«الشرق الاوسط» تنشر أحدث كتب الجماعة الإسلامية «الإسلام وتحديات القرن العشرين» (5) الجماعة الإسلامية المصرية تهاجم الديمقراطيات الغربية والخطاب الصدامي للجماعات الأصولية

الأمة الإسلامية ليست لقيطة لا تحسن استغلال عقلها وليس مطلوبا منها قبول كل ما ينتجه الغرب * الوطنية ليست بضاعة نستوردها من الخارج ثم نترجمها بأمراضها من دون تهذيب واصلاح

TT

تنتقد الجماعة الاسلامية المصرية في هذا الفصل من كتاب «الاسلام وتحديات القرن العشرين» الديمقراطيات الغربية، مؤكدة انه ليس كل ما فيها يصلح للاتفاق مع الاسلام ومع المسلمين، وانها تعاني من اشكاليات خطيرة فهي التي اتت بهتلر التي سبب مأساة من كبريات مآسي القرن العشرين. ويورد ناجح ابراهيم مؤلف الكتاب الذي راجعه واقره القادة التاريخيون للجماعة الاسلامية وحصلت «الشرق الأوسط» على حقوق نشره، عددا من أوجه الخلاف بين الاسلام والديمقراطية منها مغالاة الديمقراطيات الغربية في تقديس حرية الفرد على حساب الاخلاق والقيم وعدم وجود سقف للتشريع في الديمقراطيات الغربية وغير ذلك.

ويخصص المؤلف فصلا في الكتاب للحديث عن الوطنية وانها لا تختلف مع الاسلام في شيء بل انهما متكاملان، مؤكدا على ان حماية الوطن والذود عن حياضه شرف لا يستحقه الا من كان ذا نفس مهذبة بشمائل الدين، وان الوطنية التي هي حب الوطن والانتماء له، ليست افعالا تتجلى في وقت الحرب وعند الملمات فحسب ولكنها سلوك دائم في نفس المسلم تنضبط به علاقته بغيره ممن يشاركونه الوطن ويقاسمونه حبه، فهو يتعايش معهم مسلمين وغير مسلمين بما ينفع الوطن ويعزز قيمته وقدرته.

ويؤكد ابراهيم في حديثه عن حالة الصدام بين ابناء الحركات الاسلامية والمجتمع المصري انه برغم ما غشي المجتمع المصري من سلبيات ابعدته عن نقاوة الاسلام، الا انه ما زال يحمل في داخله حبا عظيما للاسلام وتعظيما كبيرا لشعائره، مشيرا الى انه ليس كل خلاف مذموما في الاسلام، بل هناك الخلاف الذي يجوز معه ان يأخذ كل فريق برأي من دون ان يؤثر ذلك في مدى العتمة أو التخطئة لكل فريق بل الطرفان مصيبان في اجتهادهما.

* حب الوطن وحب الإسلام يقول مؤلف الكتاب «ان حب الوطن والارتباط به والانتماء له، فطرة معتدلة وجبلة مركوزة في نفوس الاسوياء من البشر حيث لا يمكن لأحد من الناس ـ كائنا من كان ـ ان ينزع هذه الفطرة من نفس صاحبها أو يسلبها من قلبه، وذلك لتمكنها منه ونفاذها فيه، ومن ثم وتفهما لهذه الغريزة جاءت هذه الشريعة الاسلامية متوافقة مع هذا الخلق ومتماشية معه في غير مبالغة ممجوجة أو تساهل مستهتر، وان خير ما يستدل به على حب الوطن والحنين اليه ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم وهو مفارق لقريش التي اخرجته، «انك خير أرض الله، وأحب الارض الى الله، ولولا ان اهلك اخرجوني منك ما خرجت». وقال ذلك رغم فساد اهلها ومعاداتهم ومحاربتهم لدعوته وحصارهم لأتباعه وعشيرته. ولا نريد هنا ان نقف بحب الوطن أو ما يسمونه بالوطنية في مواجهة الاسلام أو الاسلاميين في مواجهة الوطنية لان النظرة الصحيحة المعتدلة تراها اذا سلمنا من داء التعصب والتطرف متناغمتين لا متناقضتين ومتجاورتين لا متباعدتين، والانتماء للاسلام يزكي الانتماء للاوطان فلا ينكر الاسلام الوطنية التي هي حب الوطن ولا يناهضها بل يؤكدها ويغذيها، ولكن بترشيد كريم وبفهم راق، وبما يتفق مع منظومة المنهج الاسلامي بمفرداته التي يتكون منها».

