الإشاعة السياسية في المغرب بخير.. والتعديلات الحكومية تحظى بحصة الأسد

TT

طالب سياسيون وحقوقيون وإعلاميون مغاربة بتأسيس «مرصد للإشاعة»، لرصد هذه الظاهرة، وتتبعها ومحاصرتها في مهدها، وتوعية الرأي العام بكيفية انتشار الإشاعة ودواعيها، بل ومنهم من وصفها بأنها «بخير»، بينما قال آخر إن الإشاعات المتعلقة بالتعديلات الحكومية بقيت دائما تحظى بحصة الأسد من مجموع الإشاعات السائدة.

وأجمع المشاركون في ندوة «الإشاعة السياسية»، التي نظمتها صحيفة «الاتحاد الاشتراكي» الناطقة باسم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (مشارك في الحكومة)، مساء أول من أمس بالرباط، على أهمية هذه المبادرة، التي قد تنفع الفاعلين السياسيين وأصحاب القرار.

ولم يفت مدير الندوة، وهو يذكر بإشاعة التعديل الحكومي التي استمرت ستة أشهر، أن ينطلق من «وسيلة إيضاح» انتقاها من الصفحة الأولى لجريدة يومية حديثة اعتبرت اختيار «الاتحاد الاشتراكي» لموضوع الإشاعة ردا على ما نشرته أسبوعية مغربية حول قضية أخلاقية نسبتها لوزير من حزب الاتحاد الاشتراكي. وتمنت لطيفة أخرباش، مديرة المعهد العالي للصحافة في المغرب، لو أن مثل هذا الموضوع نال حظه من البحث «قبل أن ينهش عرض وزير»، مشيرة إلى أن مثل هذا اللقاء ينبغي أن يكون له دور استشرافي، ومؤكدة أن هذه الندوة ليست دفاعا عن وزير، ولكنها دفاع عن القيم والأخلاقيات.

وأجمع المشاركون على أن الإشاعة، التي ينسبها المغاربة لـ«راديو المدينة»، تعتبر أول إذاعة حرة في العالم، فيما يعتبرها الباحثون في علم الاجتماع أقدم وسيلة إعلام في التاريخ البشري، ومن معانيها في قواميس اللغة العربية «النار التي تشتعل بسرعة».

ولاحظت أخرباش أن «الإشاعة بخير»، حتى أنها منذ عشرة أعوام، أصبحت علما مستقلا يدرس في الجامعات الغربية، وبذلك أصبح لها أساتذتها ومنظروها. موضحة أنها ليست مرآة عاكسة، ولكنها منظار كاشف لاستيهامات المجتمع. واستعرضت الباحثة المغربية أشهر الإشاعات التي راجت في البلاد خلال الأعوام الماضية، بدءا بالإشاعة الأخلاقية التي مست إدارة إحدى المؤسسات المصرفية، إلى البئر التي تشفي مختلف العلل، والسوق التي تباع فيها النساء، والمهاجرين الأفارقة الذين يأكلون الأطفال، وكلها أخبار وصلت إلى الصحف التي لم تتردد في نشرها.

وتنشط الإشاعة السياسية، بشكل خاص، في الحملات الانتخابية. وقد حدث أن بادر بعض المتنافسين في إحدى الدوائر الانتخابية، قبل يومين من تاريخ الاقتراع، بنشر إشاعة واسعة عن وفاة المرشح المؤهل للفوز. وهو ما كلفه القيام بجولة عبر أرجاء المنطقة الجبلية الوعرة لإقناع الناخبين أنه ما زال على قيد الحياة.

بل إن الإشاعة، في نظر أخرباش، تعد وسيلة من وسائل إدارة الشأن العام، باعتبارها «بالون اختبار»، وآلية من آليات استطلاع الرأي.

وقالت إن انحسار هامش الحرية يساهم في اتساع مجال الإشاعة. وأن الحق في الوصول إلى المعلومة ما زال ناقصا في المغرب، لأسباب متعددة. كما أن تعدد المنابر الإعلامية في المغرب أنتج رغبة قوية في التنافس على «السبق الصحافي»، الذي يختلط فيه الخبر بالإشاعة، مذكرة بالمقولة الألمانية «أحسن لك أن تكون ثاني من يعطي خبرا صحيحا، على أن تكون أول من يروي إشاعة».

ومن الناحية القانونية، أوضح المحامي محمد القدوري، أن الإشاعة تندرج ضمن جرائم السب والقذف. والفصل 44 من قانون الصحافة ينص على أن «جريمة السب أو القذف تتوفر ولو أفرغ الخبر من صيغة الشك والارتياب..»، وهو ما يستوجب متابعة الجاني عندما يكون معروفا. غير أن مروجها غالبا ما يظل مجهولا.

وقال الباحث إدريس بن سعيد إن «المكر العمومي يختار شخصية سياسية تستقطب كل النكات وكثيرا من الإشاعات في فترة زمانية معينة. وينعكس فيها انتقام النقص من الكمال، والفقر من الغنى، والجهل من العلم، والبادية من المدينة، والمحكوم من الحاكم».

وأضاف أن البحث عن خلفيات الخبر يقود في الغالب إلى السقوط في حضن الإشاعة. موضحا أن الإشاعة أنواع، منها إشاعة الاسترزاق أو الانتقام أو تحقيق المآرب، والأخطر أن تكون مرضا نفسيا لدى محترفها.

