تحقيقات 11 سبتمبر: الكشف عن سعودي صديق للنعمي كان مقررا أن يشارك في الهجمات لكن والدته أخذت منه جواز السفر في آخر لحظة

فريق المباحث الأميركية «بينتبوم» أجرى 180 ألف مقابلة وفحص 180 رحلة أجراها الخاطفون منذ 1991 واعد سجلا من 8 آلاف سطر بأنشطتهم في أميركا

TT

لم يكن الاسم اكثر من خربشة أدخلتها يد مرتعشة في طلب تأشيرة دخول أميركية تقدم به أحمد النعمي، ففي المكان المخصص لرفقاء السفر كتب بشكل مستعجل «صديقي مشبب». كان ذلك يوم 17 ابريل (نيسان) 2000، قبل 17 شهرا من مشاركة النعمي في السيطرة على طائرة «يونايتد ايرلاينز» التي سقطت في ريف ولاية بنسلفانيا يوم 11 سبتمبر (ايلول) 2001 .

بعد الهجمات سعى محققو مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) الى فك لغز ادخال تلك العبارة، ارادوا ان يعرفوا ما اذا كان صديق النعمي الغامض جزءا من المؤامرة الارهابية، وما اذا كان هناك آخرون.

وجاء اكتشاف الامر في الربيع الذي تلا الهجمات، فقد كشف البحث في آلاف طلبات التأشيرة ان الاسم كان مشبب الهملان، وهو مواطن سعودي كان حصل على تأشيرة اميركية في نفس اليوم والمكان، جدة، الذي كان حصل فيه النعمي على تأشيرته. واستجوبت السلطات السعودية الهملان وعائلته واعدت تقريرا جاء فيه: كان مقررا ان يكون جزءا من عملية خطف الطائرات الا ان والدته صادرت وثائق السفر عندما فقد أعصابه وقرر أن يتخلى عن المشاركة في العملية، وفقا لما قاله مطلعون على القضية.

وتعتبر هوية الهملان التي لم يكشف عنها سابقا، واحدة من الاكتشافات الكثيرة التي ظهرت خلال تحقيق اجراه (اف. بي. آي) حول هجمات 11 سبتمبر، على مدى 33 شهراً، واطلق عليه اسم «بينتبوم».

قام فريق صغير من وكلاء ومحللي مكتب المباحث الفيدرالي، العاملين في الطابق التحتي من مبنى ادغار هوفر، المجاور لدخان وضجيج مؤسسة للطباعة، بادارة أكبر تحقيق جنائي في التاريخ الأميركي، وهو تحقيق لا يزال مستمراً حتى الآن. ولمدة ثلاث سنوات تقريباً ظل الفريق يعاني من الضجر والاحباط الناجم عن متابعة الطرق المسدودة، سعيا الى معلومات حول أسوأ هجوم ارهابي في تاريخ الولايات المتحدة. وشارك أعضاء الفريق في الغضب الشديد الذي يستبد بعائلات ضحايا الهجمات، وقدم لأفرادها، على نحو هادئ، معلومات عن نتائج التحقيق، وأعاد لهم بعض الممتلكات الشخصية التي عثر عليها بين الركام.

وقالت جوان ماري تورتشيانو، 34 عاما، التي اصبحت رئيسة للفريق أوائل العام الحالي: «ان الضحايا هم حقا من يجعلوننا نواصل العمل. نريد ان نكشف الحقائق. لقد كنا هنا منذ البداية ونود أن نرى نوعا من النهاية».

تابع الفريق الذي ضم في الأصل اكثر من 70 شخصا، أكثر من ربع مليون ملف في الشهر الذي اعقب الهجمات، وارسل آلاف من عملاء مكتب المباحث الفيدرالي الى مختلف أنحاء العالم. اجرى هؤلاء العملاء اكثر من 180 ألف مقابلة وراجعوا ملايين الصفحات من سجلات الهجرة وايصالات وقوف السيارات وكشوفات شحن الخطوط الجوية وسجلات العضوية في تنظيم «القاعدة» وملفات التحقيق ووثائق اخرى.

وقال مدير مكتب المباحث روبرت مولر ان مهمة الفريق تتمثل في «العثور على الابرة في كومة القش. ان المرء يقضي معظم وقته في دحض النظريات التي يفترضها الناس».

ووجهت هيئتان أخريان من هيئات التحقيق في الهجمات الارهابية اللوم الى فريق «بينتبوم» لعدم ملاحقتهم بعض نواحي التحقيق بما يكفي من الشدة والجرأة والتقليل من أهمية بعض المعلومات لأنه لم يكن بالوسع البرهنة عليها بشكل كامل. ودخل الفريق ايضا في نزاع مع وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) ووكالات أخرى بشأن الاطلاع على المعلومات.

