تحقيقات 11 سبتمبر: صراعات حادة وسط قيادات «القاعدة» حول عدد الطائرات واختيار الخاطفين كادت تعصف بالخطة قبل تنفيذها

خالد شيخ أراد استبعاد المحضار «لعدم تعلمه الانجليزية» لكن بن لادن أصر على تضمينه * الجراح أراد التخلي بعد خلاف مع عطا إلا أنه عاد بعد «مكالمة عاطفية» من بن الشيبة

TT

عندما اراد قيادي تنظيم «القاعدة» الذي خطط لهجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001، استبعاد واحد من الخاطفين بسبب اهماله للتدريب، اعترض زعيم التنظيم اسامة بن لادن. وعندما اراد ان يوسع خالد شيخ محمد المخطط ليشمل الساحل الغربي للولايات المتحدة، وحتى بعض دول قارة آسيا، اعترض بن لادن مرة اخرى.

وعندما اعرب قادة آخرون في «القاعدة» عن تحفظاتهم ازاء شن هجوم على الولايات المتحدة باستخدام طائرات نقل الركاب كصواريخ، ضغط اسامة بن لادن على المعترضين وأعطى الضوء الاخضر للمضي قدما في تنفيذ المخطط. هذه هي صورة زعيم «القاعدة» الذي يلعب دورا اشبه بدور مدير تنفيذي لشركة. وقد ظهرت هذه الصورة في التقرير الاولي الذي اصدرته لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر، اول من امس، اعتماداً على معلومات ادلى بها مساعدون لابن لادن تعتقلهم الولايات المتحدة حالياً. ورغم ان التقرير حذر من تناقض بعض الادلة، فإنه يقدم اكثر عرض تفصيلي عن إدارة اسامة بن لادن لحربه ضد الولايات المتحدة ولحالات التوتر داخل تنظيم «القاعدة» في وقت كانت فيه الشبكة منشغلة بتنفيذ اكثر مشاريعها وحشية. اسامة بن لادن، كما تحدث عنه شركاؤه، زعيم يسيطر على مقاليد الأمور، متريث أحيانا ومندفع احيانا اخرى، مغامر وجريء لكنه غير متهور داخل إطار مشروعه الدموي. معروف عن اسامة بن لادن طريقته الذكية في اختيار العناصر المناسبة لمهام محددة ومطالبة المقربين منه بأداء قسم الولاء له مباشرة. تخطيط وتنفيذ الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع (البنتاغون) قادها بن لادن من خلال عملية ربما تكون عادية بالنسبة للمديرين التنفيذيين للأعمال التجارية في مختلف انحاء العالم.

ويلقي تقرير لجنة التحقيق الضوء، بالتفاصيل، على عدد المرات التي اوشك المسؤولون على إلغاء مخطط الهجمات. المشروع الاصلي لم يخضع لنقاش وبحث كامل، كما ان الخاطفين الاصليين يتسمون بالضعف والافتقار الى البراعة، بل حتى اسامة بن لادن فكر في احدى المرات في الاكتفاء بتوجيه ضربة اقل حجما اذا كان تنفيذها ممكنا في زمن وجيز. واتضح من التقرير ايضا ان واحدا من الخاطفين الرئيسيين بدا مترددا وخائفا، كما ان حلفاء بن لادن، في حركة طالبان، كانوا معترضين على شن الهجمات. لكن رغم ذلك، نفذت هجمات 11 سبتمبر، وقتل فيها نحو 3000 شخص.

