ويقول الناصري ان الصدر يتمتع بجاذبية في أوساط العراقيين الشباب العاطلين عن العمل ممن ليس لديهم الكثير مما يفقدونه ويتسمون بنفاد الصبر ليس فقط تجاه الاحتلال وانما ايضا تجاه الكثير من الزعماء الشيعة. ويرى البعض ان تمرد الصدر غير موجه ضد الأميركيين وحدهم، بل ايضا ضد المؤسسة الشيعية التقليدية التي يقف السيستاني على رأسها، ويرتبط بها المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق الذي ينظر اليه باعتباره متعاونا مع قوات الاحتلال، وهم يمثلون ما يسميها الصدر وانصاره بالحوزة الصامتة ويتهمونها بالخيانة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»