ومع استعداد اللجنة المستقلة التي تحقق في الهجمات لتقديم نتائج عملها يوم غد، فان اعضاء فريق مكتب المباحث تقلص الى عشرة أعضاء يقومون بمتابعة الأسرار الأخرى الخاصة بالهجمات. وقال مسؤولو الفريق ان المحققين كشفوا أفرادا آخرين في «القاعدة» وساعدوا على منع هجمات وألقوا أضواء على الكيفية التي تعمل بها الشبكات الارهابية.

ما يزال محققو «بينتبوم» يبحثون عبر تقارير المعلومات العسكرية ومعلومات وكالة الاستخبارات المركزية اليومية، ويعملون بصورة وثيقة مع المدعين في قضية زكريا موساوي ( المغربي الاصل المسجون حاليا الذي قالت تقارير انه ايضا خاطف مفترض)، ويحللون تقارير التحقيق من السجن العسكري في خليج غوانتانامو بكوبا، ومحطات اميركية أخرى تحتجز فيها عناصر مفترضة في «القاعدة».

وقالت ماري كاليغان، 42 عاما، التي ترأست فريق «بينتبوم» حتى يناير (كانون الثاني) الماضي ان «كل شيء يمكن ان نعرفه عن القاعدة سواء كان طريقة تصرفهم وسلوكهم، أو طريقة عملهم، هو عدة جديدة في الحرب ضد الارهاب. نحن لا نعرف ما الذي يمكن أن يكون مهما بعد ستة أشهر من الآن».

ما يزال هناك الكثير مما لا يعرفون، مثل: لماذا قرر الخاطفون الرئيسيون المرور عبر لاس فيغاس؟ ولماذا بدأ محمد عطا وخاطف آخر يومهم في بورتلاند بولاية ماين وكانا على وشك أن تفوتهما الرحلة من بوسطن الى لوس انجليس؟ وهل هناك شركاء آخرون لم يكشفوا حتى الآن؟ ان كل ما يملكونه الآن مجرد نظريات.

في زيارة أخيرة الى مقرات مكتب (اف. بي. آي) كانت هناك علامات بأحرف كتبت باليد تشير الى الطريق: احداها «اغتيال كينيدي» وأخرى «قضية هوفا». انهما يؤديان الى غرفة قليلة الاضاءة في الدور التحتي. كانت هناك ملاحظات وقصاصات صحف تغطي الجدران، وهناك ايضاً ملفات وكومبيوترات شخصية على المناضد وأجهزة تكييف.

وبدأ التحقيق، الذي ترأسه في البداية مساعد المدير توماس بيكارد، بمجموعة واحدة من المحققين لكل واحدة من الطائرات الأربع التي استخدمت في هجمات سبتمبر، ووكيل واحد لكل واحد من الخاطفين الـ19. وقد تولت كاليغان، وهي وكيلة قديمة في مكتب المباحث الفيدرالي، وحاصلة على درجة الماجستير في علم النفس، المسؤولية في أكتوبر (تشرين الاول) 2001 . أما مساعدتها تورتشيانو فتعمل على ملاحقة الارهابيين منذ التحاقها بالمكتب عام 1997 . ومن بين الأعضاء الآخرين مظلي سابق اصبح مختصا في ملف محمد عطا، وعضو في القوات الخاصة يتكلم اللغة العربية وقد قدم الى مكتب المباحث الفيدرالي بعد خوضه القتال في افغانستان، ومبتدئ أصبح مكلفاً البحث عن جذور المخطط في ألمانيا، ورجل شرطة سرية عمل لمدة عامين بعد التقاعد لمتابعة الموضوع حتى النهاية.

كان فرع مكتب المباحث بمدينة نيويورك، الذي بدأ اول تحقيق بخصوص «القاعدة»، قد أدار الى حد كبير العمل في تلك الأيام الأولى. وارغمت الهجمات وكلاء المكتب على الخروج من مكاتبهم والنزول الى المدينة. عملوا في البداية من موقف للسيارات وفي وقت لاحق من ناقلة طائرات. وبحلول اكتوبر 2001 اتخذ مولر، الذي كان قد تولى مهمته قبل اسبوع، عندما نفذ الخاطفون خطتهم، قرارا مثيرا للجدل: ادارة «بينتبوم» من واشنطن، وللمرة الأولى في ذاكرة أي شخص سيجري تحقيق عملاني في المقرات.

