في أول اختبار للقوة.. حكومة علاوي ترفض طلبا أميركيا لمنح الحصانة للمتعاقدين

TT

في اختبار مبكر لسيادتها الوشيكة رفضت الحكومة العراقية الجديدة طلبا أميركيا يقضي بمنح المتعاقدين الأجانب العاملين في العراق حصانة من القانون العراقي بالطريقة ذاتها التي تتمتع بها القوات العسكرية الأميركية بحصانة، وفقا لما ذكرته مصادر عراقية.

وقد مس الاقتراح الأميركي، غير المعروف على نطاق واسع، عصب بعض الوطنيين العراقيين الذين يرزحون تحت الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة منذ 14 شهرا.

ولو أنه جرت الموافقة على ذلك الاقتراح من جانب رئيس الوزراء اياد علاوي فانه سيضع المتعاقدين الأجانب الأميركيين في اطار قانوني خاص ليكونوا غير خاضعين للعدالة العسكرية وبعيدين عن أحكام النظام القضائي العراقي في وقت واحد.

ويعتبر الطلب الأميركي، الذي أكده مكتب علاوي أول من أمس، واحدا من قضايا عديدة مرتبطة بسلطة الحكومة يتوقع أن تواجه السفير الأميركي المقبل جون نيغروبونتي، عندما تتولى حكومة علاوي المؤقتة السيادة يوم الثلاثين من الشهر الحالي.

وغالبا ما يشير العراقيون المعارضون للاحتلال على أسس وطنية، الى الوضع الخاص الذي تتمتع به القوات الأميركية. وقد اثار المتعاقدون المدنيون، خصوصا موظفي الأمن المسلحين، استياء مماثلا من جانب العراقيين الذين يشعر كثير منهم بعدم الارتياح من ابلاغ الأجانب لهم بالأماكن التي يمكنهم الذهاب اليها وتلك التي يحرم عليهم الوصول اليها.

وبرزت مسألة المتعاقدين ايضا بسبب اثنين من المتعاقدين الأميركيين في سجن أبو غريب ممن اتهمهم تقرير لوزارة الدفاع بالمشاركة في انتهاكات بحق السجناء العراقيين.

وكجيش محتل فان القوات العسكرية الأميركية الموجودة في العراق والبالغ تعدادها 138 ألفا ظلت خارج القانون العراقي منذ أن استولت القوات التي تقودها الولايات المتحدة على البلاد في ابريل (نيسان) من العام الماضي. وستبقى القوات مستثناة في المستقبل وفقا لقرار مجلس الأمن الصادر يوم الثامن من يونيو (حزيران) الحالي والرسائل المتبادلة بين علاوي والحكومة الأميركية التي يطلب فيها العراق استمرار وجودها، وفقا لما أورده مسؤول أميركي كبير.

ونتيجة لذلك فلن تكون هناك حاجة لاتفاق خاص بالقوات التي سيستمر أفرادها بالخضوع للقوانين العسكرية الأميركية.

ولكن وضع المتعاقدين المدنيين بات مسألة خاصة لأن المتعاقدين لم يكونوا مشمولين بقرار الأمم المتحدة أو رسالة علاوي. كما أنهم غير خاضعين للقضاء العسكري الأميركي لأنهم ليسوا جزءا من الجيش، على الرغم من أن بعضهم جرى تكليفهم بالمهمات من جانب وزارة الدفاع.

وفي ضوء ذلك طلبت سلطة التحالف المؤقتة من علاوي منح المتعاقدين حصانة من اتهامهم قضائيا في العراق مماثلة للحصانة التي يتمتع بها الجنود. وفقا لما قاله جورج سادة المتحدث باسم علاوي، الذي أشار الى «انهم قدموا ذلك الطلب. ونحن نعتقد ان الأمر أكثر من اللازم، وهو موضع نقاش».

ولم تستجب سلطة الائتلاف المؤقتة الى طلبات التعليق على الموضوع.

وقد شهد عدد المتعاقدين الأجانب في العراق انخفاضاً كبيرا خلال الأشهر السابقة. فقد غادر كثير من المدنيين العاملين في مجال اعادة الاعمار خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب تصاعد العنف واختطاف الرهائن الأجانب. ولكن كثيرين ظلوا وخصوصا حراس الأمن الذين يمكن مشاهدتهم في أنحاء بغداد ومدن أخرى بعرباتهم المدرعة وبنادقهم الأوتوماتيكية وسترهم الواقية.

وبسبب عدم وجود سلطة مركزية تسجل المتعاقدين الأجانب فان وجودهم غير محسوب بدقة، وفقا لما قاله مستشارون أمنيون. وتشير تقديرات عن العدد الكلي للعاملين الأجانب هنا، من الأميركيين الى الجنوب أفريقيين والتشيليين، يتراوح بين 20 الى 30 ألفا. ويعتقد أن الاقتراح الأميركي يغطي المواطنين الأميركيين فقط. وقال مسؤول عسكري كبير انه بعد الثلاثين من يونيو سيكون متروكا لسفارة كل بلد أن تعد ترتيبات مواطنيها. وقال مسؤول مدني في سلطة الاحتلال التي تقودها الولايات المتحدة ان بعض المتعاقدين الأمنيين بدأوا يسألون حول أوضاعهم بعد الثلاثين من يونيو خصوصاً بعد تصاعد العنف في الشهرين الأخيرين مما جعل الحياة أكثر خطرا بالنسبة لهم. ولكن من غير المحتمل أن الحكومة العراقية المؤقتة ستسعى الى اعتقال موظف أمني مدني أو تتدخل في عمله، وفقا لما قاله المسؤول المدني.

وقال جورج سادة، المتحدث باسم علاوي، ان الاقتراح الأميركي طرح سوية مع قضايا أخرى في اجتماعات دورية عقدها علاوي مع بول بريمر، رئيس سلطة التحالف المؤقتة، وديفيد غومبرت كبير مساعدي بريمر لشؤون الأمن القومي الذي يوشك على المغادرة، والجنرال ريكاردو سانشيز القائد العسكري الأميركي في العراق.

وكان علاوي، الشيعي العلماني الذي تزعم جماعة في المنفى معارضة للرئيس السابق صدام حسين مولتها وكالة المخابرات المركزية، قد قال غير مرة منذ توليه منصبه كرئيس للوزراء يوم الأول من الشهر الحالي انه يريد أن يتعاون مع الولايات المتحدة ويعتقد ان القوات الأميركية ينبغي ان تبقى في البلاد للمساعدة في حفظ الأمن. وبالتوافق مع طريقة التفكير الأميركية فانه يقوم بتأهيل عراقيين كانوا يقاتلون قوات الاحتلال الأميركي كإرهابيين.

وفي الوقت نفسه فانه وأعضاء الحكومة المؤقتة الـ36 يتمتعون بأنصار عراقيين لابد أن يفكروا بهم وكذلك بالولايات المتحدة، فان كل خطوة يحتمل أن تثير حساسيات عراقية، أو تغذي التمرد الدموي ضد قوات الاحتلال الأميركي، سيكون لها ثمن سياسي لابد ان يرفضوا دفعه.

وكان مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي المتطرف، الذي يعارض الاحتلال الأميركي بالميليشيا التي يقودها والتي تحمل اسم «جيش المهدي»، قد قال يوم الجمعة الماضي، مثلا، انه سيضع اسلحته جانبا ويدعم حكومة علاوي اذا ما حددت موعدا لانهاء الاحتلال.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)