ويضيف ابراهيم «انه من المؤسف ان نجد بعض الذين يكرهون توجه الامه نحو الاسلام والتدين قد دأبوا على تجاهل الوطنيين الحقيقيين لصالح كثير من مدعي الوطنية، المزايدين ـ بها هؤلاء الذين يحرصون بالكلام ـ بالكلام فقط ـ على احتكار هذه القضية ويحرصون ايضا على الظهور في كل المحافل وهم يتحلون من هذه الوطنية بحلي مستعارة تخطف ابصار الناس وتعمي عيونهم في تنسيق محكم في ما يشبه الادوار الموزعة ـ سلفا ـ توزيعا دقيقا.

اننا حين نقرر ذلك لا نجني على أحد، غاية الامر ان أهل التدين الحق قديما هم الذين بذلوا انفسهم من دون تراب وطنهم والتاريخ خير شاهد والارقام لا تكذب، اما غيرهم في هذا المضمار فهم كإبل سائمة قلما تجد فيهم راحلة، وحتى عطاؤهم على قلته لا تعظم له قيمة، ولا يجد له في النفوس صدى يذكر الا اذا وافق في بعض جوانبه شريعة الله أو اقترب منها، وأما القلوب المؤمنة التي تشربت ـ ضمن ما تشربته من أصول الخير ـ حب الوطن والانتماء له، وشرف الذود عنه وعن كرامته، هذه القلوب هي التي تقدمت حين تأخر الناس، وهي التي نفرت خفافا وثقالا يوم ثقلت على الادعياء اجسادهم، ففي حرب العاشر من رمضان كانت هتافات التكبير الوقود الحي الذي يملأ القلوب فداء وتضحية. وهناك في البوسنة ايام دارت عجلة الحنق الآثم تطوى تحتها الارض وساكنيها على السواء، حتى كادت تختفي هذه الجمهورية عن الخريطة الاوروبية لولا المقاومة الاسلامية الشرسة التي قادها الرئيس البوسني الشهيد علي عزت بيجوفيتش فهل بعد ذلك يقال ان الاسلام يجافي الوطنية أو ينقص من قدرها في نفوس اصحابه؟

ويلمح الكتاب الى ان الاسلام يحث اتباعه على اللين والرحمة والرفق والتوادع كما يحولهم الى وحوش ضارية اذا ناوش العدو حدود بلدهم أو هدد أمنهم وطمأنينتهم، ومثالا لذلك المقاومة الاسلامية الشرسة التي تقف عاتية وعقبة كأداة امام الزحف الاسرائيلي على ارض الالم والمعاناة هناك في فلسطين، انه نداء الشرف والكرامة والرجولة الذي غرسه الاسلام في نفوس كتائب عز الدين القسام واعضاء الجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصى وغيرهم، وان فلسطين المحتلة على امتداد تاريخها النضالي لم تشهد مقاومة هي اقوى واصدق واشد مما قامت به ـ ولا تزال ـ فصائل المجاهدين الاسلاميين من مختلف الطوائف هؤلاء الذين واجهوا الدبابات بصدورهم العارية وامكانياتهم البسيطة.