تم التعرف على الخاطفين في ظرف ساعات وتأكدت تعاملاتهم المالية وتحركاتهم خلال عدة أيام. قسم التحقيق على مجموعات اهتم بعضها بتفاصيل الرحلات الجوية، وبعضها الآخر بعناصر المخطط في ألمانيا والسعودية والإمارات العربية المتحدة واستخدام الكومبيوتر وهكذا. وركزت مجموعة اخرى بصورة كاملة على محمد عطا، الزعيم المفترض للخاطفين.

كان قائد مجموعة محمد عطا، هو جيم فيتزجيرالد، وهو ضابط سابق من ماساتشوسيتس. كان عضوا في فريق «سوات» الذي أشرف على حماية فريق (إف. بي. آي) الذي سافر إلى اليمن وطرد من هناك بعد تفجير المدمرة كول في أكتوبر 2000. وقامت الفرق الأخرى برحلات مشابهة إلى (إف. بي. آي) و«بينتبوم».

وكلف مات غوتيريز، 37 سنة، وهو عضو سابق في سلاح البحرية، بمتابعة 130 ألف ملف تتعلق بقضية موساوي المتهم الوحيد في الولايات المتحدة في قضية هجمات سبتمبر. أما المحقق الآخر، آرون زبلي، فقد نقل من عمل مكافحة الإرهاب الى قضايا جنائية في 10 سبتمبر 2001، الا ان عملية النقل استغرقت يوماً واحداً فقط.

اما جاكي ماغواير، 30 سنة، فكان قد مضى على عملها في قسم مكافحة الإرهاب تحت قيادة غاليغان 3 اشهر عندما وقعت هجمات سبتمبر. وتقول ماغواير: «أخبِرت بأنني سأذهب إلى واشنطن لمدة 30 يوما». وما زالت تعمل مع نفس الفريق.

وكان هناك عدد من الأفراد من غير عملاء (أف. بي. آي) مثل روبرت ساسوك، 43 سنة، الذي كان يعمل محقق شرطة نيويورك التجارية وتخلى عن تقاعد سخي للعمل ضمن «بينتبوم». وكعضو في قوة المهام الخاصة المشتركة لمكافحة الإرهاب في نيويورك كان قد عمل في ملف تفجير السفارتين الأميركيتين في أفريقيا عام 1998. وقال ساسوك عن بداية التحقيق: «كنا نأمل في أن يكون لدينا تأثير ما عليهم، لكن الطريقة التي كانوا يعملون وفقها، لم تقنعنا».

كانت القائمة المعلقة على حاجز يقع في متراس السرداب ذات طول يصل إلى خمسة أقدام. في «مشروع باكتراك» قام محققو المباحث بقراءة ملايين السجلات الخاصة بالركاب التي حولت لهم من قبل شركات الطيران طوعا حيث زاد العدد عن 180 رحلة جوية كان الخاطفون الـ19 تنقلوا عبرها منذ عام 1991 .

وتضمن التحقيق مراقبة كل الرحلات الجوية التي جرت داخل الولايات المتحدة خلال صيف عام 2001 . وكان هناك ستة من منفذي هجمات 11 سبتمبر قد أخذوا دروسا في الطيران، ما يعني أنه كان هناك واحد على الأقل في كل طائرة مخطوفة شارك في تلك التدريبات بين مايو (ايار) وأغسطس (اب) 2001، حسبما خلص الى ذلك فريق «بينتبوم». وكل هؤلاء ذهبوا من الساحل الشرقي إلى كاليفورنيا ثم عادوا، كما توقف كل منهم في لاس فيغاس.

كذلك تمكن الفريق من خلال تحليل الرحلات التي قام بها الخاطفون إلى تحديد أسماء «الأربعة والأربعين قذرا» التي ظهرت على نفس المائة وثمانين قائمة سفر لأكثر من مرة. في الكثير من الحالات لم تتمكن السلطات من التأكد ما إذا كان الأفراد هم أنفسهم بسبب الاختلافات في تهجئة الأسماء وغياب المعلومات الشخصية، وكان هناك عدد قليل من الإجابات التي تم الحصول عليها من القائمة الغامضة، حسبما قال المحققون.

قام الفريق بجمع 155 ألف دليل، بعضها من الانقاض والمواقع المهشمة. وجمع المحققون سجلاً تاريخياً يتكون من أكثر من 8000 سطر حول أنشطة الخاطفين في الولايات المتحدة. واعتبر باسكيل دامور، الرئيس السابق لشعبة مكافحة الإرهاب في مكتب المباحث ورئيس فرع (اف. بي. آي) في نيويورك حاليا، تلك القائمة «واحدة من أكثر الأشياء التي تمكن التحقيق من إنجازها من حيث الأهمية» لأنها تمثل إطاراً أولياً لفهم الكيفية التي تم وفقها تنفيذ الخطة وسبب نجاحها.

