شارون يقيل وزيرين ويفجر أزمة حكومية كبرى حول خطة الانفصال

TT

فجر رئيس الوزراء الاسرائيلي، ارييل شارون، امس، أزمة حكومية هي الاكبر في اسرائيل منذ سنين طويلة، باقالة اثنين من وزرائه وادى عمليا الى طرد احزاب اليمين المتطرف من حكومته، بهدف ضمان اكثرية لخطة الانفصال عن الفلسطينيين. وبذلك اربك خصومه داخل الليكود ايضا. فراحوا يهددون باسقاطه، ويتهمونه بالدكتاتورية، ويلمحون الى انه بهذه الخطوة، انما ينفذ تعليمات حملها اليه مدير مكتبه، دوف فايسغلاس، من الادارة الاميركية.

ويبدو الآن ان السيناريو صاحب الاحتمال الاكبر، هو تمرير الخطة، في جلسة الحكومة يوم غد، وفتح الباب امام زلزال سياسي داخل اسرائيل يفضي الى انهيار حكم اليمين او ضعضعة هذا الحكم وانضمام حزب العمل اليه او تقديم موعد الانتخابات. وفي جميع الحالات، يتوقع ان تشهد اسرائيل فترة غير قصيرة من انعدام الاستقرار السياسي.

وكان شارون قد ادار مفاوضات مع وزراء حزبه (الليكود) المترددين حول خطة الانفصال، حتى ساعات من فجر امس. وحسب قول المقربين منه فان الوزراء، بنيامين نتنياهو (المالية) وسيلفان شالوم (الخارجية) وليمور لفنات (التعليم) وداني نافيه (الصحة)، راحوا يبتزونه. فكلما تنازل لهم في موضوع، طالبوه باكثر، وبلغوا اوج الابتزاز، حين طلبوا ادخال بند الى خطة الانفصال يقضي باستمرار البناء في المستوطنات المنوي اخلاؤها.

وعندما لاحظ ان الوزراء مصرون على ذلك، بدعوى ان «هذا البند هو الوحيد الذي يضمن بقاء احزاب اليمين المتطرف (الاتحاد القومي وحزب المفدال الناطق باسم المستوطنين)، قرر وقف المفاوضات معهم.

وربط خصوم شارون في الليكود واحزاب اليمين المتطرف بين عودة فايسغلاس من الولايات المتحدة حيث التقى مستشارة الامن القومي، كوندوليزا رايس، وغيرها من المسؤولين، وسمع كلاما في غاية القسوة عن خيبة امل الرئيس جورج بوش من رئيسه شارون، وبين قراره وقف المفاوضات. لكنه لم يكترث لذلك. واصدر كتابين يقيل فيهما الوزيرين بيني الون (السياحة) وافيغدور ليبرمن (المواصلات)، بسبب تصريحاتهما المعادية له والمسيئة لسمعته وخروجهما عن قرارات الحكومة.

وحسب القانون الاسرائيلي، فان هذه الاقالة لا تدخل حيز التنفيذ سوى بعد 48 ساعة، من تسليمها للوزيرين. فلو وصلت في الموعد، تصبح نافذة المفعول في صبيحة غد الاحد.

لكن الوزيرين الون وليبرمن قررا ممارسة لعبة «القط والفأر» مع شارون، فرفضا الدخول الى مكتبه لمقابلته وتسلم الرسالة، واختفيا عن الوجود، هاربين من وجه شارون ومبعوثيه.

لكن رجال شارون تمكنوا من العثور على ليبرمن، وهو يمارس الرياضة البدنية في احد فنادق القدس، وسلموه الرسالة في الصباح. اما الون، فلم يتمكنوا من العثور عليه، وتمكن شارون من محادثته هاتفيا. وابلغه بقرار الفصل. لكنه اجاب: «هناك قانون يا سيدي. لا قيمة للفصل طالما انني لم اتسلم الرسالة بيدي». وحاول مساعدو شارون، عبثا العثور عليه، فلم يفلحوا.. حتى ساعات المساء. وقال الون معقبا على ذلك: «هذا الفصل هو اجراء دكتاتوري حقير. وانا لست مستعدا لمساعدة شارون على تنفيذه. وما ارمي اليه هو الوصول الى جلسة الحكومة (غدا) الاحد، لكي اصوت ضد خطة الانفصال.

