مسؤولون: الرئيس الأميركي تعرض لضغوط من المسؤولين الأتراك لقمع أكراد تركيا في شمال العراق

بوش يؤكد أنه «سيحارب» لمساعدة أنقرة للانضمام للاتحاد الأوروبي وإجراءات أمنية مشددة في اسطنبول استعدادا لقمة الناتو

TT

كشف مسؤولون اتراك واميركيون ان الرئيس الاميركي جورج بوش تعرض لضغوط من جانب القادة الاتراك الذين اجرى معهم مباحثات في انقرة امس، بسبب المخاوف التركية المتصاعدة من تحركات الاكراد العراقيين في شمال العراق، واحتمال أن يؤجج ذلك نزعات انفصالية لدى اكراد جنوب شرقي تركيا، واوضح المسؤولون ان الاوضاع في العراق، خاصة في المناطق الكردية، والدور المقرر ان تلعبه قوات حلف شمال الاطلسي (ناتو) في تدريب الشرطة العراقية والمساعدة في الحفاظ على الأمن هناك كانا على رأس القضايا التي بحثها بوش في انقرة، اضافة الى موضوع انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الاوروبي. ويأتي ذلك فيما وصل وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري الى اسطنبول امس لاجراء محادثات مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي وصل الى اسطنبول ايضا لاستقبال الوفود المشاركة في قمة الناتو، وقال مصدر في وزارة الخارجية التركية انه يتوقع ان يجتمع زيباري كذلك مع وزير الخارجية الاميركي كولن باول ونظيره البريطاني جاك سترو.

وقال المسؤولون الذين رفضوا الكشف عن هوياتهم ان تركيا طالبت القوات الاميركية بقمع المتمردين الاكراد الاتراك الذين ينشطون من قواعد بشمال العراق، غير انهم لم يدلوا بتفاصيل حول رد واشنطن على هذا المطلب، وذكر المسؤولون ان الجيش التركي لديه مطالب اخرى تتعلق بالوضع في كردستان العراق، غير انهم لم يدلوا بتفاصيل اخرى. وكانت مصادر مطلعة قد قالت ان انقرة تبحث كل الخيارات لمنع سيناريو التحالف بين اكراد العراق وتركيا، بما في ذلك التدخل بنفسها لقمع الاكراد، غير ان المصادر اكدت ان واشنطن رفضت تماما هذا السيناريو، مؤكدة ان من شأنه ان يزيد تعقيد الامور في المنطقة. وكانت تقارير صحافية قد كشفت الاسبوع الماضي ان انقرة «ينتابها قلق بالغ بعد تسريبات مفادها ان اكراد العراق يتلقون تدريبات بهدف تشكيل ميليشيات مسلحة للتصدي للشيعة في حالة لم يعط الاكراد حق النقض «الفيتو» على الدستور العراقي الدائم، الذي يخشى الاكراد ان لا يلبي طموحاتهم السياسية». وقال مسؤولون من الاستخبارات الاميركية ان اكثر ما يقلق تركيا هو ان ينفذ الاكراد تهديدات اطلقوها قبل فترة بالاستيلاء علي مدينة كركوك الشمالية الغنية بالنفط كرد على احتمال ان لا يدعم الاميركيون مطامحهم السياسية. وتشعر تركيا بقلق شديد من احتمال أن يثير الحكم الذاتي لخمسة ملايين كردي عراقي مطالب مماثلة في اوساط الاكراد الاتراك البالغ عددهم 12 مليونا.

وفيما تركز جميع الاطراف على تسليم الولايات المتحدة السلطة رسميا لحكومة عراقية مؤقتة يوم 30 يونيو (حزيران) الجاري قال عبد الله غول وزير الخارجية التركي الاسبوع الماضي «يجب ألا يسمح ابدا بتقسيم العراق». وتواجه القوات التركية تصاعدا في الاشتباكات مع المتمردين الاكراد في جنوب شرقي البلاد بعدما الغى المتمردون هدنة من جانب واحد استمرت ستة أعوام وتقول ان الفي مقاتل كردي عبروا الى تركيا من مخابئ في شمال العراق.

الى ذلك، قال بوش في بداية محادثاته مع اردوغان في العاصمة انقرة «اقدر كثيرا المثال الذي تقدمه بلادكم لكيف يمكن ان تكون الدولة اسلامية وفي نفس الوقت تؤمن بالديمقراطية وحكم القانون والحرية». واعرب الرئيس الاميركي عن تأييده لجهود تركيا للانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وقال في بيان مقتضب قبيل محادثاته مع رئيس الوزراء التركي «سأذكر الناس في هذا البلد الطيب انه يجب ان يقدم الاتحاد الاوروبي تاريخا لقبولكم في الاتحاد الاوروبي»، واضاف انه سيحارب من اجل انضمام تركيا للاتحاد. كما اكد ان محادثاته مع اردوغان تركزت على العلاقات الثنائية وسبل تقوية الناتو والقضايا الاقليمية ومن بينها الوضع في العراق المجاور. وقال بوش في مقابلة قبل مغادرة واشنطن مع شبكة التلفزة التركية «ان.تي.في» ان زيارة انقرة ترمي الى «اعادة تأكيد الاهمية التي توليها بلادنا لعلاقاتها» مع تركيا. ومن ناحيته، اعرب اردوغان عن سعادته بزيارة بوش الى تركيا لاول مرة. وقال قبل الاجتماع بينهما «آمل ان تكون المحادثات التي سنجريها حول المنطقة والعلاقات التركية الاميركية مفيدة للبلدين».

