أمين حسن عمر لـ«الشرق الأوسط»: حركة قرنق ستحظى بثلث الوزارات السيادية ليس بينها الدفاع والطاقة والداخلية

TT

الدكتور امين حسن عمر اسم لا يفضل المعارضون للانقاذ الجلوس امامه كثيرا.. لا لشيء، الا لانه يخاطبهم بـ«الصراحة الجارحة».. ولانه يقول «للطويل انت طويل وللقصير انت قصير».. واذا كنت جالسا امام هذا الرجل «وجها لوجه» وكان الحديث في غير «ساس يسوس» لاشك فى ان اللحظة تشملك باحساس بانك في كنف شخص هادئ في كل الاحوال الى حد الهمس، ولكن اذا قدر لك ان تحضره في منبر عام يحتمل الانصار والخصوم فلا محال انك امام ثائر يتدفق ليغرق الحضور بفكرته. شيخه الذى كان الدكتور حسن الترابي، يعتقد في كل مجالسه ان امين حسن عمر هو الاقرب اليه في امر الدين، وانه من الذين كسروا عقدة الخواجة، وتلك قصة اخرى. عمر الذى يشغل منصب المدير العام للهيئة العامة لجهازي الاذاعة والتلفزيون في السودان وشغل من قبل عدة مناصب رفيعة في حكم الانقاذ، هو اليوم واحد من صناع السلام في نيفاشا، «صانع وشاهد عصر». تحدث الى «الشرق الاوسط»، حول تفكيك رموز وعبارات الاتفاق الذى وقعته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية في نيفاشا، ولنقرأ معه ما بين دفتي كتاب الاتفاق.

* بحكم تفاعلكم اليومي.. ووجودكم المستمر هناك كعضو في وفد الحكومة.. ماهو القدر المتوفر من الثقة التي تجعل من موضوع وحدة الاراضي السودانية «جاذبة» للكل؟ ـ الثقة موجودة ومتوفرة ولكنها غير كافية.. نحن يجب نتحدث عن الثقة على النحو المؤسسي.. والثقة من خلال الممارسة في اطار الاتفاقات الموقعة بيننا.. وفي تقديري ان اتفاقية السلام فيها الكثير من الآليات التي تشكل الضمانه لتنفيذه.. وفي كل الاحوال لا نستطيع ان نتحدث عن الثقة إلا بعد إيقاف الحرب تماماً.. لا نستطيع ان نتحدث عن الثقة الكاملة لطرفين متحاربين سنوات طويلة إلا إذا نجح التنفيذ بالفعل عبر العمل المؤسسي.

وفي تقديري ان الدوافع التي تدفع نحو شراكة جادة.. هي ان الحكومة تتغير الآن. وفي الفترة المقبلة كل فرد سيكون له تحدياته.. ولابد ان ينجح كل طرف في الامتحان، فهناك امتحان قيادة السلطة في جنوب السودان لحل مشكلات الخدمات وبناء مجتمع سياسي وتوفير خدمات لبلاد منهارة من الحرب. والحكومة تواجه تحديات كبيرة جداً تتمثل في إقناع الجمهور بان السلام هو الواعد، وتحتاج الحكومة لان توظف الاموال التي كانت تذهب للحرب الى مشروعات تنموية جادة. والمطلوب ان تصلح الشأن السياسي على المستوى القومي ولا يغيب على احد ان القوى السياسية تخربت بسبب الحرب لدرجة كبيرة جداً وبسبب المعارضة المسلحة. ولا بد ان يكون هناك مجتمع سياسي ديمقراطي. فالتحديات كبيرة وبين هذا وذاك تجري مياه كثيرة تحت الجسر وستنشأ علاقات سياسية جديدة وتحالفات سياسية جديدة وقد يفاجأ الناس بما لم يكن في الحسبان.

* يشير بعض الجنوبيين الى انهم لم يتطرقوا بعد لما يفرق بين الشمال والجنوب، في اشارة الى موضوع العنصرية.. هل تطرقتم لهذه القضية في نيفاشا. ـ لم نتطرق لهذا الموضوع لان مسألة العنصرية هي أبعد ما تكون عن السودانيين.. لا توجد عنصرية بمعنى «هضم الحقوق والواجبات»، او تلك التي تعني ان هناك تمييزا بين الناس على أساس عنصري.. هذا غير موجود إطلاقاً في السودان. أما التمييز بمعنى وجود قدر من الاحساس بتفوق جهة على جهة وشعب على شعب فهذا موجود في كل الدنيا. في اميركا .. والمانيا وكل الدول بما فيها السودان. هذا طبيعي في تطور المجتمعات.. والسودان ليس بدعة.. بالعكس في السودان لأن نسبة الاندماج بين الاعراق والمجمعات عالية جداً. ونحن مثل كل الدول الاخرى نكافح نزعات التفرقة العنصرية النابعة من الشعور. وكما قلت فان هذا الشعور موجود في كل مكان حتى بين قبائل الجنوب وبين الشمال والشمال. هذا الامر يمكن تجاوزه من خلال التطور الثقافي والسياسي.