لكن المقربين من شارون بثوا شعورا بالاطمئنان. فقالوا ان حراس رئاسة الوزراء لن يسمحوا للوزير الون بأن يدخل جلسة الحكومة. وان سمحوا له فانه لن يشارك في التصويت. ولذلك، فلا خوف من هذه الألاعيب.

والمتوقع ان يستطيع شارون تمرير خطة الانفصال بالصيغة التي يريدها، معدلة او غير معدلة في جلسة الحكومة غدا. لانه بغياب وزيري الاتحاد القومي، سيضمن لنفسه اكثرية 11 مقابل 10 وزراء معارضين، بينهم نتنياهو وشالوم ولفنات ونافيه.

الا ان حزب «المفدال»، الممثل المباشر لمصالح المستوطنين، لا يستسلم لهذه النتيجة. والغالبية الساحقة من قادته يسيرون وراء رئيسه، ووزير الاسكان، ايفي ايتام، المؤيد للانسحاب من الائتلاف الحكومي. وهم يرون ان طرد الاتحاد القومي من الحكومة محرج لهم امام الجمهور اليميني، ويقولون ان المشكلة مع شارون ليست مشكلة صياغة هذا القرار او ذاك «فهو يعيش حالة تغيير ايديولوجي جذري. ويتبنى سياسة حزب العمل. ولم تعد منه جدوى لايديولوجية اليمين». وفقط واحد من قادة المفدال، هو وزير العمل والرفاه، زبولون اورليف، يطالب بالبقاء في الحكومة. ويقول: «شارون يتكلم فقط. ولم ينفذ شيئا. وعلينا ان ننتظر، فعندما نرى شيئا جديا ننسحب».

المهم ان الائتلاف الحكومي سيصبح بعد انسحاب الاتحاد القومي 61 (من مجموع 120 نائبا). فاذا انسحب المفدال (6 مقاعد)، ستصبح تلك حكومة أقلية وسيحاول شارون في حالة انسحاب المفدال ايضا، ضم حزب العمل وعضوي كنيست منفردين، هما: دفيد طال (من حزب «عام احاد» العمالي، الذي رفض الدخول مع حزب العمل كما فعل زميلان آخران له) وميخائيل نودلمن، وهو من حزب الاتحاد القومي، لكنه يؤيد خطة شارون. وفي حزب العمل هناك خلاف اكبر من المتوقع ازاء عملية الدخول الى الحكومة. فالغالبية الساحقة ترى انه يجب البقاء في المعارضة، مع اعطاء شارون شبكة امان في الكنيست، فلا يصوتون ضد حكومته الا بعد انجاز خطة الانفصال. لكن هناك من يريد الدخول الى الحكومة، مثل بيريس، الذي يقال انه اتفق مع شارون على كل شيء حول هذا الدخول، وهناك من يرفض اي تعاون ويطالب باسقاط حكومة شارون والذهاب لانتخابات جديدة، مثل رئيس الحزب السابق، عميرام متسناع، ورئيس الكنيست السابق، ابراهام بورغ.

ومن جهة ثانية يحاول نتنياهو استغلال هذه الازمة والمبادرة الى تولي مسؤولية تشكيل حكومة في الكنيست الحالية. وحسب المقربين منه فانه يستطيع تجنيد 61 مقعدا في الكنيست (كل قوى اليمين ومعظم نواب الليكود)، ويصبح رئيس حكومة. لكن رجالات شارون يسخرون من هذا الحديث ويقولون انه غير واقعي.

وهناك احتمال آخر هو ان يستقيل شارون ويقدم استقالته الى الرئيس موشيه قصاب، لكي يحل الكنيست ويعلن انتخابات جديدة. ويعتبر هذا الاحتمال بمثابة سوط تهديد يشهره شارون على حزبه، الذي يخاف الانتخابات. اذ ان المتوقع انه سيخسر من قوته في الكنيست 5 ـ 10 مقاعد على الاقل (له الآن 40 مقعدا).