حراس «البنايات» يشكون من كثرة مطالب الملاك والسكان والبعض يتهمهم بالفضول والسمسرة وإفشاء الأسرار

TT

(توجد شقة للإيجار.. للاستفسار عند حارس العمارة) هذه المفردات أضحت مألوفة في جميع مناطق السعودية للباحثين عن سكن للإيجار، سواء كان شقة في بناية أم فيلا أم محلات تجارية، حيث يكتفي بعض الملاك بإحالة الباحثين إلى حارس العمارة من دون عرضها في مكاتب العقار المنتشرة في كثير من الأحياء السكنية والشوارع التجارية.

وحارس العمارة أو «البواب» كما يطلق عليه البعض، لا يستغنى عنه، فهو المسؤول عن كل صغيرة وكبيرة تخص السكان.. من رمي النفايات إلى تعبئة أنابيب الغاز، وتوزيع فواتير الكهرباء والمياه والهاتف وغسيل السيارات وفي بعض الأحيان قطع السجاد، بل حتى إيصال الأطفال إلى مدارسهم إن كانت قريبة من البناية، وقلما تخلو عمارة سكنية، خصوصا في منطقة مكة المكرمة من وجود حارس، بل أن هناك بنايات لديها أكثر من حارس.

وفيما يعتمد بعض السكان على الحراس في قضاء جل حوائجهم، يحجم البعض عن التعامل معهم، وإن تعامل فبحذر. وحارس العمارة متهم عندهم بالجشع والاستغلال والفضول والسمسرة وإفشاء الأسرار ونقل العادات السيئة وممارسة تجارة غير قانونية، فيما يرى ملاك المساكن وجود حارس لها «ضرورة مهنية وأمنية»، ويؤكد حراس العمائر أن عملهم يعرضهم إلى الكثير من المهانة، خاصة من السكان أصحاب الأمزجة المتعكرة. «الشرق الأوسط» رصدت ظاهرة «حراس البنايات» في مدينة جدة التي تتميز بوفرة حراس العمائر بشكل لا تكاد تشاهده في أي مدينة سعودية أخرى.

يؤكد المواطن سعود الحازمي أن شخصية «البيه البواب» التي جسدها الممثل المصري احمد زكي سينمائيا تكاد تنطبق على حارس العمارة التي يقطنها، مشيرا إلى أنه يتفنن في كل شهر في ابتداع أساليب جديدة لاستغلال السكان وايجاد موارد دخل اضافية له بدءا من غسيل السيارات باسعار تنافسية واشتراط تكفله بالنظافة كضرورة لتوقيع العقد، وجلب اسطوانات الغاز باسعار مرتفعة، وتحويل غرفته المتواضعة الى دكان لبيع المرطبات بعيدا عن أعين وزارة التجارة، إلا أن الحازمي يعترف بأن وجود حارس في البناية أمر لا بد منه. ويقول: من الناحية الأمنية وجود الحارس يعد ضرورة لسكان البناية، ولكن لا بد من تقنين عمل الحراس ووضع التزامات قانونية انطلاقا من مسؤوليتهم وخصوصية اعمالهم مع الاسر في السعودية.

ويقارن أحمد السيد نجيب «طبيب مقيم» بين عمل الحراس في السعودية وفي بلده، مؤكدا ان الحراس نقلوا إلى المملكة الكثير من العادات مثل الجلسة الخاصة عند باب البناية، وجلسات السمر الممتدة حتى اوقات متأخرة من الليل، واستضافة الاقارب والاصدقاء في غرفهم التي تكون عادة في اسفل البنايات، وقال: «اعتقد أن مهنة الحارس تقتضي الامانة في التعامل مع خصوصيات الاسر وعدم افشاء اسرارها وهو ما يتم تجاوزه غالبا لان حراس العمارات أشبه بـ«وكالات انباء» نشيطة وناطقة بجميع اللغات».

يوضح سعيد أحمد الزايدي وهو مالك لعمارة حديثة أن عمل الحارس ضرورة مهنية للمحافظة على ممتلكات صاحب العمارة او سكانها، واختيار الحارس الكفء ضروري ويجب محاربة ظاهرة «الحراس المتخلفين» والمقبلين بتأشيرات عمرة او حج. ويرجع انتشار ظاهرة الحراس في جدة عن مثيلاتها من المدن السعودية الى سهولة اختراق الانظمة والعمل عند كثير من المتعاطفين لتدني الرواتب من جهة وصعوبة اجراءات الاستقدام من جهة اخرى.