ويؤكد الكتاب «اننا نخطئ كثيرا عندما نتعامل مع المفردات الواردة من الخارج وبخاصة الغرب على انها حق لا مراء فيه أو حقيقة لا تقبل المناقشة، ان الوطنية عندهم في غالب احوالها ترفع جانب الدين من محتواها وتتعصب للارض تعصبا ذميما يتجاهل القيم المعرفيه الاصلية السائدة بين ابناء الوطن، سواء كان ذلك لغة أو جنسا أو اصلا، قد تصبح الوطنية عندهم بهذا المعنى كائنا موجودا، ولكنه ليس حيا، اذ أن مادة حياته التي يستمد منها الديمومة والبقاء هي عامل الدين. ولو تتبعنا حركات المقاومة ضد المستعمر لوجدناها إن لم تكن اسلامية خالصة فهي اقرب ما تكون الى روح الاسلام، وليس أدل على ذلك من معركة عين جالوت، فليست الوطنية هي الحب الوطن والانتماء له افعالا تتجلى في وقت الحروب وعند الملمات فحسب، ولكنها ايضا سلوك دائم في نفوس المسلم تنضبط به علاقته بغيره ممن يشاركونه الوطن ويقاسمونه حبه، فهو يتعايش معهم مسلمين أو غير مسلمين، بما ينفع الوطن ويعزز قيمته وقدرته.

ان الاسلام يلزم الحاكم المسلم وقواته وجنده وشرطته بالدفاع عن أهل الذمة سواء كانوا من النصارى أو من غيرهم من أي عدوان خارجي من أي دولة اخرى، وكذلك يدافع عن ممتلكاتهم وأموالهم وأنفسهم وأعراضهم من أي عدوان داخلي من أي سارق أو متعصب أو نحو ذلك، بل ان الاسلام أوجب على الحاكم المسلم الدفاع عن كنائسهم ومعابدهم وأديرتهم وسائر اماكن عبادة اهل الذمة سواء كانوا من النصارى أو أي ملة اخرى يشملهم عقد الذمة. وليس هذا الدفاع عن الكنائس والمعابد والبيع وغيرها اقرارا من الاسلام بصحة العبادة التي تجرى في هذه الاماكن وإنما اقرار بحق هؤلاء في اختيار الدين الذي يدينون به حتى وان كان في نظر المسلمين يعد عقيدة باطلة في اكثرها، ولكن سماحة الاسلام تأبى عليه ان يكره احدا على الاسلام أو يجبره على ترك دينه أو يهدم له كنيسة أو معبدا يتخذه لعبادته.

* انتقاد الديمقراطية الغربية ويشير ابراهيم الى ان قضية الديمقراطية في هذا الاطار قضية ملحة تطلب تحريرا وتجديدا في الخطاب الديني، ويقول «ليس المطلوب منا قبول كل ما ينتجه العقل الغربي من دون نقاش أو حتى استفسار وكأننا أمة لقيطة لا تملك رشداً ولا تحسن استغلال عقلها، بل المطلوب منا شرعا وعقلا ان نتوقف لنفكر وتتأمل ونبحث ونناقش فما وافق ديننا قبلناه بلا تردد، فالحكمة ضالة المؤمن، وما خالف ديننا خلفناه خلف ظهورنا من دون خوف. والديمقراطية كمفهوم وكمنهج اذا نظرنا اليه نظرة تحليلية وتفكيكية وجدنا فيه ما يتفق مع الاسلام وما يختلف، فمن مواطن الاتفاق:

1 ـ رفض سلطة الفرد والدعوة لاقامة دولة المؤسسات والفصل بين السلطات والاعتراف بحق الشعب في التعبير عن رأيه، وهو ما دعا اليه الاسلام عبر اقراره لمبدأ الشورى.

2 ـ التركيز على قيم الحرية والعدل والمساواة.

3 ـ رفض ما يعرف بالحكومة الدينية الثيروقراطية فان كانت الديمقراطيات الغربية ترفض مثل هذا النوع من الحكومات لتجربة سابقة مريرة، فالاسلام لا يدعو اليها ابتداء ولا يعرف مثل هذا النوع من الحكومات لعدم وجود ما يسمى برجال الدين.