كانت نقطة الانطلاق التي استخدمها المحققون للوصول إلى هذه القائمة هي سجلات الهواتف والبنوك التي سمحت لمحققي «بينتبوم» برصد سريع لأنشطة الخاطفين وشركائهم والاستمرار في تعقب تحركات «القاعدة» حتى هذا اليوم.

وهناك خاطف محتمل آخر حدده الفريق، وهو محمد القحطاني الذي كان فشل في الدخول الى الولايات المتحدة قبل 11 سبتمبر 2001 . والقحطاني الذي كشف عن وجوده مطلع هذه السنة هو سعودي وطرحت قضيته امام لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر وكان اعتقل في أفغانستان قبل ان ينقل الى غوانتانامو في صيف 2002، عندما حصلت السلطات على صورة لبصمات أصابعه. وكان قد حاول الدخول إلى الولايات المتحدة عبر أورلاندو في فلوريدا يوم 4 أغسطس 2001 .

ويعلم فريق «بينتبوم» أن عطا كان في وسط فلوريدا في نفس الوقت تقريبا، ومن خلال البحث في سجلات الهواتف ومرائب وقوف السيارات اتضح أن اسم عطا كان على هاتف جوال في مطار أورلاندو في نفس الوقت الذي اعتقل فيه القحطاني لاستجوابه من قبل مفتش هجرة انتابته شكوك حول المسافر. وكانت المكالمة قد أجريت إلى هاتف يستخدمه مصطفى أحمد الهوساوي، المنظم المفترض لعملية تمويل مخطط 11 سبتمبر.

والقحطاني الذي استنتج الفريق أنه كان من المفترض أن يشارك في الهجمات منع من الدخول الى الولايات المتحدة بعد أن رفض مفتش الهجرة في المطار منحه تأشيرة دخول. وقد أدى ذلك الاكتشاف إلى تحفيز الوكلاء الميدانيين للبحث عن متواطئين مفترضين آخرين. وقاموا خلال عدة أشهر بتقليب بطاقات التوقف في المرائب ولعدة شهور في تسعة مطارات رئيسية ومقارنتها بلوحات ارقام السيارات التي استخدمها الخاطفون.

كذلك لعب فريق «بينتبوم» دورا رئيسيا خلال العشرين شهرا من التحقيق في تحديد خريج جامعة برادلي علي صالح المري (قطري) الذي وضع في سجن عسكري بالولايات المتحدة بعد ان اعتبره الرئيس جورج بوش واحداً من «عناصر القاعدة ».

وقد اعتقل المري كشاهد مادي في أواخر عام 2001 . وكان خالد شيخ محمد العقل المدبر للهجمات الذي اعتقل في باكستان في مارس (اذار) 2003 قد أبلغ السلطات الأميركية بأن المري عضو في «القاعدة»، حسبما قالت مصادر قريبة من الجهات التي حددت المري كـ«مقاتل معاد».

وفي قضية أخرى، تمكن فريق «بينتبوم» من ربط الاجزاء ببعضها لكشف هوية عدنان شكري جمعة، الناشط المشتبه في انتمائه الى «القاعدة» الذي تدرب على الطيران وظل هاربا. وتم التوصل إلى هذه المعلومات بفضل معتقلين في غوانتانامو وأماكن أخرى. وطلب وزير العدل جون اشكروفت في الآونة الاخيرة من الاميركيين المساعدة في القبض على شكري جمعة.

وخلصت لجنة الكونغرس التي حققت في هجمات سبتمبر، واصدرت تقريرها الصيف الماضي، الى ان المحققين لم يعملوا بشكل صارم إلى الدرجة التي تجعلهم يحققون بعض العناصر في الخطة، خصوصا تلك العلاقة التي تربط بين مجموعة صغيرة من الاجانب مع اثنين من الخاطفين في سان دييغو. وفي تقريرها حاججت اللجنة بأن المصادر الاستخباراتية والمباحث كشفت عن اتصالات جرت بين الخاطفين القياديين و14 شخصا مشتبها في تعاونهم معهم في سان دييغو وأماكن أخرى داخل الولايات المتحدة. ومن بين هؤلاء اشخاص تراقبهم المباحث حالياً.

لكن مكتب (أف. بي. آي) اختلف مع هذا الاستنتاج وجادل بأن الأربعة عشر شخصا المشار إليهم تمت تبرئتهم من علاقتهم المزعومة مع الارهاب. لكن إليانور هيل رئيسة لجنة التحقيق قالت إنها شعرت بالصدمة لغياب العمق في عمل المحققين.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»