ففي مطلع عام 1999 كان بن لادن يبحث عن مخطط جديد. وكان خالد شيخ محمد يملك رؤية رهيبة، لكنه كان بحاجة الى المال والرجال، ثم كان لقاء الرجلين في قندهار. كان ذلك اللقاء هو الثاني بين اسامة بن لادن وخالد شيخ، الذي التقى بن لادن عام 1996 بشأن مقترح يجمع بين تفجير مركز التجارة العالمي وتفجير طائرات. حاول خالد شيخ، بمشاركة قريب له وآخرين، تدمير مركز التجارة العالمي عام 1993. اما مخططه لخطف وتفجير 12 طائرة ركاب اميركية، فقد احبطته سلطات الشرطة الفلبينية. ويقول تقرير لجنة التحقيق ان بن لادن استمع الى مقترح خالد شيخ لكنه لم يبد ما يشير الى التزامه بأي شيء. إلا ان متغيرات كثيرة حدثت خلال الفترة بين عامي 1996 و1999، اجبرت زعيم «القاعدة» على مغادرة قاعدته المريحة في السودان وشد الرحال الى ملجئه المحفوف بالمخاطر في افغانستان. ساعد بن لادن عقب عودته الى افغانستان حركة طالبان في بسط سيطرتها على البلاد ودمج مجموعته مع تنظيم الجهاد المصري. وفي 7 اغسطس (آب) 1998 نفذت «القاعدة» اكثر هجماتها دموية حتى ذلك الوقت بتفجير سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي ودار السلام. وبعد ذلك، اصدر الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون تعليماته بشن هجمات باستخدام صواريخ «كروز» على معسكر لـ «القاعدة» في افغانستان ردا على تفجير السفارتين.

استدعى بن لادن خالد شيخ الى قندهار، وابلغه بحضور المسؤول العسكري في التنظيم حينها محمد عاطف (ابو حفص المصري)، بالمصادقة على خطته وتأييد «القاعدة» لها بالكامل. بدأ المخطط بأربعة انتحاريين محتملين «حريصين على المشاركة في هجمات ضد الولايات المتحدة، حصل اثنان منهم مسبقا على تأشيرات دخول اليها». بدأ الاثنان، نواف الحازمي وخالد المحضار، تدريبهما على تنفيذ المخطط منذ خريف عام 1999، وفي يناير من العام التالي كانا أول من وصل ضمن مجموعة الخاطفين الى الولايات المتحدة. لم يحصل الخاطفان اللذان رشحا في البداية على تأشيرتي دخول الى الولايات المتحدة ولذلك اقترح خالد شيخ ارسالهما للمشاركة في هجمات اخرى في آسيا. كان على كل من الحازمي والمحضار تعلم اللغة الانجليزية والالتحاق بمعاهد للتدرب على الطيران، لكنهما كانا يفتقران الى الحماسة المطلوبة. لم يكن خالد شيخ راضيا عن ذلك وكان يريد إبعاد المحضار عن المشاركة، إلا ان بن لادن تدخل شخصيا للإبقاء على المحضار ضمن المشاركين.

عثر بن لادن في معسكرات التدريب في افغانستان على عناصر افضل للمشاركة في المخطط يقيمون في ألمانيا بينهم المصري محمد عطا الذي عينه بن لادن قائدا للعملية. إلا ان واحدا من هؤلاء الاربعة، هو رمزي بن الشيبة، فشل في الحصول على تأشيرة لدخول الولايات المتحدة واصبح حلقة وصل بين محمد عطا وقيادة «القاعدة». أما الثلاثة فقد التحقوا بمدارس للتدرب على الطيران. ويقول التقرير ان اهتمام بن لادن باختيار عناصر محددة لتنفيذ هذه المهمة لم يفشل مطلقا. فمن بين الآلاف الذين يتدفقون على معسكرات «القاعدة» في افغانستان اختار بن لادن هاني حنجور، الذي قاد الطائرة التي اصطدمت بمبنى البنتاغون، و14 من العناصر التي كلفت مهمة السيطرة على ركاب الطائرات المخطوفة. وشدد بن لادن على شن هجوم على البيت الابيض وركز مرارا على تسريع الخطوات لينفذ المشروع تزامناً مع زيارة رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون الى واشنطن. ارسل اسامة بن لادن زكريا موساوي، الذي كان من المحتمل ان يكون دوره مساندا، لتلقي دروس في الطيران عام 2000 (موساوي وبن الشيبة وخالد شيخ، بالاضافة الى قياديين آخرين في «القاعدة» معتقلين حالياً لدى السلطات الاميركية). وكشف التقرير عن حصول خلافات جدية بين الخاطفين ووسط قيادة «القاعدة» خلال التحضير للهجمات. وأوشك أحد الطيارين الاساسيين، اللبناني زياد الجراح، على التخلي عن المشاركة، وفكر المخططون بتعويضه بموساوي.