وطالب مالك عمارة آخر ـ رفض ذكر اسمه ـ بضرورة اصدار قوانين تحكم عمل الحراس واعمارهم، مشيرا في هذا الصدد الى وجود حراس لا تتجاوز اعمارهم، 25 عاما، وهو ما يعده تهديدا للاسر اكثر من كونه مصدر أمن، خاصة اذا اخذ في الحسبان الاعتبارات الاخلاقية والتجاوزات التي تحدث من صغار السن، وما ينجم عنهم من تحرشات قد تفضي الى وقوع مشاكل خطيرة.

لكن للحراس رأيا آخرا، يلخصه اسماعيل التهامي بقوله انه يعمل غالبا كحارس لعمائر التشطيب كونه لا يحب التعامل مع الساكنين ذوي الأمزجة المتعددة والذين لديهم «مطالب كثيرة على حساب آدميته» كما يذكر. موضحا في هذا السياق أنه يعتبر عمل الحارس يمر بصعوبات كثيرة منها قلة الدخل المادي وحدوث مواقف مع اشخاص غرباء يحاولون احيانا التعدي عليه او أخذ هويته.

فيما أرجع «الحارس» عبد الرؤوف شكاوى المستأجرين من الحراس الى عزوف الكثير منهم عن التعامل مع الحراس لوجود نظرة دونية تجاههم كحراس، زاعما ان عمله يمتد طوال (24) ساعة، حيث يقوم بعض السكان بالاتصال به في اوقات متأخرة لطلب بعض الامور التي يلبيها بكل ترحاب انطلاقا من واجبه كما يقول.

ورأى عبد الرؤوف ان بعض الملاك يقومون بتوريط «الحراس» مع المستأجرين في اشكالات مادية قد تصل لقطع الماء والكهرباء عن سكان العمارة، ملمحا الى ان الحارس رغم أهميته يعاني من ضعف الدخل طالما التزم بحدود مهنته كبواب للعمارة، مشيرا الى أن بعض الحراس من جنسيات متعددة يستغلون طيبة بعض السكان السعوديين في مطالبات مادية وعينية كثيرة بدعوى الحاجة وضيق ذات اليد، رغم انهم يتسلمون مرتباتهم كل شهر من كفلائهم.

واشار الحارس محمد جودت حسين إلى ان تسرب الكثير من العمالة المتخلفة الى دهاليز مهنة الحراسة شوه صورة الحراس في اذهان الناس. وشدد على ضرورة التنبه لكثير من المظاهر السلبية التي تحدث في المجتمع في اوقات الصباح وخلو المنازل من ساكنيها، حيث تنشط بائعات متجولات بزعم البيع رغم ان لهن اهدافا اخرى كالسرقة او ممارسة الأعمال المخلة بالآداب او السحر، واعتبر جودت ان الحارس يمثل صمام امان العمارة وأنه عامل مساعد في حل المشاكل التي يعاني منها السكان, وطالب بوضع آلية في اختيار الحراس من حيث العمر والخبرة والامانة لقطع الطريق على ضعاف النفوس، الذين قد يستغلون مثل هؤلاء الحراس في اعمال منافية للاداب العامة او التستر عليهم او اسكانهم من دون عقود رسمية في ظل غياب رقابة الكثير من الملاك على عماراتهم.

أما الحارس علي حسين فيؤكد أنه يحبذ العمل كحارس في الفلل السكنية على الحراسة في الابنية ذات الشقق المتعددة، مرجعا ذلك إلى كونه يحب العمل في جو اسري بعيد عن مشاكل المستأجرين، نافيا ان يكون العمل كحارس للفلل بمثابة عمل بـ«خمس نجوم» في ظل وجود سكن مميز ووسائل مواصلات، مرجعا ذلك الى رغبته في العمل بعيدا عن المشاكل رغم الدخول المرتفعة لحراس العمارات حسب رأيه.

«الشرق الأوسط» زارت مدير استقدام الافراد في جدة لمناقشته في بعض الملاحظات التي وردت على لسان حراس العمائر، بيد أنه فضل عدم الحديث لان لديه اوامر بعدم التصريح للصحافة، وطالب بمخاطبته رسميا عبر الوزارة.

وأشاد مصدر أمني (فضل عدم ذكر اسمه) بتعاون الكثير من الحراس في كشف العديد من ملابسات القضايا الجنائية بناء على معلوماتهم التي تقود الى خيوط مهمة، وشدد على اهمية دعم هؤلاء الحراس بالخبرة ومنحهم الثقة وفق اليات واضحة لممارستهم اعمالهم ومعالجة نواحي القصور الموجودة والخروج بنتائج تدعم الوضع الأمني وتحققه لكل الافراد.