* هل هناك اي دور تنويري ينهض به السياسي لتجاوز الامر؟ ـ السياسي لا يقوم بهذا الدور.. هذا الدور يتم عبر المؤسسات.. بالدستور والقانون، والثقافة.. وهذا موجود. نحن في الاعلام لدينا اعتقاد بان الكلام له أثر في الناس.. هذا ليس صحيحاً.. ولكن العلاقات الانسانية المباشرة لها الدور الأكبر.

* رغم التوقيع على إتفاق السلام الاطاري.. ولكن لوحظ ان الحكومة ما زالت عند لغتها العدائية تجاه الحركة.. لماذا؟ ـ ليست عدائية.. هي لغة متحفظة وهذا طبيعي جداً.. واضح ان لغة اليوم ليست هي لغة الامس.. ولكن هذا التحفظ مطلوب.. احتاج اليها لاسباب كثيرة، لننقل الناس من حالة الى حالة بالتدرج.. فإذا قلت اليوم كلاما وفجأة قلت غدا غيره فلن يكون لك أي مصداقية. إذا لم تنتقل بالتدرج في خطابك للناس لن يثقوا فيك.

* هناك مخاوف من احتمال قيام الحكومة بممارسة سياسة «الشق» مع حركة قرنق، كما حدث من قبل مع رياك مشار؟ وفصائل اخرى وقعت اتفاقية الخرطوم للسلام؟ ـ هذا السؤال قائم على فرضية خاطئة.. وهي ان الحكومة قامت فعلا بالدور الذي تقول مع مشار.. وهذا غير صحيح.. رياك مشار هو الذي أفشل الاتفاق. والحكومة هي التي دفعت الفصائل الستة التي وقعت على الاتفاقية الى التوحد. فالادعاء بأن الحكومة هي التي صنعت الانشقاق لا تستند الى حقيقه. وإذا الفرضية التي انبنى عليها السؤال خطأ فان السؤال يسقط ايضا. واقول ان الحركة الشعبية إذا فشلت في الحفاظ على تماسكها و«إتفرزعت» فسيكون صعباً على الحكومة ان تجد لها شريكا في السلام.. الحكومة ليست حريصة ان «تفرزع» شريكها في السلام.. لانها لا تستطيع ان تنفذ مطلوبات السلام وحدها. ولكن في المقابل لا يمكن ان تقف الحكومة في معسكر الحركة.. فالساحة السياسية رغم ان فيها تعاونا، وفيها تنافس. أتعاون معك.. ولكن إذا رغب اناس من مجموعتك في الانضمام لي فمرحبا بهم.

* تحدثتم عن الشركة وعن تحديات يجب تجاوزها، ولكن هل تقبل الحكومة مثلا تعيين جنوبي لوزارة الطاقة؟ ـ السؤال هو الى أي مدى تقبل الحكومة بالشراكة مع الحركة الشعبية.. وهذا أمر عبرت عنه الاتفاقيات.. فالحكومة تحقق كل ما وافقت عليه في الاتفاقية.. وبالطبع لا تتحمل ما لم توافق عليه.. أما مثال ان الحكومة لا تقبل وزيرا جنوبيا للطاقة فهذا غير صحيح.. ولكن الصحيح اننا في الوقت الحالي لا نتحمل وزيرا للطاقة من الحركة الشعبية لانهم كانوا حتى وقت قريب يريدون ان يوقفوا مشروع البترول ويدمروه. وليس من المنطق ان تعطيهم «المفتاح» بمجرد التوقيع. كل المصالحات في الدنيا لا تسمح بذلك.. ولكننا قبلناهم في وزارة الطاقة شركاء. وهم ايضا شركاء في مفوضية مشتركة تدير البترول كله. وزارة الطاقة جهاز تنفيذي ما عادت جهازا يملك السلطة. اذن فان القول انني لا أقبل بهم كشركاء غير صحيح، ولكن الصحيح الا «اسلمها لهم». أما إذا توفرت الثقة الكافية.. فلا يهم من هو المسؤول هناك «جون لولا.. أو عوض الجاز».

* هل ناقشتم مسألة توزيع الحقائب الوزارية واي منها للشمال واي منها للجنوب؟ ـ نحن اتفقنا على ان يكون التمثيل للحركة في كل المؤسسات تمثيلا عادلا.. بوزن جنوب السودان. حصل الجنوب على نائب للرئيس، وستمثل الحركة في كل الوزارات نوعياً وكمياً. بمعني أنه لا توجد وزارات معينة يختص بها المؤتمر الوطني.. أو هناك وزارة درجة أولى.. وأخرى درجة ثانية.

