لبنان: احتدام السجال بالواسطة بين لحود والحريري مع ظهور تصدع في العلاقات بين رئيسي البرلمان والحكومة

TT

شهدت العلاقات المتوترة في لبنان بين رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ورئيس مجلس الوزراء رفيق الحريري فصلاً جديداً امس منطلقه الخلاف الدائر بينهما حول السياسة الاقتصادية الواجب اتباعها. فرغم ما نقل ليل اول من امس عن الرئيس الحريري من انه يرفض النزول بالمسألة الاجتماعية الى حلبة المنازلات السياسية، فان هذا لم يمنع من بروز حملة منظمة للنواب القريبين منه، حيث بدا السجال بين الرئيسين محتدماً امس وان بالواسطة.

هذا ولم ينحصر التوتر في العلاقات الرئاسية بين لحود والحريري فحسب، بل امتد ليطال العلاقة بين الاخير ورئيس مجلس النواب نبيه بري بفعل تداعيات الحوادث التي شهدتها ضاحية بيروت الجنوبية في 27 مايو (ايار) الماضي، وما رافقها من تساؤلات عن دور حركة «امل» التي يتزعمها بري فيها، وظهور اصوات تتهم مجلس النواب بالتأخير في اقرار مشاريع قوانين من شأنها ان تساهم في تخفيف وطأة الأوضاع المعيشية. وقد لمس الاهتزاز في العلاقة بين رئيسي البرلمان والحكومة كل من كان حاضراً في مقر رئاسة مجلس النواب بحي عين التينة (غرب بيروت) امس، حيث كان بري يتقبل التعازي بوفاة شقيقته. فلدى وصول الحريري الى المقر كان رئيس الجمهورية يعقد خلوة مع الرئيس بري امتدت لأكثر من ربع ساعة رغم ابلاغهما بمجيء الحريري الذي هم بالانصراف بعد انتظار لبعض الوقت، الا ان نجل بري وشقيقه حالا دون ذلك وأحاطا به لحين عودة بري الذي شكر الحريري على تعزيته له، فيما ابلغه رئيس الحكومة انه كان حريصاً على زيارته للتعزية قبل سفره. وللعلم يغادر الحريري بيروت الى المغرب يوم غد للمشاركة في المؤتمر العالمي الخامس والثلاثين لغرفة التجارة الدولية الذي افتتح اعماله مساء برعاية الملك محمد السادس في مدينة مراكش. ومن المقرر ان يلقي الحريري كلمة في المؤتمر الذي ينعقد تحت عنوان «تعزيز الاقتصاد العالمي» يتناول فيها موضوع العولمة الاقتصادية على ان يعود الى بيروت مساء الاثنين المقبل، علماً بان مجلس الوزراء لن ينعقد الخميس المقبل، مما يعطي مساعي التهدئة مزيداً من الوقت. ويتوقع ان يعود مجلس الوزراء الى الانعقاد بعد اسبوعين في جلسة تعرض خلالها لائحة بكامل ديون لبنان كي يصار الى الاطلاع عليها اولاً، ومن ثم تحديد وجهة السير في هذا الاتجاه على قاعدة معالجة الاوضاع الاقتصادية التي كانت في الجلسة السابقة موضع تباين وتشبث بالرأي بين كل من الرئيسين لحود والحريري على خلفية البيان الصادر عن المكتب الاعلامي لرئيس الحكومة عشية انعقاد مجلس الوزراء، ورد رئيس الجمهورية ببيان مكتوب وبمداخلة واسعة توافق بعنوانها مع رئيس الحكومة على ان الحكومة لم تستطع ايجاد حل لهذا الموضوع، وان كان هذا التوافق هو من خلفية مختلفة بينه وبين رئيس الحكومة.

وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء عصام فارس ضرورة التحضير لاستحقاقات الدين المقبلة خصوصاً انها تبلغ 7 مليارات دولار وتستحق اوائل سنة 2005 و2006 كما قيل لنا، وان عملية الـ SWAP التي طرحها رئيس الجمهورية من خارج جدول اعمال مجلس الوزراء فاجأتنا لكنها كانت في محلها لأن لبنان على ابواب هذا الاستحقاق.

