مواجهة «إعلامية» بين رئيسي الجمهورية والحكومة في أعقاب جلسة «ساخنة» لمجلس الوزراء اللبناني

TT

تأزمت مجدداً العلاقة بين اركان الحكم في لبنان، وعادت الاتهامات والمواقف المتناقضة بين المسؤولين في قمة السلطة لتطفو على السطح ولكن من دون ان يعني ذلك «انفجاراً» في العلاقة، اذ بدا من مواقف القريبين منهم ان الامور قد تقف عند هذا الحد.

ورغم التوضيح الذي ادلى به رئيس الحكومة رفيق الحريري داخل مجلس الوزراء الذي اجتمع امس، للكلام الذي وزعه مكتبه الاعلامي اول من امس وفُسِّر مضمونه على انه غمز من قناة رئيس الجمهورية اميل لحود، الا ان الرئيس لحود اختار الرد على هذا الكلام، الذي تحدث عن عدم قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات هامة وحاسمة وتعطيل المشاريع، وبنفس الوسيلة، اي عبر الاعلام. اذ وزع المكتب الاعلامي تصريحا لرئيس الجمهورية فيه الكثير من النقد لسياسات رئيس الحكومة الاقتصادية، كما تضمن ايضاً غمزاً من قناة رئيس مجلس النواب نبيه بري في ما خص حركة الاحتجاج الشعبي الاخيرة التي تخللتها صدامات مع الجيش والقوى الأمنية.

وقد آثر رئيس الجمهورية عدم رفع درجة التوتر داخل جلسة مجلس الوزراء التي شهدت حوارات ساخنة وحركة اخذ ورد، خصوصاً ان صدور هذا الكلام خلال الجلسة من شأنه تفجير الوضع وانعكاسه مزيداً من التصدع الحكومي.

وكان الرئيس لحود ابلغ المجلس انه سيدلي بتصريح توضيحاً لوجهة نظره من مسألة طريقة معالجة الازمات الاقتصادية والمعيشية بعدما صدرت تفسيرات لاسباب الازمة الاقتصادية مغايرة لوجهة نظره. واعتبر لحود، في تصريح ادلى به، ان على الحكومة «معالجة الازمات الاقتصادية والمعيشية بأسلوب يختلف عن المعالجات التي اعتمدتها مختلف الحكومات منذ اكثر من عشر سنوات وحتى اليوم». واشار الى «ان الحكم استمرارية، لاسيما ان تركيبة الحكومات المتعاقبة كانت هي نفسها تقريباً، ما يستوجب اعتماد رؤية واستراتيجية اقتصادية واجتماعية جديدة لا تقوم على فرض المزيد من الضرائب والرسوم على الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ولا تقوم كذلك على زيادة الدين العام او اطلاق المشاريع غير المنتجة للمجتمع». وقال: «علينا ان نفكر كيف نبني دولة للطبقة المتوسطة والفقيرة وليس دولة الاغنياء فقط. وعلى الحكومة ان تبني دولة للبنانيين، لا ان تعطي الامتيازات الاستثمارية والتخفيضات الضريبية والتسهيلات الجمركية لغير اللبنانيين، فيما اللبنانيون يبحثون عن عمل في الخارج. ولا يكفي ان نغري اهل الخارج بالقول ان لبنان جنة ضريبية فيما نحوله تجاه اهل الداخل الى جهنم ضريبية». ورأى انه «من واجب الحكومة ان تفرض ايضاً على الشركات التي تحصل على مشاريع استثمارية في لبنان، توظيف لبنانيين بالافضلية فيها كما يجري في مختلف دول العالم، لا ان يسمح لهذه الشركات باستقدام موظفيها من الخارج بينما لبنان يزخر بالطاقات والكفاءات». واعتبر ان «الادارة الرسمية المشكو من اهترائها لا يمكن ان تصلح الا بازالة الحمايات السياسية والطائفية عن الموظفين، وازالة طابع الاستزلام والاحتكار عن التعيينات، بحيث لا يكون التعيين في الوظائف العامة مقتصراً على رغبة المراجع والزعماء».

وشدد لحود على ان «من الضروري على اركان السلطة في مختلف المواقع ان يتحملوا مسؤولية قراراتهم وتخطيطاتهم السابقة واللاحقة ويعالجوا المشكلات القائمة من خلال العمل الجاد والبنّاء والصامت، وليس من خلال الشعارات او افتعال المواجهات مع الاتحاد العمالي العام وغيره، او عبر التمترس خلفه احياناً».

