تينيت... هل يكون أول دافعي الفاتورة؟

TT

لم تفاجأ الأوساط المتابعة لحرب واشنطن على «الارهاب» ومجريات احتلالها العراق بنبأ استقالة جورج تينيت مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. إيه).

فتينيت كان لاعباً محورياً ضمن فريق الوكالة منذ سنوات عدة، وأي فشل لها يتحمله هو ولو أدبياً ومعنوياً. وللعلم كان تينيت حتى قبل ان تسند اليه قيادتها يوم 11 يوليو (تموز) عام 1997 مديراً بالنيابة في ديسمبر (كانون الأول) من عام 1996 خلفاً لجون دويتش. وكان مديراً مساعداً فيها منذ يوليو 1995.

الرجل اذاً ذو خبرة كبيرة داخل دهاليز الوكالة التي فسّرت على مد السنين بعض مهامها على انها تشمل ازاحة الحكومات المزعجة وتنصيب حكومات صديقة في مكانها على امتداد العالم. وهي الذراع الحكومي الأميركي الذي يمنح علناً بتصويت الكونغرس ميزانيات للانفاق على عمليات سرية في رياح الدنيا الأربع. ولقد بدأ مشوار تينيت، اليوناني الأصل، وابن نيويورك، مع العمل السياسي في شقه الأمني الاستخباراتي بعد تخرجه في معهد الخدمة الأجنبية في جامعة جورجتاون بالعاصمة الأميركية واشنطن، ثم حصوله على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا في نيويورك. وكانت الانطلاقة العملية له عمله كمساعد تشمل مسؤولياته قضايا الأمن في فريق السناتور الجمهوري الراحل جون هاينز (الزوج السابق لتيريزا هاينز كيري زوجة المرشح الديمقراطي الرئاسي جون كيري). وبعد ثلاث سنوات، عام 1985 عين موظفاً في لجنة مجلس الشيوخ لشؤون الاستخبارات مخصصاً لنائب رئيس اللجنة السناتور باتريك ليهي وهو ديمقراطي ليبرالي من ولاية فيرمونت. وقاد تينيت، بحكم موقعه هذا، اعمال رصد مفاوضات التسليح النووي الاميركية السوفياتية ومتابعتها. ثم عين مديراً لجهاز اللجنة لمدة اربع سنوات تحت رئاسة السناتور ديفيد بورين (من أوكلاهوما) وبات احد ابرز المسؤولين عن النشاطات التشريعية والاشرافية على ملف الأمن القومي والاعمال الاستخباراتية المتصلة به ولا سيما في مجال بالحد من التسلح. وخلال هذه الفترة تعززت علاقاته وخبرته في الدوائر الاستخباراتية.

ثم صار احد أفراد فريق الرئيس بيل كلينتون الانتقالي لشؤون الأمن القومي. ومن ثم عين مساعداً خاصاً للرئيس ومديراً اعلى لبرامج الاستخبارات في مجلس الأمن القومي. وكان في عداد مسؤولياته تقييم الأولويات في مجالي الأمن القومي ومكافحة التجسس المضاد وسياسة واشنطن حيال تقنيات الاستشعار الفضائي، قبل تعيينه عام 1995 مديراً مساعداً لـ«السي آي إيه».

من حيث الهوية السياسية يعد تينيت بعيداً عن «كتلة المحافظين الجدد» التي تلعب منذ بداية عهد الرئيس الحالي جورج بوش دوراً أساسياً في بلورة السياسات الأمنية والخارجية للولايات المتحدة.

وبعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) 2001 تعرض تينيت لحملة انتقادات من بعض متشددي «المحافظين الجدد» من أمثال فرانك غافني الذي طالب خلال يونيو (حزيران) 2002 علانية باستقالته في مقالة له بمجلة «الناشونال ريفيو» اليمينية المتشددة. وعندما قاد «المحافظون الجدد» في وزارة الدفاع (البنتاغون) وغيرها من مؤسسات الدولة الحملة باتجاه احتلال العراق واطاحة نظام صدام حسين، وجد تينيت والوكالة نفسيهما في موقع محرج ازاء البيت الأبيض المصرّ على توسيع حربه ضد «الارهاب» و«الدول المارقة» من ناحية والشارع الأميركي المخوّف من كابوس العدوان الخارجي. وبالنتيجة عندما أخذت الادارة تعد «ملفات» الادانة وقرائنها ضد «اسلحة الدمار الشامل» العراقية سارت الـ«سي آي إيه» في الركاب وأسهمت في توفير معطيات تفتقر الى الدقة وأحياناً كثيرة عارية عن الصحة تماماً، استخدم بعضها وزير الخارجية كولن باول في مطالعته أمام الأمم المتحدة.

وبالفعل، عندما انكشفت الحقيقة حتى على ألسنة مفتشي أسلحة كديفيد كاي، كانوا يعملون بالتنسيق مع الـ«سي آي إيه»، أحرج موقف تينيت وأعلن مسؤوليته عن «الأخطاء الاستخباراتية»، مبدياً استعداده للاستقالة. غير ان قرار الاستقالة لم يتخذ الا أمس، وورد انه انما اتخذ لأسباب شخصية.