4 ـ الدعوة الى الابتكار والابداع النافع وعدم تجريم اطلاق ملكات التفكير طالما انها لا تصطدم بثوابت الاسلام ودعائمه.

5 ـ الاعتراف بحقوق الانسان المختلفة والدعوة الى احترامها والإقرار بأن أي تقدم داخل المجتمعات لن يأتي الا عبر تنمية الانسان نفسه وعبر احترام حقوقه المختلفة.

اما مواطن الاختلاف بين الاسلام والديمقراطية فمنها: 1 ـ تعتبر الديمقراطية الشعب هو مصدر التشريع عبر آلياته المتنوعة بينما يقرر الاسلام ان الشريعة هي مصدر التشريع.

2 ـ مغالاة الديمقراطيات الغربية في تقديس حرية الفرد على حساب الاخلاق والقيم حتى مارست كافة اشكال الشذوذ والفجور باسم الحرية الشخصية طالما انها لا تخرق النظام العام، اما الاسلام فمع كامل احترامه لآدمية الانسان وحريته الا ان هذه الحرية ليست مطلقة ولكنها محكومة بمحاسن الاسلام من احكام وبما دعا اليه من اخلاقيات، فليس للانسان ان يفعل ما يشاء متى شاء باسم الحريات وإلا انهار المجتمع وتفككت قواعده الاخلاقية كما هو الحال الآن في المجتمعات الغربية التي تعاني أزمة اخلاقية عنيفة نتيجة الافراط في الحريات الممنوحة للافراد، فالحريات لا بد ان تنضبط في ضوء مجموعة القيم والأخلاقيات.

3 ـ في الوقت الذي تتبنى فيه الديمقراطيات الغربية خطابا يدعو الى احترام الانسان، تتبنى خطابا استعلائيا استعماريا تجاه الشعوب الاخرى خاصة الاسلامية والعربية مستغلة في ذلك قوتها المادية الضخمة، متسترة وراء مفهوم العولمة، محكومة بنظريات عنصرية مثل «صدام الحضارات»، «نهاية التاريخ». أما الحضارة الاسلامية فهي تراعي البعد الحضاري حق المراعاة في تعاملها مع الشعوب الاخرى.

4 ـ في الديمقراطيات الغربية لا يوجد سقف للتشريع، فأي فكرة ولو باطلة تحوز كل تصويت الاغلبية لتصبح لها قوة في المجتمع بما تحصل عليه من تقنين قانوني، فالشذوذ، على بشاعته، حصل في بريطانيا على اصوات الاغلبية في مجلس العموم ليصبح واقعا مقننا، ويعترف المجتمع من ثم بزواج الرجل من الرجل، وهذا لا يتفق مع ديننا الحنيف. ويشير القادة التاريخيون للجماعة الاسلامية الى ان «الديمقراطية الغربية تعاني من اشكاليات خطيرة، يعرفها اصحابها فقد يختار الشعب في بعض الاحيان مدفوعا بعوامل عدة وضواغط متنوعة، اشخاصاً يسببون الدمار والخراب لمجتمعاتهم، بل وللاوطان المجاورة لهم، فالديمقراطية الغربية هي التي اتت بهتلر الذي سبب مأساة من كبريات المآسي في القرن العشرين، بل ان الغرب مهد الديمقراطية، ثارت ثائرته عندما لاح فوز يورج هايدر صاحب الافكار اليمينيه المتطرفة ـ في النمسا ـ وسمعنا الوعيد والتهديد يصدران من اميركا ومعظم الدول الأوروبية اذا وصل هايدر الى منصب «المستشارية» في النمسا.

وكلنا يذكر حالة الفزع والهلع التي سادت اوروبا عندما استطاع «جان ماري لوبين اليميني المتطرف الوصول الى الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة الفرنسية امام الرئيس الحالي جاك شيراك.

