مجلس الحكم العراقي المنحل يواصل نفوذه من خلال التحضير للمؤتمر الوطني العام

TT

حينما حل مجلس الحكم الانتقالي العراقي نفسه في الاول من الشهر الحالي بدا وكأن كل شيء انتهى بالنسبة لذلك الكيان الذي رآه الكثير من العراقيين شديد القرب للولايات المتحدة. لكن حتى مع تخلي أعضاء المجلس عن مقاعدهم فهم كانوا يصوغون لهم دورا قياديا في الحكومة الانتقالية التي ستستلم الحكم الأسبوع المقبل. ففي مرسوم، لم يجلب انتباها كبيرا له، ضمن المجلس المنحل لنفسه مقاعد في المجلس الوطني الانتقالي الذي من المفترض أن يتكون من 100 عضو وستكون له صلاحيات التصديق على ميزانية عام 2005، ونقض أوامر تنفيذية بأكثرية ثلثي اعضاء المجلس وتغيير الرئيس أو نائبيه. كذلك ضمن أعضاء مجلس الحكم السابق لأنفسهم مقاعد في رئاسة مجموعة من اللجان التي ستختار أعضاء آخرين للمجلس الوطني الانتقالي الجديد.

ومع السباق المحموم الذي يقوم به اللاعبون السياسيون لاحتلال مقاعد في المجلس المقبل أصبحت عملية الاختيار تحت سيطرة أعضاء مجلس الحكم السابق، بمن فيهم أحمد الجلبي الذي تعرض مكتبه إلى غارة قامت بها قوات الأمن العراقية والقوات الأميركية للتحقيق في اتهامات بالاختطاف والسرقة. وأثار دور أعضاء المجلس السابق قلقا متزايدا بين العراقيين من أن تدخلهم قد يفسد شرعية الحكومة الجديدة. وهذا يثير مخاوف أولئك الذين كانوا يأملون بظهور قيادة سياسية من الداخل.

وقال جودت العبيدي، السكرتير العام للمؤتمر الديمقراطي العراقي، الذي يزعم انه يشكل مظلة لـ216 حزبا سياسيا «هناك الكثير من الشخصيات العراقية المهمة التي تتمتع بالأمانة والموهبة وأبقت لحد الآن نفسها في منأى عن الحكومة الجديدة». وقدم العبيدي قائمة من أسماء أكاديميين ودكاترة عراقيين بارزين تم إقصاؤهم من العملية. وأضاف «هؤلاء الناس يحاولون الوصول إلى أعضاء مجلس الحكم لكن لا أحد أجابهم أو رد على مكالماتهم الهاتفية».

ومن المفترض أن يقوم المجلس الوطني الانتقالي الذي سيتم اختياره عبر مؤتمر للقادة العراقيين، بمراقبة ومحاسبة الحكومة التي اختير أعضاؤها من بين الأوساط المرتبطة بأعضاء مجلس الحكم المؤقت السابق. ويتحدد الهدف من وراء ذلك إلى تمثيل أجزاء من المجتمع ـ نساء ومنظمات من المجتمع المدني وغيرهم ـ غير ممثَّلة في الأحزاب السياسة المسيطرة على السلطة التنفيذية.

وتتم عملية اختيار أعضاء المجلس الوطني على هذا النحو: في الشهر المقبل سيتم عقد مؤتمر لما يقرب من 1000 شخص سيلتقون على نفس طريقة ما يعرف في أفغانستان بـ«اللويا جيرغا». وسيضم المؤتمر أناسا من شتى مظاهر الحياة، شيوخ عشائر واتحادات مهنية واعضاء اتحادات مهنية وتجارية وجامعات ومنظمات نسائية وشبابية وكتاب وشعراء وفنانين، إضافة إلى وجوه دينية بارزة. وسيقوم المؤتمر باختيار أعضاء المجلس الوطني الانتقالي.

لكن التخطيط للمؤتمر يقع على عاتق كيان تنظيمي آخر هو «اللجنة العليا للتحضير إلى المجلس الوطني». ومن المفترض أن تشمل هذه اللجنة التي ستقرر من سيحضر في مؤتمر الشهر المقبل، مجالا أوسع من الناس من ضمنهم أولئك الذين اختارهم الأخضر الإبراهيمي مبعوث الأمم المتحدة الخاص كي يمثلوا العراقيين من خارج مجلس الحكم السابق.

لكن اللجنة العليا وقعت تحت هيمنة أعضاء سابقين في مجلس الحكم السابق منذ البداية، إذ تم اختيار أعضائها من قبل لجنة تتكون من خمسة أعضاء وتم حلها الآن وهذه اللجنة المصغرة تضم أربعة من خمسة أعضاء من مجلس الحكم السابق، من ضمنهم أحمد الجلبي وبرئاسة جلال طالباني الذي كان هو الآخر من أعضاء مجلس الحكم.

وقال ناثان براون، استاذ العلوم السياسية في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الاميركية «يبدو أن مجلس الحكم العراقي في الأساس قد منح نفسه الحياة بعد موته». فالجلبي الذي تصادم بمرارة مع الإبراهيمي حاول أن ينقض العديد من خياراته بما يخص أعضاء اللجنة العليا. وقالت سلامة الخفاجي العضو في اللجنة «حينما نظرنا إلى قائمة الإبراهيمي وجدنا فيها أسماء أناس غير محترمين داخل العراق وبعضهم يعيش في الخارج وبعضهم له علاقات قوية مع النظام السابق. لذلك احتججنا أنا والجلبي، وقال الجلبي إن لديه ملفات حول بعض الأشخاص الواردة اسماؤهم في القائمة».

ومع امساك مجلس الحكم السابق بدفة القيادة يخشى الكثير من أن يكون المؤتمر الوطني مجرد مصادق شكلي على القرارات. وقال حميد حسن العبيدي، وهو شيخ عشيرة «كنت آمل أن تكون المجموعة المعنية مختلفة عن المجموعة الحالية التي تتكون من أفراد كانوا وراء اختيار هذه الحكومة». وقرر بعض ممن تمت دعوتهم للمشاركة في المؤتمر الوطني عدم القبول بالدعوة. وقال وميض نظمي الأستاذ في العلوم السياسية ببغداد «نحن تسلمنا بعض الدعوات لما يقرب من سبعة منا، لكننا رفضناها. نحن لن نصبح وسيلة لمنح الشرعية للدستور أو اللجنة التي تم اختيار أعضائها بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الاحتلال».

ووجه رئيس اللجنة العليا دعوة لأتباع رجل الدين المتشدد مقتدى الصدر للمشاركة في المؤتمر، لكن متحدثا باسم الصدر رفض القبول بالمقعد الوحيد الذي منح له معتبرا إياه مجرد إجراء شكلي.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»