ترتيبات وقف النار ووضع آلية لحفظ السلام والاختلاف حول القوات الدولية قد تأخر توقيع «الاتفاق النهائي» في السودان

TT

لا ريب ان غالب اهل السودان قد فرحوا واستبشروا بتوقيع البروتوكولات الثلاثة في نيفاشا اواخر الشهر الماضي واعتبروا ذلك نهاية المطاف وبداية عهد السلام، وهم بلا شك محقون الى حد كبير في تلك الفرحة، لكنهم لا بد ان يدركوا ان اكثر المراقبين والمتابعين تفاؤلا يعتقدون ان توقيع الاتفاق النهائي سيتم خلال شهرين من الآن، وبعض الحذرين يعتقدون ان الامر قد يستغرق وقتا أطول من ذلك، وربما لا يتم التوصل الى الاتفاق النهائي الا بنهاية العام. وبعدها تبدأ الفترة التمهيدية المقدرة بستة اشهر، ومن ثم الشروع في الفترة الانتقالية المحددة بست سنوات عند منتصف العام القادم.

يتساءل البعض: ماذا تبقى بعد الوصول الى اتفاقات بصدد الترتيبات الامنية وقسمة الثروة والسلطة والمناطق المهمشة ووضع العاصمة القومية، والاجابة بكل بساطة هي: اين الآليات لحفظ السلام وضمان تنفيذ الاتفاقيات وهيئة التحكيم؟

كانت الولايات المتحدة قد صرحت بان حفظ السلام في المرحلة الانتقالية يحتاج الى قوات قوامها بين ستة وسبعة آلاف جندي، بينما رأت الحكومة ان الامر لا يحتاج الى قوات لحفظ السلام وانما قوات لمراقبة وقف اطلاق النار، ولم يصدر عن الحركة الشعبية وقتها اي رأي.. وكذلك برزت على السطح تساؤلات عديدة حول تلك القوات بين قائل انها سترسل تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة وتكون مهمتها قاصرة على المحافظة على السلام، والبعض الآخر قال انها سترسل تحت رؤية الفصل السابع، مما يعني تدخلها بالقوة لفرض السلام. وهناك من يرى ان صمود وقف اطلاق النار لما يقرب العامين بين الجانبين منذ بدء المفاوضات يشجع على الميل الى الاكتفاء بارسال مجرد مراقبين والاستفادة من الاعتمادات التي ستصرف على هذه القوة في عملية اعادة اعمار ما خربته الحرب.

على العموم هذه المسألة مع كل الضمانات المتعلقة بالمراقبة والتحكيم تحتاج الى بحث وأخذ ورد بين المفاوضين والوسطاء والأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، ولا يعرف كم سوف تستغرق من الوقت ولكن نسوقها كمثال حول المسائل المعلقة والمهمة والتي تنتظر البحث.

وبالنسبة لمشاركة القوى السياسية الاخرى وتحويل ما اتفق عليه من اتفاق ثنائي الى قومي، فهذه مسألة تحتاج الى عمل كبير يقال ان مصر تتهيأ للقيام به وعسى ان تبكر في دعوة كل القوى السياسية لاتمامه قبل ان تطفو على السطح خلافات تتسع الى درجة تصعب لملمتها، وهي في ما يبدو انها ستكون حول نسبة القسمة في المشاركة، اذ يبدو من بروتوكول قسمة السلطة، ان الجانبين، الحكومة والحركة لم يتركا لكل القوى السياسية الا ما يقل عن العشرين في المائة، وهو امر يصعب ان تقبل به تلك القوى التي تدعي انها هي التي تمثل اكثر من ثمانين في المائة بحكم احصاءات آخر انتخابات ديمقراطية جرت في السودان.

والامر لا يقف عند حدود المشاركة في السلطة وقسمتها وانما يتعلق بقوميتها ووجوب تحويل مؤسسات الدولة الى مؤسسات قومية ونقلها من المواعين الحزبية السائدة الآن خاصة الامنية والخدمة الامنية والقوات النظامية. وفوق هذا وذاك بسط الحريات على نحو غير منقوص في التنظيم والسياسة والصحافة واستقلال القضاء والتأكيد على اجراء الانتخابات الديمقراطية عند منتصف الفترة الانتقالية كما نص بروتوكول ماشاكوس.

والمأمول ان تكون قوة الدفع الشعبية الجارفة نحو السلام بمقدورها ان تدفع القيادات المختلفة على تجاوز الخلافات بأسرع ما يمكن حتى يتحقق الوفاق والاتفاق حول السلام خاصة بالنسبة لمأساة حرب دارفور التي قال عنها نائب الرئيس السوداني في خطابه في حفل توقيع البروتوكولات: ان الحكومة أمنت كل الطرق لوصول المعونات الانسانية، وانها ستشرع على الفور في معالجة القضايا المفضية للسلام هناك، وابدى قرنق نفس القناعة والعزم على ان يكون السلام شاملا لكل السودان الجديد والموحد.

وفي حفل التوقيع ايضا تحدثت وزيرة الدولة للتنمية النرويجية، مؤكدة على ضرورة الاسراع بحل قضية دارفور ومؤمنة على ان بلادها سترعى بعد توقيع اتفاق السلام مباشرة مؤتمرا للمانحين لتقديم العون لاعادة اعمار ما خربته الحرب والاسهام في تنمية السودان. وفي هذا الصدد لا بد من الأخذ في الاعتبار الدور الاميركي الذي وعد بمعونات كبيرة وابدى اهتماما لافتا للانظار بضرورة الوصول الى اتفاق السلام حتى يكون الاتفاق ضمن اوراق المعركة الانتخابية للادارة الاميركية. ولهذا السبب فان التعجيل بتوقيع الاتفاق يمكن ان يجعل الولايات المتحدة تجزل عونها لأنه من المحتمل ألا يكون السودان بمثل هذه الأهمية بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية! وفي كل الاحوال فان المطلوب من السودانيين ان تكون كل دراسات احتياجاتهم للمعونات معدة وتقدم على الفور حتى يحصلوا على ما تيسر في اسرع الاوقات والشروع فورا في اعادة البناء لأن في ذلك المحك الاساسي لترجمة الآمال الى افعال في مسالك ترسيخ الوحدة.

وكان اللافت ايضا للانظار في حفل توقيع البروتوكولات مشاركة وزير خارجية اريتريا ومخاطبته الحفل بروح اخوية للغاية مع اشارات دبلوماسية ودية لنائب الرئيس السوداني الذي رد عليها من ذات النسيج. وتلك الالتفاتات ترجح احتمالات ان العلاقات السودانية ـ الاريترية مرشحة الى العودة الى طبيعتها خاصة ان هناك ما يشي بان اتصالات سرية قد قطعت شوطا مقدرا في هذا الصدد. ولا شك ان في عودة العلاقات الى طبيعتها ما يعزز سلام السودان في الشرق والغرب ايضا. واكثر من ذلك ربما يساهم في تخفيف حدة التوترات بين اثيوبيا واريتريا وعودتها الى سابق عهدها.

وهكذا تبدو المنطقة كلها مرشحة لاستقرار وسلام حالما يستتب للسودان سلامه واستقراره.