ووصفت مصادر وزارية اجواء الجلسة بـ«المحمومة ولكن غير المتفجرة» وكشفت لـ «الشرق الأوسط» ان الرئيس لحود استهلها بالحديث عن الوضع الاقتصادي والمالي، مشيراً الى ان حاكم مصرف لبنان وعدداً من المتخصصين والخبراء في الشؤون المالية والمصرفية افادوا بوجود سيولة كبيرة لدى عدد من المصارف الامر الذي يشجع الحكومة على الاستدانة منها بفوائد متدنية قد لا تتعدى نسبتها الـ 6 بالمائة. واعرب لحود عن تخوفه من تطورات الاوضاع في المنطقة مشدداً على ضرورة الاسراع في معالجة الوضعين المالي والاقتصادي قبل نهاية العام لتخفيض الدين العام. الا ان الرئيس الحريري ابدى عدم تحمسه لهذا الاقتراح قائلاً «ان لدينا خبرتنا ايضاً»، مشيراً الى ان نسبة الدين ستنخفض تلقائياً مع نهاية السنة. واوضح ان الخلاف القائم هو بين مصرف لبنان ووزارة المال حول موضوع الـ«سوابات» (التزامات على الديون لفترة طويلة) وقال: «هذه المصارف التي تكلمت عنها يا فخامة الرئيس لها مصلحة، فلديهم اموال لا يعرفون كيف يوظفونها ويضغطون على الدولة لتوظيفها».

واضاف: «ان ايرادات الدولة اكثر من مصروفها والمشكلة هي في خدمة الدين التي اذا استثنيناها هناك فائض. يجب الا يعمل على ما تكلم به المصرف المركزي والا وقعنا في المشكلة نفسها. بعد (باريس ـ 2) اكتشفنا ان مصرف لبنان اصدر «سوابات» لذلك لم نستطع تخفيض الفوائد ولم نستطع الافادة من (باريس ـ 2 ) بالفوائد لانها كانت محدودة. يجب الا تدخل السياسة في الموضوع وانا معترض على الاقتراح».

وهنا كشف الحريري ان احد اصحاب المصارف رفع دعوى افلاس على الدولة اللبنانية. وتدخل رئيس الجمهورية فقال: «هذه ليست وجهة نظر رياض سلامة بل وجهة نظر مدير عام وزارة المال آلان بيفاني ويجب البحث في وجهتي النظر ولن اتبنى اي منهما، ويفترض ان تدرس هذه الاقتراحات وفي المعلومات ان المجلس لم يخرج بقرار في هذا الموضوع لانه سيكون خاضعاً للدرس في المرحلة المقبلة». وتوجه الى الحريري بالقول «ان خبرتك مكتسبة بالممارسة اما اصحاب اقتراح الاستدانة من مصارفنا فهم خبراء بالعلم والدراسة». وعندها التفت الحريري الى وزير المال فؤاد السنيورة قائلاً له «ارجو تسجيلي في دورة تخصصية في اوكسفورد».

وحين بادر السنيورة الى التأكيد بأن حجم الدين معروف لدينا ونحن نصرح به بشكل مستمر انتفض نائب رئيس الحكومة عصام فارس واجابه «لا.. هذا غير صحيح. والارقام التي تطالعنا بها غير دقيقة». وذكرت المصادر الوزارية انه عند اثارة وزير الطاقة ايوب حميد مسألة شراء محصول التفاح بناء على قرار صادر عن مجلس الوزراء قبل اشهر التفت الى وزير المال فؤاد السنيورة متسائلاً عن «سبب هذا التأخير الذي يستأهل تحركاً جزائياً كما فعلت عند اتهامي بالتأخر في توقيع قرار خفص سعر صفيحة البنزين حيث اقمت الدنيا ولم تقعدها بسبب يومين تأخير فيما انت تتأخر اشهراً في تنفيذ قرار لمجلس الوزراء».

ولم يمر موضوع تلزيم الهاتف الجوال من دون سجالات بين الوزراء القريبين من لحود والحريري. فعندما طرح موضوع عقدي الهاتف الجوال تحدث وزير العدل بهيج طبارة القريب من الحريري فاشار الى وجوب استدعاء ديوان المحاسبة قبل اخذ القرار للاطلاع على حيثيات ملاحظاته.