الأطفال أكثر ضحايا تأخير البت في القضايا المنظورة أمام المحاكم الشرعية السعودية

رئيس المحكمة الجزائية لـ«الشرق الأوسط»: لا صحة لتأخير القضايا الزوجية عدة سنوات

TT

حذر متخصصون اجتماعيون ونفسيون من عواقب سلبية على نفسيات الأطفال نتيجة طول فترة النظر وتأخير الحكم في القضايا المنظورة في المحاكم الشرعية في السعودية والتي يكون الأطفال طرفا فيها. وأشاروا الى أن القضايا الأسرية تحتاج الى تسريع آليات الحكم فيها بدلا من بقائها فترات طويله تصل الى سنوات وهي تدور بين أروقة المحاكم من دون أن يتم البت فيها، في الوقت الذي يتجرع الأطفال مرارة الحياة ويعيشون ظروفا صعبة، غالبا ما تؤدي الى ضياعهم.

وتحكي السيدة (نورة. م) وهي سعودية من اصل فرنسي، أنها تعاني منذ 12 سنة مضت في متابعة قضية حقوقية لابنتها اليتيمة ضد عائلة والدها من دون ان تبت فيها المحكمة. وقالت انها «تقدمت طوال هذه الفترة بشكاوى مختلفة، إلا أنها لم تفد بشيء».

وتشرح قضيتها بقولها «تزوجت من رجل أعمال سعودي، وبعد ان أنجبت منه طفلة توفي في لبنان، ومنذ وفاة زوجي قامت أسرته بأخذ ابنتي مني، وكنت أحمل الجنسية الفرنسية، ولم اكن أعرف حينها النظام والمحاكم، وبعد مطالبتي لحضانة ابنتي في المرة الأولى وجدت نفسي فجاءة في قسم الترحيل، ومكثت فيه يومين ولكن تدخلت السفارة الفرنسية وأخرجتني من هناك». وتضيف: «مرضت ابنتي خلال وجودها عند أهل زوجي فخافوا على حياتها وسلموها للسفارة التي أعطتني إياها، ومنذ ذلك الحين تقدمت بشكاوى ضدهم في المحاكم بعد حصولي على الجنسية السعودية لمطالبتهم بحقي في حضانة ابنتي واستلام أوراقها الرسمية، ولم استطع الحصول على الوصاية إلا بعد خمس سنوات من متابعة قضيتي في المحكمة وآمل أن أحصل على حقوقها المالية وحقنا في ميراث زوجي».

أما السيدة ( ك. ل)، وهي سعودية مطلقة لديها قضية منظورة في المحكمة الشرعية مع زوجها، فلها قصة أخرى تحكيها في قولها «انفصلت عن زوجي منذ سنة تقريبا، وقام بحرماني من أبنائي الأربعة منذ طلاقنا، حتى أن أصغرهم لم يتجاوز الرابعة من العمر، وقد حاول أهلي أن يوسطوا بيننا من يحل الأمر، إلا ان زوجي مصر على الرفض». وتضيف: «قضيتي تدور في المحكمة منذ 9 اشهر، ولم يبت فيها، بل المشكلة الكبرى أن طليقي يتغيب عن معظم الجلسات بحجج مختلفة تؤخر القضية، فهو يحاول ان يتعبني من خلال تطويل القضية ومماطلته وبالتالي أتخلى عن هذه القضية».

من جهته، طالب المتخصص الاجتماعي بوزارة التربية والتعليم محمد بن صالح السعدي، المحاكم الشرعية بـ«سرعة البت في القضايا الأسرية التي يكون الاطفال طرفا فيها، ليتم تحجيم الآثار النفسية التي تنتج ويواجهها الطفل مستقبلا في حياته، وحتى لا تشكل منه شخصا عدوانيا او مجرما بفعل تلك الضغوط التي قد لا تظهر نتائجها مباشرة».

وتأييدا لهذا الطرح، قالت المتخصصة النفسية بوزارة الصحة حليمة السليمان إن «آثار الاحداث التي تمر بالطفل في حياته قد لا تظهر مباشرة، ولكنها تبقى احيانا مختفية داخل عقله الباطن وربما تدمر مستقبله من دون ان يشعر حتى المقربون منه احيانا»، مشيرة الى أن «قضايا الاطفال في المحاكم او الخلافات الاسرية تحتل جزءا كبيرا من تلك الاثار التي تظل عالقة في ذاكرة الطفل».

لكن الشيخ عبد الله العثيم رئيس المحكمة الجزائية بجدة، نفى تأخير القضايا الزوجية، واصفا الزعم بوجود قضايا زوجية أو خلافات أسرية متأخرة لم يتم البت فيها في المحاكم لعدة سنوات، بأنه «أمر غير صحيح». واستدرك الشيخ العثيم قائلا ان «هناك قضايا تأخذ وقتا طويلا أحيانا، بسبب قلة القضاة وكثرة القضايا، ولكن لا تأخير للقضايا الزوجية، حيث أن أطول قضية من هذا النوع قد تأخذ سنة واحدة، خاصة إذا كان هناك أطفال في القضية». وأضاف: «الاطفال ليسوا في الشارع، فهم في الغالب مع الزوج أو الزوجة لحين البت في القضية والحكم لأحدهما، وخاصة أن معظم قضايا الخلافات الزوجية تتعلق بالحضانة والنفقات»، موضحا أن «القضايا المالية والمحاسبية فقط هي التي تأخذ وقتا طويلا، لأن فيها تدقيقا وبحثا ومسائل أخرى كأن يتغيب أحد الأطراف تارة عن الجلسة أو تؤجل أخرى وهذا ما قد يطيل في القضية قبل أن يتم البت فيها».

وبالعودة الى المتخصص الاجتماعي السعدي يؤكد أنه «بدراسة الحالات الإجرامية يتبين لنا بعد البحث والتقصي أن المجرم كان يعيش في بيئة غير مستقرة وفي مناخ اسري غير جيد مشحون بالخلافات والمشاكل وكذلك الأمر في المدارس والدور التعليمية فمعظم الاطفال المتأخرين دراسيا تجد انهم يعانون من مشاكل أسرية».

وقال الدكتور طلعت وزنة من وزارة الشؤون الاجتماعية: «هناك لجنة تم استحداثها في وزارة الشؤون الاجتماعية أخيرا مهمتها متابعة حقوق الطفل والمرأة وكبار السن، رجالا ونساء»، مرجعا أسباب استحداث تلك الجهة الى «تزايد حالات الاعتداء على الاطفال بشتى انواعها وعلى حقوقهم، وكذلك الحال فيما يتعلق بالمرأة وكبار السن».