ويخلص الكتاب الى ان الديمقراطية الغربية بوضعها الحالي تعاني من اشكاليات خطيرة وتعتمد على الشعب وحده في عملية الاختيار والانتقاء وهو ما قد يؤدي الى افراز مثل هذه النوعيات المشار اليها سابقا.

* مصر والإسلام يقول الكتاب «ان الانسان المصري عرف منذ القدم بتدينه الشديد، حتى انه في سبيل ذلك كان يتحمل المصاعب والشدائد ويحفظ لنا التاريخ قصة اضطهاد الرومان للمصريين بسبب اعتناقهم المسيحية، فكثر القتل في المصريين آنذاك حتى عندما دخل الرومان في المسيحية واعترفت بها الدولة الرومانية لم يتوقف اضطهاد الرومان للمصريين بسبب اختلاف مذاهبهم مما اضطر عددا كبيرا من البطاركة والرهبان الى الاحتماء بالصحراء هربا من بطش الرومان. وعندما اتى الفتح الاسلامي الى مصر سنة 21 هـ، رحب به المصريون ترحيبا عظيما وكانت المواجهة التي لاقاها عمرو بن العاص من جانب الرومان حتى ان في اثناء زحفه الاخير الى الاسكندرية اشرك معه عددا من المصريين في جيشه، ولما استقر الامر للمسلمين في مصر بدأ المصريون يدخلون فيه زرافات ووحدانا لما رأوا سماحته وعاينوا عظمته وخالطت تعاليمه بشاشة القلوب».

ويضيف الكتاب أن «مصر لعبت وصنوها الشام دورا رائعا في الحفاظ على الاسلام والدفاع عن دياره، فمنها انطلق صلاح الدين الايوبي رحمه الله لقتال الصليبيين واسترد بيت المقدس، وكانت عمقا استراتيجيا لصلاح الدين وجيشه، ومن اراضيها نهض قطز لمناصرة وقتال التتار واستطاع ان يحطم قوتهم في عين جالوت. ولعب الازهر دورا عظيما في بث العلم ومنه انطلقت مشاعر المعرفة إلى ارجاء العالم الاسلامي وكان ـ وما زال ـ قبلة طلاب العلم وناشدي المعرفة، وما زال التاريخ يحفظ لمشايخه وعلمائه مواقفهم الجليلة في الدفاع عن الاسلام وقضاياه».

ويؤكد ابراهيم أنه وبرغم ما غشي بعض افراد المجتمع المصري من سلبيات عن نقاوة الاسلام الا انه ما زال يحمل في داخله حبا عظيما للاسلام، وتعظيما كبيرا لشعائره، ولا نبالغ اذ نقول ان القلوب ـ برغم كل هذا ـ لا يزال الايمان مركوزا فيها ينتظر من يحركه ليعود غضاً طرياً، وبرغم ما اكتنف علاقة الاسلاميين بمجتمعهم من سلبيات ادت الى حدوث تصادم بينهم وبين المجتمع بما جلب آثارا سلبية وسيئة على الجميع بعد ذلك.

ويرى قادة الجماعة الاسلامية ان اسباب هذا الصدام تدور حول خلاف على مسائل فقهية مع ان الادلة القاطعة من الكتاب والسنة دلت على وجود الاختلاف بين بني البشر وتقدير الله لذلك عليهم وليس كل اختلاف ينظر اليه على انه شر محض، ففي وقت يكون اختلاف الآراء وتباين وجهات النظر مدعاة لاثراء الحركة الفقهية والفكرية، كما يبدو واضحا في الثروة الفقهية التي يحركها الائمة والعلماء والتي كانت نتاجا للبحث والنظر في الادلة والمناقشات والحوارات المستمرة، وهكذا ينقسم الخلاف الواقع بين المسلمين الى اختلاف انواع واختلاف تضاد.