وأكد المفكر المغربي محمد سبيلا أن «هناك حاجات اجتماعية، ربما، لهذا النوع من الممارسة»، التي يعتبرها أداة من أدوات الصراع السياسي أو الاقتصادي، مركزا على خطورة «سلطة الإشاعة» لكونها «من أسلحة التضليل الشامل في إطار الاقتتال السياسي».

وأضاف أن الإشاعة تعتبر في الوقت ذاته «أداة فرجة واحتفالاً داخل المجتمع، فيها تنفيس عن مشاعر الانتقام الدفين لدى البعض ممن يتغذون من الضغينة السياسية والحقد الاجتماعي الكامن الذي يترصد فرصة الانتقام. كما فيها تفريغ لمكبوتات سياسية».

وأوضح سبيلا أن الإشاعة وإن كانت لا أخلاقية، فإنها موجودة وتتكاثر. فالى جانب الإدانة الأخلاقية، هناك حاجة للإشاعة في إطار الصراع على المصالح الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. و«الإشاعة المسبوكة بتقنيات سيكولوجية تعتبر قذيفة اجتماعية موجهة». وتكرارها التلقائي يعزز مصداقيتها، ولعل من أسرار انتشارها السريع اعتمادها على مخاطبة العواطف والأهواء. ومما يزيد في قوتها الإغرائية قدرتها السحرية على اجتذاب العقول وتحويل سامعها إلى ناقل متطوع.

وخلص المفكر المغربي إلى أن الإدانة الأخلاقية لا تكفي في هذا الباب، ولا بد من توفير الضوابط القانونية في المجال الإعلامي للحد من هذه الآفة.

ومن جهته قال حسن نجمي، رئيس اتحاد كتاب المغرب، إن الإشاعة جزء من التجربة السياسية في المغرب، متمنيا لو يتم إنجاز عمل أكاديمي علمي يجمع أهم الإشاعات السياسية، مما يمكن معه استقراء تاريخ الإشاعة في البلاد. ملاحظا أن الخزانة الأنغلوسكسونية اهتمت بالإشاعة أكثر من نظيرتها الفرنكوفونية. أما رصيد المكتبة العربية في هذا المجال فلا يتعدى بضعة عناوين.

ودعا نجمي إلى التعامل مع الإشاعة، ليس فقط كظاهرة مرضية، ولكن أيضا بالنظر إلى جوانبها الإيجابية. فهي ليست دائما انحرافا وشذوذا. لأنها قد تكون تعبيرا عن حاجة في مجتمع معين. والمجتمع المغربي، رغم ما يشهده من تطور، ما زال في نسيجه العميق مجتمعا شفويا.

وعزا انتشار الإشاعة السياسية إلى «حضور البنيات السرية في المجتمع المغربي، في علاقات غير شفافة». فالى جانب مختبرات إنتاج الأخبار الدقيقة، هناك مختبرات لإنتاج الإشاعة. في إشارة إلى صحافة الإثارة. وأكد أن الأمر لا يستدعي محاربة الإشاعة بقدر ما يقتضي «إنتاج آليات لتحليل هذا الفضاء الإخباري السري». فالإشاعة تبلغ أخبارا معينة، وتبعث رسائل خاصة.

واضاف نجمي أن كثيرا من الأخبار المنتشرة في الشارع العام غائبة عن الصحف ونشرات التلفزيون. وفي الشارع العام يقولون «لا دخان من دون نار». معبرا عن اقتناعه بأن «لكل إشاعة نواة حقيقة»، هي عبارة عن عناصر ملموسة.

فقد حدث قبل بضعة أسابيع أن تأجل انعقاد مجلس الوزراء فيما استقبل العاهل المغربي، محند العنصر أمين عام الحركة الشعبية، فسرت إشاعة تعيين العنصر وزيرا أول خلفا لإدريس جطو. مما اقتضى تدخل القناة المغربية الرسمية لاستضافة العنصر، وهو في الوقت ذاته وزير الفلاحة والتنمية القروية، لتستعرض معه الأوضاع المتعلقة بمحاربة الجراد المتسلل إلى جنوب شرقي المغرب.

ذلك أن الإشاعة، على رأي متدخل آخر، تنتشر انتشار الجراد، ويمكن أن تأتي على الأخضر واليابس. وعندما لا يكون هناك تدفق في الأخبار يستجيب لانتظارات الناس، تظهر الإشاعة لملء الفراغ.

وأكد متدخلون من حزب الاتحاد الاشتراكي أن الإشاعة السياسية تم توظيفها منذ عام 1960 لتصفية الحسابات مع مجموعة من رموز الحركة الوطنية بتهمة التآمر على قلب النظام، وتعرض الاتحاديون (الاتحاد الوطني للقوات الشعبية) بعد ذلك لعمليات مماثلة أعوام 1964 و1970، ولم تتوقف بعد ذلك.

وكان أحد المشاركين في الندوة قد ذكر بمقولة مأثورة للباحث الأميركي وليم زارتمان جاء فيها أنه «في يوم تنصيب أول حكومة مغربية برئاسة مبارك البكاي (عام 1956) سرت إشاعة تتحدث عن تعديل حكومي مرتقب. وإن هذه الإشاعة ما زالت سارية إلى اليوم». واليوم، غداة تنصيب حكومة إدريس جطو الثانية، ها هي إحدى الاسبوعيات المغربية تتحدث عن تعديل حكومي مرتقب!؟