تعيينات وتشريعات بريمر تقيد يد الحكومة المؤقتة وتنشئ نظاما داخل النظام

المنتقدون يعتبرون بعض التشريعات «مثالية» ولا تتلاءم مع حالة بلد عاش في ظل الدكتاتورية لأكثر من 35 عاما

TT

اصدر بول بريمر رئيس ادارة سلطات التحالف مجموعة من القرارات تهدف الى مراجعة النظام القانوني العراقي وعين ما لا يقل عن عشرة عراقيين لوظائف حكومية سعيا لتعزيز مفاهيمه الخاصة بالحكم تستمر في تاثيرها لفترة طويلة بعد تسليم السلطة للعراقيين يوم الاربعاء المقبل.

وبعض من القرارات الجديدة التي اصدرها بريمر ستبقى ذات مفعول سار الا اذا ألغتها الحكومة الانتقالية وهي تقنن من السلطات المتوفرة للحكومة الانتقالية وتفرض قواعد اميركية لعملية التحول الديمقراطي. ومن بين اكثر القرارات المثيرة للجدل الخاصة في تفعيل قانون الانتخابات الذي يعطي للجنة المتكونة من سبعة اشخاص السلطة لاسقاط حكم الترشيح لأي حزب او لأي من المرشحين الذين يؤيدون ذلك الحزب.

ويمكن لبعض النظم التي اصدرها بريمر ان تستمر فترة اطول. فهو قد اصدر قرارا يجعل تعيين مستشار الامن القومي ورئيس دائرة الاستخبارات بيد رئيس الوزراء اياد علاوي الذي اختاره بريمر، وستكون فترة احتلال هذه المناصب محددة بخمسة اعوام وهذا ما سيفرض اختيارات علاوي على الحكومة المنتخبة التي ستأخذ مقاليد الحكم السنة المقبلة.

كذلك عين بريمر عراقيين تم اختيارهم على يد مساعديه لاحتلال مناصب مؤثرة على الحكومة الانتقالية. فقد عين مفتشين عامين كي يحتلوا مواقعهم لمدة خمسة اعوام ولكل وزارة. وشكل لجانا ووضعها في مناصبها كي تقوم بتنظيم المواصلات والاعلام العام واسواق السندات المالية. وعين مفوضا للنزاهة العامة والذي ستكون لديه السلطة لتحويل المسؤولين المتهمين بالفساد للمحاكمة.

وقام بعض العراقيين بادانة قرارات بريمر وتعييناته، معتبرين اياها وسيلة لفرض السيطرة الاميركية على البلد بعد نقل السيادة للعراقيين. وقال محمود عثمان احد اعضاء مجلس الحكم السابق «انها تنشئ نظاما للتدخل في قضايانا. يجب ان يقرر العراقيون الكثير من هذه القضايا».

لكن بريمر دافع عن اصداره لهذه القرارات، معتبرا اياها ضرورية لتطبيق الاصلاحات الديمقراطية وتجديد النظم القانونية العراقية المتقادمة. وقال انه يرى تعيين مفتشين عامين للوزارات وتأسيس لجان مستقلة والتغييرات على القانون العراقي كخطوات مهمة لمحاربة الفساد والمحسوبية وهذا بدوره سيساعد على تشكل المؤسسات الديمقراطية.

وقال بريمر «انت تضع هذه الامور ثم تبدأ بتطوير حياة وزخم لوحدهما لاحقا وسيكون عسيرا قلب اتجاه هذا المسار».

وكان بريمر قد اصدر يوم 14 يونيو (حزيران) 97 قرارا قانونيا تم تحديدها وفق ادارة سلطات التحالف باعتبارها «تعليمات ملزمة او توجيهات للشعب العراقي» ستبقى سارية المفعول حتى بعد انتقال السلطة السياسية للعراق. فلاضافة اي فقرة جديدة لقانون الدولة الانتقالي يتطلب مصادقة اكثرية الوزراء في حكومة علاوي اضافة الى مصادقة رئيس الجمهورية ومساعدَيه. واشار مسؤول اميركي رفيع الى انه «لن يكون سهلا إلغاء أي من قرارات بريمر».

ويبدو انه من غير المتوقع ان يتم الالتزام بكل القرارات. فالكثير منها مثالية لكنها قد تكون محاولة يائسة لفرض النظام القضائي الغربي والمفاهيم الاقتصادية الاجتماعية الغربية على بلد محكوم بالتقاليد بعد حكم 25 عاما من النظام الديكتاتوري.

فهو بلد ظل لفترة طويلة خاليا من نظام ضريبي لا يدفع الا القليل من الناس فيه اي ضريبة، وحيث الكثير من نسخ الافلام والموسيقى مزورة وحيث الاطفال فيه يشتغلون وحيث قوانين المرور غير ملتزم بها، كما اشار بعض العراقيين.

كذلك تمنع بعض النظم التي اصدرها بريمر الاعضاء السابقين في الجيش العراقي من تقلد منصب حكومي لمدة 18 شهرا بعد تقاعدهم او استقالتهم من الجيش، وفرض حكم لا يقل عن 30 عاما على الافراد الذين يمسكون وهم يبيعون الاسلحة مثل القنابل اليدوية ومنع افراد الميليشيات السابقة التي ادمجت في القوات المسلحة من تاييد مرشحين سياسيين معينين او دعم حملاتهم الانتخابية. كذلك فعل قانونا متكونا من 76 صفحة ينظم الشركات الخاصة ويصلح القانون الخاص بالتصاميم الصناعية لحماية تصاميم الرقائق الدقيقة (ميكروتشبس). وتهدف هذه التغييرات الى تسهيل دخول العراق الى منظمة التجارة العالمية على الرغم من سيادة العنف الشديد فيه الذي منع من هبوط اي طائرة تجارية في مطار بغداد الدولي.