والأول هو ما لا يكون فيه احد القولين مناقضا للاخر، بل كل الاقوال صحيحة واختلاف التضاد هو ان يكون كل قول من اقوال المختلفين يضاد الاخر ويحكم بخطئه أو بطلانه، وهو يكون في الشيء الواحد يقول البعض بحرمته والبعض بحله، وهذا النوع من الخلاف ينقسم الى نوعين: اختلاف سائغ غير مذموم، واختلاف غير سائغ مذموم. فالاول هو ما لا يخالف نصا من كتاب أو سنة صحيحة أو اجماعا قديما أو قياسا جليا، وهذا سواء كان في الامور العملية الاعتقادية، وهذا نادر وفي الاحكام بين الفقهاء وهذا النوع من الاختلاف يرجع الى التفاوت الهام العباد وتفاوت قدراتهم على البحث والاجتهاد، وكذلك اختلاف طريقة التعليم والتعليم بين المسلمين في بلادهم، ومن امثلته الاختلاف في أمور الوضوء كوجوب المضمضة أم استبابها وهذا النوع لا يلغي بعضه الاخر.

والنوع الثاني هو الاختلاف غير السائغ المذموم وهو ما خالف نصا من كتاب أو سنة أو اجماعا أو قياسا جليا لا يختلف فيه سواء كان في الامور الاعتقادية العلمية، وهذا اكثر أنواع الاختلاف، أو في الامور العملية الفقهية، فان كثيرا من مسائل الفروع «أي الاحكام» فيها نصوص من الكتاب والسنة والاجماع، بل قد يكون المخالف فيها كوجوب الصلوات الخمس وصوم رمضان وحرمة الزنى والخمر.

* الصدام وأسبابه ويشير قادة الجماعة الاسلامية الى ان هدف الداعين الى الله هو هداية الخلائق والاخذ بأيديهم الى طريق الهداية ولن يتم ذلك الا بتآلف الناس ومودتهم وان يحييهم في ذلك بحسن الخلق ولين الجانب والاحسان اليهم. والشريعة الاسلامية استطاعت ان تفي بكل حاجات المجتمع التي حكمتها، وان تعالج كافة المشكلات في كافة البيئات التي حلت بها بأعدل الحلول واصلحها، لانها مع ما تملكه من متانة الاصول التي قامت على السمو بالروح ومخاطبة العقل، ومراعاة الواقع والموازنة بين الحقوق والواجبات وبين الروح والمادة وبين الدنيا والاخرة، واقامة القسط بين الناس جميعا، وجلب المصالح والخبرات ودرء المفاسد والشرور بقدر الامكان قد اودعها الله مرونة جعلتها تتسع لمواجهة كل طارئ ومعالجة كل جديد ومواكبة كل تطور بغير عنت ولا إرهاق.

ويقول الكتاب «ان اختلاف الآراء الاجتهادية الفقهية لم يكن ضارا بالأمة، ولا مشتتا لكلمتها بل على العكس ينمو ويتسع نظرا لان كل رأي يسند الى دليل واعتبارات شرعية نتجت عن عقول كبيرة تجتهد وتستنبط وتوازن وترجح وتؤصل وتقعد القواعد وتفرع عليها الفروع والمسائل، وانه لمن الخيانة لامتنا ان نغرقها في لجج الجدل والمراء حول مسائل في فروع الفقه اختلف فيها السابقون وتنازع فيها المتأخرون ولا امل في أن يتفق عليها المعاصرون في حيننن ننسى مشكلات الامة ومآسيها ومصائبها التي ربما كنا سببا أو جزءا من السبب في وقوعها، ولهذا كان من الواجب على الدعاة الى الله والعاملين للاسلام ان يشغلوا انفسهم ويصرفوا جماهير المسلمين الى الانشغال بهموم امتهم الكبرى، ويلفتون انظارهم وعقولهم وقلوبهم الى ضرورة التركيز عليها والتنبه لها والسعي الجاد ليحمل كل فرد جزءا منها وبذلك يتوزع العبء الثقيل على العدد الكبير فيسهل القيام به».