وتساءل فارس عن اسباب الرفض والتحفظ من قبل البعض لهذا الموضوع مع العلم ان طرح الرئيس لحود كان في غاية الصواب والاهمية. واعلن انه مع "طالة امد استحقاقها رغم الفائدة المرتفعة علماً بأن الـ SWAP هي نقل الدين باستحقاقات قريبة الى دين باستحقاقات بعيدة نظراً الى الفوائد العالمية المتدنية اليوم. واستغرب فارس استهجان رئيس الحكومة لهذا الطلب والاستعانة بخبراء خصوصاً ان وزارة المالية تستعين بخبراء قبل اي اصدار مالي. وتمنى ترك القرار لمجلس الوزراء كي يدرس الافضل وعدم استعمال هذا الموضوع للضغط السياسي على الاستحقاق المقبل.

وتخوف فارس من عدم القدرة مستقبلاً على تأمين المساهمين للمشاركة بأي اصدار من هذا النوع، وطمأن الى الوضع المصرفي، مطالباً بتحسين الوضع لرفع الفائض الاولي ليعادل خدمة الدين، مشيراً الى ان الدين العام يفوق 35 مليار دولار.

من جهة ثانية، أسف وزير الاعلام ميشال سماحة للتجاذبات الحاصلة، واعتبر ان افضل مكان لبحث الآراء المختلفة في الاماكن الدستورية المخصصة لذلك وتحديداً في مجلس الوزراء للوزراء وللمسؤولين في السلطة التنفيذية وداخل مجلس النواب للنواب والمنتمين للهيئة التشريعية. ورداً على سؤال حول تسريبات محاضر مجلس الوزراء، قال سماحة: انا كوزير وليس كوزير للاعلام اذا كان هناك من ضرورة فلنضع كاميرا داخل الجلسة ونجعل اللبنانيين يحضرون جلسة مجلس الوزراء اذا كان هذا الامر ضرورياً، لأنه ليس من الطبيعي ان ينقل الى خارج الجلسة اجتزاء في المحاضر يشوه جدية ما حصل وينقل آراء البعض ولا ينقل آراء الآخرين. مجلس الوزراء يجب ان يبقى التداول فيه سرياً.

وقال النائب بشارة مرهج (عضو كتلة نواب الرئيس الحريري) ان ما جرى في مجلس الوزراء جاء مغايراً لما كانت تتوقعه الناس من تفاهم بين اطراف الحكم لمواجهة الاستحقاقات الداهمة بموقف موحد. واعتبر مرهج ان الخلافات التي برزت مجدداً تبين الحاجة العميقة الى الحوار داخل مجلس الوزراء وداخل مؤسسات الدولة كلها، وفي مقدمها مجلس النواب الذي يجب ان ينعقد في الغد القريب للبحث في الاوضاع العامة ومطالبة الحكومة بالمثول امامه لتقديم بيان عام عما جرى من احداث في الايام القليلة الماضية ومواقف الحكومة منها.

ورد النائب انطوان اندراوس (كتلة الحريري) على بيان رئاسة الجمهورية فسأل عما اذا كان مشروعا صنين وفندق الـ«الفور سيزونز» الذي وضع حجر الاساس له (رئيس الجمهورية) في اليوم الثاني على احداث الضاحية هما مشروعان للفقراء. كذلك علق النائب وليد عيدو (كتلة الحريري) على عدم اخذ مجلس الوزراء بقرار ديوان المحاسبة حول مخالفات قانونية تشوب آلية واجراءات مناقصتي الهاتف الجوال، فقال: من كان يشك بدولة القانون قد اتاه امس الخبر اليقين او اقدم مجلس الوزراء على الضرب بقرار ديوان المحاسبة عرض الحائط وكأن كل ما جاء فيه من تأكيد على مخالفات قانونية تشوب آلية واجراءات مناقصتي الجوال ليس اكثر من فولكلور قانوني لا قيمة له. وسأل: لماذا تقام المؤسسات القانونية ولماذا تستمر بعد اليوم؟ مقترحاً اغلاق ديوان المحاسبة وان نضع موازنته المخصصة لعمله في سبيل اقامة دولة الفقراء والمساكين. وتابع عيدو حبذا لو كنا نحول بعضاً من مشروعي «الفور سيزونز» و«صنين زينة لبنان» لإقامة دولة الفقراء والمساكين التي انفطر قلبنا وانهمرت دموعنا اسى ولوعة عليها ونحن نسمع الحديث الشفاف عنها. وختم قائلاً: لقد تم امس دفن القانون بعد ان تم سابقاً دفن المؤسسات في دولة القانون والمؤسسات.