وفي نهاية الامر، كان بن لادن هو الشخص الذي اصدر القرار النهائي بتنفيذ الهجوم. وجاء في تقرير اللجنة ان بن لادن قال ان الهجمات ضد الولايات المتحدة الأميركية يجب ان تنفذ فورا اعتقادا منه بأان شن «القاعدة» مزيداً من الهجمات سيكسبه مزيدا من التأييد. وخلصت اللجنة الى ان التخطيط للهجمات بدأ فعليا عام 1999، وان الخطة الكلية كلفت «القاعدة» بين 400 ألف و500 ألف دولار. وكشفت لجنة التحقيق عن اسماء، تظهر لأول مرة، وتخص اشخاصاً كان يفترض ان يشاركوا في الهجمات. وأحد هؤلاء تونسي يدعى عبد الرؤوف جدي تلاحقه المباحث الأميركية حالياً، والآخر زيني زكريا.

كان تصور «القاعدة» في البداية ان تنفذ الهجمات بمشاركة 25 او 26 خاطفا، على ان يكون سبعة خاطفين على متن كل طائرة، حسبما افاد خالد شيخ لمستجوبيه. وقال أحد المحققين انه حتى وقت متأخر من الخطة كان خالد شيخ يحاول ترتيب الخطة لتتضمن خطف ست طائرات في حال تمكن من تجنيد عدد كاف من الطيارين.

ويفيد التقرير الذي جاء في 20 صفحة ان المخطط الاصلي لخالد شيخ كان يقضي باستخدام 10 طائرات مخطوفة يكون هو على متن واحدة منها، وان يقتل كل الركاب الرجال البالغين، ثم يدعو وسائل الاعلام من الجو، قبل ان يهبط في مطار اميركي يلقي فيه بيانا ينتقد السياسة الخارجية الاميركية، ثم يطلق سراح كل النساء والاطفال.

ويشير المحققون الى ان مسار الخطة عرف مشاكل تنظيمية كثيرة وصراعات شخصية. وخلصوا الى ان «الخلاف الداخلي بين المشاركين ربما حد من تنفيذ عملية اوسع». ويقول التقرير ان النزاع الأشد خطورة ربما كان ذلك الذي نشأ بين محمد عطا وزياد الجراح. ووصف خالد شيخ كلا من الطيارين عطا والجراح في رسالة مشفرة بـ «الزوجين التعيسين على وشك الطلاق». كان الجراح أكثر ميلا للاختلاط مع الآخرين وكان يبدو اكثر تأثرا بالقيم الغربية مقارنة بشركائه. كان يشعر بالاشتياق الى صديقته والحزن عليها، والتي كان قد تزوجها في حفل اسلامي لم يعترف به القانون الألماني. ويبدو ان نقطة الخلاف بدأت في يوليو (تموز) 2001 عندما اخذ عطا زميله الجراح الى مطار ميامي للقيام برحلة ليوم واحد الى ألمانيا.

ورغم ان الجراح التحق في الشهر التالي بالخطة بعد «حديث عاطفي» مع منسق الخطة بن الشيبة، فان لجنة التحقيق خلصت الى عدم وجود دليل يثبت بأن خالد شيخ وعد موساوي ليحل مكان الجراح.

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»