* هل ناقشتم التفاصيل النوعية هذه؟ ـ بالطبع لا.. هذه مرحلة لاحقة.. هي مرحلة تنفيذ الاتفاق.

* البعض يعتقد ان تلك المرحلة ستكون الأصعب؟ لأنها تعني مرحلة التمثيل النوعي والحديث عن الأسماء.. من يشغل ماذا؟ ـ لم نتفق على الاسماء.. نحن اتفقنا على التمثيل العادل.. مثلاً إذا كنت أملك ست وزارات سيادية سيكون للجنوب ثلثها، حسب الاتفاق وبالتالي سيكون للحركة نصيب متفق عليه من هذه النسبة، وسيكون للجنوبيين الاخرين خارج الحركة وزارات ايضا. كل هذا وارد. ولا توجد مشكلة في التصالح مع هذه الفكرة. وليس لدينا شعور بان الحركة عاجزة ان نوفر كفاءاتها.

* هل لديكم الحق في التحفظ على اسم محدد؟ ـ نعم.. كما للحركة أيضاً الحق في ان تتحفظ على أسماء محددة لاسباب موضوعية.

* أذن يتوقع حدوث اشتباكات في هذا الخصوص.. كيف تفضونها؟ ـ عن طريق آلية سياسية، وهي تحصل في كل الائتلافات ونحن لدينا خبرة ضخمة جداً في السودان حول هذا الموضوع. وغالباً لا تقع المشاكل في تحديد الاسماء ولكن في تحديد الوزارات نفسها، الان نحن بصورة عامة اتفقنا على تحديد الوزارات بالاوزان، بالطبع فان الحركة لاتطمع في ان تمسك وزارة الدفاع، لانه هناك ترتيبات امنية وعسكرية لم تنته، ولا وزارة الداخلية، ولكن هناك اربعة وزارات سيادية يمكن ان تنال منها الحركة وزارة او وزارتين حسب الاتفاق، وفى الوزارات الاخرى فى القطاع الاقتصادي يكون لها وزارات مهمة، وقد يتفق على آلية للاختيار. انا فرصتان وانت فرصة، وعليه انا اختار هذا وانت ذاك وهكذا..

* هذا على المستوى الاعلى وماذا عن مستوى الخدمة المدنية؟

ـ ليس هناك تعيين سياسي في الخدمة المدنية.. الاستيعاب في الخدمة المدنية عبر تساوي الناس في الامكانات والفرص، ويتم تخصيص نسبة معينة لجهة معينة وقفا لهذا المعيار.

* ولكن من الذي يختار ؟

ـ جهات فنية في وزارة العمل. ومفوضية العمل هي التي تتأكد ان هناك اجراءات صحيحة تطبق بصورة سليمة.

* هل هناك اتفاق «على شكل ومضمون» هذه الجهات؟ ـ المفوضية متفق عليها ومهمتها انها تضع طرق الاستخدام، وتتابع العمل بالقواعد.

* هل هذه المسألة تنطبق على جهاز الامن؟ ـ جهاز الامن خدمة مدنية. ونحن اتفقنا على ان يكون للجنوب تمثيل فيه، وعندما نتحدث عن تمثيل للجنوب فمعناه أن هناك تمثيلا للحركة ولكن ليس على الاساس السياسي وانما على اساس كفاءة الضباط والجنود.

* عفوا، الحكومة الحالية كانت تتحدث عن اهل الثقة اكثر من اهل الكفاءة؟ ـ هذا كلام جرائد، الصحافيون يحبون هذه الالفاظ والعبارات والاكلشيهات، الحكومة فى اماكن معينة فيها الثقة مهمة جدا مثل اجهزة الامن فى مستويات معينة تفضل ناسها، ولكن هل تصدق اذا قيل لك ان كل من يعمل في الخدمة المدنية الان تبع الحكومة؟.. هذا غير صحيح.. هذا وهم.

* الحكومة متهمة بتسييس الخدمة المدنية، والحديث الان عن اعادة التوازن، هل تحدثتم عن هذا الامر في المفاوضات؟ ـ الخدمة المدنية متوازنة. لذلك لم نتطرق الى هذه المسألة، والادعاء بانها سيست هو اتهام مستمر منذ الاستقلال، كل ما تجيء حكومة تتهم بانها سيست الخدمة المدنية. اما الحديث بان الحكومة قامت بفصل الاخرين وجاءت باخرين فهذا «كلام مجاني» لا دليل عليه، صحيح هذه الحكومة وحكومات غيرها فصلت ناسا وعينت ناسا ولكن بضمانات قانونية.

* هل كل الذين فصلوا من قبل الحكومة الحالية فصلهم جاء وفقا للمعايير او الضمانات القانونية التي تحدثتم عنها ؟ ـ نعم ان الفصل يتم بمعايير قانونية.. اذا استخدم شخص ما وظيفته ضد الدولة.. هذا يمكن فصله حتى بالقانون القديم الذى وضعه الانجليز.