طباع العراقيين تثير دهشة جندي أميركي: الرصاص قد يأتي من سطح المنزل ولكن ذلك لا يمنع أهله من تقديم الشاي

TT

خلال فترة زادت عن عام في العراق شاهد السيرجنت ديفيد تايلور العديد من العراقيين، عبر دباباته من طراز «ام 1 ابرامز» مثلما شاهدهم وجها لوجه. ولكن ما شاهده بالضبط لا يزال يثير دهشته.

فقد كان قائد الدبابة من الفرقة المدرعة الاولى يعمل في اطراف بغداد في منطقة مدينة الصدر الفقيرة معظم العام الماضي، ولكن في اواخر ابريل (نيسان) نقل الى كربلاء الواقعة على بعد 60 ميلا جنوب غربي بغداد للمساعدة في القضاء على تمرد مسلح، فيما تحول الى اصعب معارك في الفترة التي قضاها هناك. ففي يوم من الايام قبل عدة شهور، نقل رجاله كميات ضخمة من الاتربة الى حي شعبي في بغداد لاعداد ملعب للكرة متهالك وسط الحرب، وفي بعض الاحيان خارج نطاق مسؤوليات قائد دبابة.

وعندما عادوا في اليوم التالي لإنهاء العمل، اكتشفوا ان الاتربة اختفت.

وقد عمل جنود الفرقة المدرعة الاولى طوال 15 شهرا من الاحتلال الاميركي للعراق على تحييد بلد يستشفي من عقود طويلة من الدكتاتورية والغزو.

وقد واجهوا تمردا تمثل في 60 يوما من المعارك في الجنوب الشيعي، لا تقل كثافتها عن أي معركة اخرى منذ بداية الحرب. وخلال اقامتهم، لقي 97 من رجال الفرقة حتفهم في معارك واصيب اكثر من ألف، وبذلوا جهدا كبيرا في محاولة لتوضيح ادراكهم لكل عراقي اعتقدوا انهم حضروا لمساعدته.

وقد ترك الوقت الذي قضوه هناك للعديد من الجنود من سائقي الدبابات الى قادة الفصائل الشباب، صورة مشوشة للعراقيين الذين لم يحملوا السلاح ضدهم. ويتذكر العديد منهم احداثا تدل على الطيبة من جانب افراد عراقيين. الا انهم يعترفون بأن التكتيكات المستخدمة ضد التمرد، في الوقت الذي قتلوا فيه العديد من مقاتليه، خلقت عداوات جديدة مع المدنيين.

وعبر الجنود عن قلقهم بخصوص مسيرة البلاد وهم يستعدون للرحيل بعد تسليم السلطة المحدود في 30 يونيو (حزيران). واوضح العديد من الجنود ان ذلك سيحدده العديد من العراقيين العاديين الذين يبدون في الوقت الراهن اقل عزيمة على التأثير على مستقبل البلاد من المتمردين.

ويقول الليفتنانت تيم هوغان ضابط الشرطة العسكرية، 25 سنة، «لكيلا اكون ساخرا، لا نعرف عما كنا نثق بالحكومة الجديدة ام لا».

ففي اواخر ابريل من العام الماضي وصلت الفرقة الى بغداد لتنفيذ «عمليات استقرار» في اعقاب حرب سريعة. وفي الاسابيع الاولى وقع بعض اطلاق النار، معظمها في الاحياء المتعاطفة مع النظام السابق. وتلا ذلك مسؤوليات بناء الأمم ، مثل ملعب الكرة، وهي المهام التي استهلكت جهد الجنود.

وكما ارهقت الاحباطات اليومية لنقاط التفتيش العسكرية واغلاق الطرق وعمليات القبض على العراقيين، فإن تفجيرات حافة الطريق عرضت الجنود للاصابات والقتل. فقد تعرض الكابتن جون دن، 31 سنة، وهو قائد سرية، الى خمس قنابل حافة طرق خلال وجوده في بغداد مما حدا بجنوده الى اطلاق اسم «مجس المعادن» عليه. الا ان التمرد تغلب على الادراك المتعلق ببناء الامم الذي تشكل في العام الماضي. فبعد اسابيع من المعارك تحت غطاء الظلام، وجد الليفتنانت جون سيلك نفسه في معركة خلال ساعات النهار. وفي اواخر شهر مايو (ايار)، وصلت فصيلة سيلك الى الكوفة، وهي معقل من معاقل الميليشيا المعادية للأميركيين التي يقودها مقتدى الصدر. وكانت مهمة القوات هي اختبار هدنة اعلنت قبل ايام.

وسقطت عليهم طلقات من فوق اسطح المنازل، مما اكد ان وقف اطلاق النار لم يستمر. وبحثا عن وسيلة للتغلب على تلك النيران اقتحم سيلك ورجاله منزلا خاصا، واعتذروا لاصحاب البيت وصعدوا للسطح لاتخاذ مواقع.

وقال «اعتقدت انهم سيشعرون بالغضب. وفجأة بدأوا يقدمون لنا الطعام والشاي ونحن نقاتل».

واحتدمت المعركة في الشارع. وترك سيلك ورجاله ضيافة الاسرة العراقية وانضموا الى المعارك. وخلال المعارك اشتبكوا في معارك وجها لوجه. الآن ان سيلك ورجاله تلقوا مفاجأة كانت تخفيها المعارك التي تجري في الظلام.

واوضح سيلك «عندما عدنا الى المعسكر بعد ظهر ذلك اليوم، كنا نرتجف. فقد كانت المرة الاولى التي شاهدنا فيها تأثير مدافعنا».

وكان الكابتن جيف رايت الذي يقود سرية دبابات في المعركة مع ذلك اليوم في الكوفة، وقد دهش هو الآخر عندما شاهد وجوه افراد العدو، اصغر بكثير مما كان يتخيل.

واشار العديد من الجنود ان التكتيكات التي استخدمها المتمردون شكلت، سلبا او ايجابا، نظرتهم للعراقيين الذين ليسوا جزءا من تلك العمليات. وقد تعرض الجنود لهجمات من فوق اسطح المستشفيات ومن الفصول الدراسية. وتحولت المساجد الى ترسانات للأسلحة ونقاط انطلاق للغارات. وكان القناصة يختبئون فوق النخيل.

واوضح السيرجنت روبرت ماكبرايد الذي شارك من قبل في حرب الخليج «كانت لديهم فكرة طيبة عن المكان الذي يريدون منا ان نقاتل فيه».

غير انه نادرا، ومع احتدام الانتفاضة، ما تقدم مدنيون عراقيون بمعلومات لانقاذ الجنود من غارة او الكشف عن مخزن اسلحة. ويرجع جزء من السبب الى الخوف.

واوضح الكابتن جون مور، وهو قائد سرية دبابات، انه بعد اسابيع من المعارك بالقرب من مسجد صلاح خرج السكان لتحية الجنود. غير انهم لم يقدموا اية مساعدات خلال المعارك، ولكن يبدو، بالنسبة لمور، ان شعبيتهم الجديدة منطلقة من انتصارهم الواضح.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»