«سي. آي. إيه» توقف استخدام تقنيات قاسية في التحقيقات بدئ بها مع قياديين من «القاعدة» كشفا عن مخطط تفجير في اليمن وقادا إلى اعتقالات أخرى

TT

علقت وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي. آي. ايه) بعض تقنيات الاستجواب القاسية، التي كان البيت الابيض قد اجازها، في انتظار درسها من قبل وزارة العدل وخبراء قانونيين آخرين في الادارة الاميركية، حسبما افاد مسؤولون استخباراتيون.

وتشمل «اساليب التقرير المشددة» كما تسميها «سي. آي. ايه»، الشروع في اغراق السجناء ورفض اعطائهم الادوية المزيلة للألم او المداوية للجروح. وقد استخدمت هذه الاساليب للحصول على معلومات من قياديين في تنظيم «القاعدة» مثل ابو زبيدة وخالد شيخ محمد.

وقال مسؤولون سابقون وحاليون في «سي. آي. ايه» ان تعليق العمل بهذه الاساليب يعكس مخاوف الوكالة من اتهامها باستخدام اساليب غير قانونية، مثلما حدث لها في السبعينات. ويشمل القرار اماكن الاحتجاز التابعة للوكالة، مثل تلك المؤسسات التي تستخدمها في التحقيق مع المتهمين من قادة «القاعدة» واتباعها، في كل انحاء العالم، ولكنها لا تشمل السجون العسكرية، مثل غوانتانامو والسجون المشابهة. وقال مسؤول سابق في «سي. آي. ايه» وهو يعلق على هذا القرار: «اصبح كل شيء معلقا. وقد جمدت كل الاجراءات حتى نتأكد تماما اننا نقف على ارضية قانونية صلبة».

وستستمر تحقيقات «سي. آي. ايه» ولكن بدون استخدام الاساليب المشار اليها فضلا عن اساليب اخرى مثل الشروع في الخنق، والاوضاع الصعبة والازعاج بالاصوات المرتفعة والاضواء القوية، والحرمان من النوم وخداع السجناء بأن حكومات اخرى هي التي تحقق معهم.

ويعتبر تجميد هذه الاساليب احدى نتائج الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون في سجن ابو غريب بالعراق، وهي مرتبطة بالقرار الصادر عن البيت الابيض، والذي صدر الثلاثاء الماضي، والقاضي بمراجعة واعادة صياغة موقف وزارة العدل الذي عبرت عنه مذكرة صدرت في الاول من اغسطس (آب) 2002، واجازت استخدام التعذيب في بعض الحالات.

وترجع جذور الجدل القانوني الدائر حول اساليب التحقيق التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية، الى ميادين القتال في افغانستان، والتحقيقات السرية في مجال مكافحة الارهاب في باكستان، كما ترجع الى قرار الرئيس جورج بوش اتباع اساليب غير تقليدية في مطاردة عناصر «القاعدة». وقد وافقت على اساليب التحقيق هذه وزارة العدل ومحامو مجلس الأمن القومي، عام 2002، كما عرضت في افادات امام اعضاء الكونغرس وهي، كما قال بعض مسؤولي الاستخبارات ذوي الالمام بكيفية اتخاذ القرار، اقتضت موافقة مدير الوكالة السابق جورج تينيت.

وقال احد كبار ضباط سلاح البحرية (المارينز) المرتبطين بالتحقيقات مع المعتقلين: «عندما بدات وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الدفاع (البنتاغون) في القبض على عناصر القاعدة في افغانستان، لم يكن لديهم محققون ولا قواعد محددة يمكن الالتزام بها ولا اماكن يمكن ان يضعوهم فيها».

اما مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي)، الذي كان الوكالة الوحيدة التي تملك كوادر مكتملة من المحققين نتيجة لتجاربها مع شبكات المجرمين داخل الولايات المتحدة، فقد صار له زمام المبادرة في التحقيقات. لكن في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2001، القي القبض على احد كبار قادة «القاعدة» كان يدير معسكر تدريب في افغانستان يدعى «خالد. ن»، من قبل القوات الباكستانية، وسلم الى القوات الاميركية في يناير (كانون الثاني) 2002. وقد فجر اعتقال بن الشيخ الليبي، اول جدل حقيقي حول التحقيقات. وكانت (سي. آي. ايه) تنوي استخدام عدة اساليب، منها تهديد حياته واسرته. لكن مكتب المباحث رفض استخدام هذه الاساليب، وكان يريد المحافظة على سلامة التحقيقات واستقامتها حتى يمكن استخدامها كأدلة امام المحاكم.

وقد ادلى بن الشيخ الليبي الى مستجوبيه من «سي. آي. ايه»، بمعلومات حول مخطط مفترض لتفجير سفارة الولايات المتحدة في اليمن، باستخدام شاحنة مليئة بالمتفجرات، واشار الى مسؤولية ابو زبيدة، احد كبار قادة «القاعدة» ممن كانت لهم علاقة بمخطط هجمات 11 سبتمبر (ايلول)، عن مخطط التفجير. وفي مارس (آذار) 2002، القي القبض على ابو زبيدة، فتجدد الجدل حول اساليب التحقيق بين «سي. آي. ايه» ومكتب «اف. بي. آي». في هذه المرة وعندما قرر مدير «اف. بي. آي» روبرت مولر، انسحاب المكتب من التحقيقات، ساد اعتقاد بان النزاع حسم بطريقة ما.

وقال مسؤول كبير في مجال مكافحة الارهاب بمكتب المباحث: «بمجرد اعطاء «سي. آي. ايه» الضوء الاخضر، تحول الدور الاساسي اليهم».

وكان ابو زبيدة قد اصيب برصاصة في اسفل البطن، اثناء عملية القبض عليه في باكستان. وقد اقترح ضباط الأمن القومي الاميركي استخدام الادوية المزيلة للألم بصورة انتقائية معه اثناء الفترة الاولى لاعتقاله، حتى وافق على التعاون الكامل في التحقيقات. وقد ساعدت الافادات التي ادلى بها في الوصول الى اعضاء آخرين من «القاعدة»، بمن فيهم رمزي بن الشيبة الذي اعتقل كذلك في باكستان. وكان اعتقال بن الشيبة وغيره من قادة «القاعدة»، مثل عمر الفاروق في اندونيسيا، وعبد الرحيم النشيري في الكويت، قد جاء نتيجة التحقيقات التي اجريت مع معتقلين آخرين من «القاعدة». وما يزال هؤلاء الثلاثة في حراسة وكالة الاستخبارات المركزية.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»