وحاولت بعض الاجراءات الجديدة تقديم بعض الاساليب الاميركية لمواجهة الجريمة. فالقانون الجديد لمكافحة غسل الاموال يطلب من المصارف الحصول على معلومات شخصية تفصيلية عن العملاء الذين يسعون لاجراء تحويلات نقدية بأكثر من 3500 دولار، بينما منح مفوض النزاهة العامة سلطات لمكافأة الذين يكشفون عن الممارسات الفاسدة، قيمتها 25 في المائة من المبالغ التي استعادتها الحكومة.

وفي بعض الحالات تبتعد اجراءات بريمر عن السياسات الداخلية لادارة الرئيس الأميركي جورج بوش. فقد اوقف حكم الاعدام، وحدد القانون الانتخابي الذي اعده حصة محكمة; مرشح من بين ثلاثة مرشحين في حزب ما يجب ان تكون امرأة.

وقد سخر العراقيون من بعض المتطلبات. فقد رفض قضاة المحكمة الجنائية المركزية للعراق الذين عينهم بريمر، فرض حكم بالسجن لفترة اقصاها 30 سنة على من يضبط ومعه قنبلة او اسلحة اخرى. وفي الوقت ذاته، يعترف العديد من السياسيين العراقيين ان حظر حكم الاعدام كان خطأ. واشار العديد الى انهم سيضغطون من اجل اعادة حكم الاعدام بعد نقل السلطة السياسية.

وقال نبيل البياتي المفتش العام لوزارة الكهرباء، المسؤول عن القضاء على الفاقد والفساد والاستغلال، «هناك بعض الشكوك بخصوص مهمتي». واضاف ان الناس في وزارته «لا يفهمون ذلك حتى الآن».

وفي الوقت نفسه ذكر سيامند عثمان المدير التنفيذي للهيئة العراقية للاتصالات والاعلام، انه تم تعيين موظفين في الهيئة قبل ثلاثة اسابيع. واضاف «انه لو تم تشكيل الهيئة قبل 6 اشهر مثلا، لكنا في موضع اكثر امنا مما نحن عليه اليوم. ولكان لدينا 6 اشهر لإثبات ولإظهار للعراقيين قيمتنا وما يمكننا القيام به، ومدى اهمية هذه الهيئة».

وفي الاسابيع الاخيرة اصدر بريمر سلسلة اوامر تهدف الى وضع اجراءات لعدد من القضايا المثيرة للجدل، بما في ذلك مستقبل استخدام المواد المشعة، والنزاعات بين الاكراد والعرب في مجال العقارات والانتخابات القومية المتوقعة في شهر يناير (كانون الثاني).

ففي 15 يونيو وقع بريمر امرا بتأسيس الهيئة التنظيمية للمواد المشعة باعتبارها وكالة مستقلة تنظم استخدام المواد المشعة في العراق. ويحظر قراره، حتى بعد نقل السيادة، اية نشاطات تتعلق بالمواد المشعة فيما عدا متطلبات تحددها الوكالة.

وفي 19 يونيو، وفي اطار جهود لمنع علماء الاسلحة العراقيين من العمل لحساب دول اخرى، شكل بريمر مؤسسة برامج حظر الانتشار العراقية، وهي منظمة شبه حكومية تشكلت لتقديم منح وعقود لأشخاص عملوا في برامج صدام حسين للأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية. وخصص بريمر منحة قدرها 37.5 مليون دولار لدفع نفقات العلماء لحضور مؤتمرات دولية بحيث يمكن اعادة تدريبهم للعمل في اطار برامج غير عسكرية.

وفي 28 مايو اصدر بريمر امرا بتشكيل قوة عمل خاصة لتعويض ضحايا النظام السابق. وتعمل القوة التي عينها بريمر على التوصل الى وسائل لتحديد عدد الضحايا، وتقدير تعويضات عادلة والتوصية بنظام يمكن عن طريقه المطالبة بالتعويضات، واصدار احكام بشأنها. وتم تخصيص وقف قيمته 25 مليون دولار من دخل النفط لاستخدامه لتعويض الضحايا وعائلاتهم.

غير ان اكثر اوامر بريمر اثارة للجدل هو قانون الانتخابات، الذي وقعه في 15 يونيو. فالقانون ينص على عدم ارتباط اي حزب بميليشيا او الحصول علي مال منها. كما يطالب ايضا الهيئة الانتخابية بوضع قواعد سلوكية يمنع المرشحين من استخدام «لغة الكراهية، والاستفزاز ودعم، ممارسة واستخدام الارهاب».

ويهدف القانون، الموقع في العام الماضي، الى وضع اطار وسياسات ستحكم الانتخابات العامة التي ستجري في العام المقبل لانتخاب مجلس نيابي من 275 نائبا. ولكن خبراء الانتخابات في العالم العربي، شككوا في كيفية استقبال بعدما يعلم الجميع بمضمونه. ويتكهن البعض بتحدي تلك الاجراءات وربما تتجاهلها الحكومة المؤقتة.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»