وعقب المباحثات بين بوش واردوغان حضر بوش غداء عمل مع الرئيس التركي احمد نجدت سزر قبل توجهه الى اسطنبول لحضور اجتماعات قمة الناتو التي تستغرق يومين وتبدأ اليوم بحضور 46 من رؤساء الدول والحكومات. ومن المتوقع أن يدعم قادة الناتو اليوم الاتفاق الذي توصل اليه مبعوثو الدول الاعضاء بصعوبة اول من امس يقوم بمقتضاه الحلف بتدريب قوات الأمن العراقية الجديدة. وتم التوصل للاتفاق بعد ثلاث جولات من المفاوضات العصيبة. ويفتقر الاتفاق الى التفاصيل ولا يحقق هدف واشنطن الاصلي بارسال قوات من الحلف الى العراق. وقال مسؤولون اميركيون انهم يواصلون الحوار للاستجابة للمخاوف القائمة التي اثارت فرنسا معظمها.

وقبل ساعات من وصول بوش، كانت العاصمة التركية مسرحا لتظاهرة معادية للاميركيين ضمت حوالي خمسة الاف شخص احتجوا على الحرب في العراق. ومنعت حركة السير في الشوارع الرئيسية في انقرة بسبب الاجراءات الأمنية المتخذة لمناسبة زيارة الرئيس الاميركي، وحلقت مروحيات فوق المدينة في حين انتشر رجال شرطة مكافحة الارهاب عند المحاور الرئيسية. وسيرت الشرطة دوريات في العاصمة. كما قامت شرطة انقرة بتعبئة نحو 10 آلاف رجل. كما احتشد عشرات الاف الاشخاص امس على الضفة الشرقية من اسطنبول احتجاجا على قمة الناتو وضد وصول الرئيس الاميركي. وهتف المتظاهرون الذين قدر عددهم بنحو 40 الف شخص «ايها الاميركيون عودوا الى دياركم، هذا البلد بلدنا» و«الولايات المتحدة المجرمة، غادري الشرق الاوسط» و«اسطنبول تغلق ابوابها امام الحلف الاطلسي». وارتدى عدد كبير من المتظاهرين تي ـ شيرت كتب عليها «بوش، لا تأتي» و«الحلف الاطلسي منظمة حربية يجب حلها».

وسار المتظاهرون من دون حوادث من محطة حيدر باشا، وهي نقطة انطلاق القطارات الى الاناضول، حتى ساحة كاديكوي، في حين منعهم المئات من رجال الشرطة المدعومين بآليات مدرعة، من الوصول الى الشوارع الجانبية.

وقد عززت السلطات التركية التدابير الأمنية الاستثنائية لمناسبة زيارة بوش وقمة الحلف بعد سلسلة تفجيرات استمرت لاكثر من اسبوع استهدفت انقرة واسطنبول، واسفر انفجار قنبلة وضعت الاسبوع الماضي على متن حافلة في اسطنبول قبل اوانها عن سقوط اربعة قتلى و21 جريحا، كما انفجرت قنبلة عند الفندق الذي ينزل فيه بوش في انقرة مما ادى الى اصابة ثلاثة اشخاص بجروح. وتتوج زيارة بوش التقارب في العلاقات مع الحكومة التركية والتي توترت في العام الماضي اثر رفض البرلمان التركي السماح للقوات الاميركية بمهاجمة العراق من قواعد بالاراضي التركية، وسعت حكومة اردوغان الى الحد من الخلافات مع واشنطن حول العراق بموافقتها في الخريف على المشاركة في القوة العسكرية الدولية المنتشرة في العراق. لكن المسؤولين العراقيين انفسهم، ولا سيما منهم الاكراد، عارضوا هذا المشروع بشدة مما دفع تركيا للتراجع عنه. وتتخوف انقرة من ان تشجع واشنطن اكراد العراق في بحثهم عن حكم ذاتي في حال تفتت الدولة العراقية. ومن ناحيتها تتخوف واشنطن من تدخل تركي في شمال العراق في هذه الظروف.

الى ذلك، قال رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني ان رفض الاتحاد الاوروبي تحديد موعد لبدء محادثات تركيا للانضمام لعضويته سيكون خطأ تاريخيا.

وفي حديث قبل زيارته لاسطنبول لحضور قمة الناتو، صرح برلسكوني لصحيفة صباح اليومية التركية «انا متأكد أن احباط آمال الشعب التركي سيكون خطأ تاريخيا كبيرا جدا. اقول ذلك لان مصلحة اوروبا ضم تركيا»، وتابع «كنت من مؤيدي تركيا في اوروبا دائما ربما أكون أكثر مؤيديها حماسة وصلابة». وتربط برلسكوني صداقة شخصية وثيقة برئيس الوزراء التركي طيب اردوغان وحضر حفل زواج ابنه في الصيف الماضي.

ومن المقرر ان يتخذ قادة الاتحاد الاوروبي قرارا في ديسمبر (كانون الاول) يحدد ما اذا كانوا سيبدأون مفاوضات رسمية مع تركيا لضمها للاتحاد. وتدعم ايطاليا والمانيا وبريطانيا بقوة مساعي انقرة للانضمام الى الاتحاد الاوروبي غير ان المعارضة المحافظة في المانيا والحزب الحاكم في فرنسا ابديا شكوكا بشأن عضوية تركيا.