غربيون في السعودية: هاجس الإرهاب يلاحقنا لكننا مطمئنون للإجراءات الأمنية وحياتنا آمنة

TT

هاجس الخوف من الإرهاب يلاحقهم خلف جدران منازلهم، وفي ممرات الأسواق، وعلى أرصفة الطرقات، حتى اصبحوا عندما يسيرون يتلفتون يميناً ويساراً، ويترددون في الوقوف امام إشارات المرور، ويسلكون في كل يوم طريقاً مختلفاً عن طريق الأمس. هذا جزء من حقيقة مؤلمة يحكيها بعض المقيمين الأجانب من الغربيين في السعودية، على خلفية الأحداث الارهابية التي تنادي باستهدافهم وقتلهم.

الإرهاب غير كثيرا من برامج حياتهم، وفق تعليمات أمنية يتلقونها دوريا حفاظا على حياتهم، ورغم ذلك، فهم مؤمنون بأنهم سيستيقظون من هذا الكابوس قريبا، وهم مقتنعون بأن القضاء على الارهاب مسألة وقت ليس الا.

يقول الأميركي راندي جونسون المساعد التنفيذي بالمستشفى التخصصي في جدة: «تغيرت أشياء في حياتي. أصبحت اقلق عندما اقف عند أية إشارة مرور، اختار وادقق في الأشخاص الذين أتعرف عليهم واتعامل معهم. صرت اكثر حذرا، وحينما أمشي فإنني ألتفت يمينا ويسارا».

وتوافقه البريطانية ليندا جيب التي تعمل في قسم الأطفال بالمستشفى نفسه، وتقول: «لقد أصبحت أغير الطرقات التي أسلكها من والى المستشفى، وهذا ربما أهم ما تغير لدي». لكن ليندا ترفض مجرد التفكير في الرحيل وتقول: «لقد عشت 30 عاما خارج بلادي، 20 منها في أفريقيا و10 هنا في السعودية، ومهما ساءت الأمور هنا، فلن تكون أسوأ من أفريقيا».

بعض الغربيين لم يستطع الصمود، فحزم حقائبه ورحل، لكن الجزء الأكبر ما زال يتابع ليرى ما ستشرق به شمس الغد، وعلى ضوء ذلك سيقرر البقاء أو الرحيل. وهنا يعود الأميركي راندي جونسون قائلا: «لا أخفيك أن الوضع الحاصل مقلق، لكنه لم يصل الى الحد الذي يجعلني أفكر في المغادرة».

لكن الجراح الكندي جون قيرفن المغادر في نوفمبر (تشرين الثاني) القادم والذي طلب «مازحا» عدم نشر مكان عمله حتى لا يعرفه الإرهابيون، فقال: «ينتهي عقدي في نوفمبر القادم وسأغادر ولكن ليس بسبب الإرهاب، بل لأن عقدي مع المستشفى ينتهي». وأضاف: «أنا اعمل لمدة أسبوعين كل شهرين في الرياض، وقد لاحظت أن بعضا من الغربيين هناك غادروا».

ولم ينف الدكتور طارق لنجاوي المدير التنفيذي بالمستشفى التخصصي بجدة، مغادرة بعض الغربيين، وقال: «عدد الغربيين لدينا نحو 800 موظف، كلهم يعملون في القطاع الصحي، غادرت منهم نسبة بسيطة لا تتجاوز واحد في المائة فقط».

وسيكون رحيل الأجانب، اذا حدث، مشكلة بالنسبة للكثير من القطاعات، وفي مقدمتها القطاع الصحي. واكد ذلك الدكتور لنجاوي بقوله: «لا بد أن نعرف أن وجود الغربيين أو غير السعوديين لم يكن إلا لضرورة، فإذا تركوا العمل فلا شك أن المرضى سيتضررون وستطول قوائم الانتظار، خاصة إذا علمنا أن 90 في المائة من التمريض من غير السعوديين، كما أننا لن نستطيع استبدال هذه الطواقم من دولة إسلامية أو عربية بشكل عاجل».

ويضيف: «لا أشك أنه، وبعد الأحداث الأخيرة، فكر بعض الغربيين في العودة الى بلادهم وبعضهم قدم استقالته». لكنه أردف قائلا: «أنا واثق بأننا لن نصل الى تلك المرحلة بإذن الله، وستنتهي هذه الأحداث قريبا».

وقد كان قتل الاميركي بول جونسون في الرياض، على ايدي الارهابيين، القشة التي قصمت ظهر البعير، اذ كان لذلك المشهد، الذي تناقلته مواقع الإنترنت وقنوات تلفزيونية، الأثر الأكبر في نفوس الغربيين، وهو ما أشار إليه الأميركي راندي بقوله: «بعد حادث بول جنسون تغيرت أشياء كثيرة في حياتنا، حيث شاهدنا الإرهابيين في الشهرين الأخيرين يستهدفون الأفراد، لذلك أجبرنا على التغيير في بعض أمور حياتنا». وفي إشارة الى الحادث نفسه تقول البريطانية ليندا: «يفترض ألا تعرض صور القتل والنحر من خلال وسائل الأعلام لأنها تسبب قلقا لدى المشاهدين».

ويؤيد جون قيرفن هذا الطرح، وهو يتابع الأخبار أولا بأول من خلال صحيفته اليومية التي كانت تتدلى من جيب المعطف الابيض الذي كان يرتديه خلال اللقاء، ويقول: «من المخيف أن الإرهابيين في (الخبر) كانوا يسألون الأشخاص الرهائن هل انتم مسلمون أم لا، وكذلك الذين يشاهدون بشرتهم بيضاء كبشرة الغربيين، ومن ثم يقتلونهم. للأسف كل المواصفات تنطبق علي انا، فبرغم أنى لست أميركيا ولا بريطانيا إلا أن تلك المواصفات تنطبق علي».

المسؤولون عن الأمن، في القطاعات التي يعمل بها غربيون، يدركون حجم الخوف الذي يعيشه هؤلاء، ويقومون بأفضل ما لديهم لحمايتهم، وهم على استعداد للتضحية بأرواحهم إذا لزم الأمر. وقد اشار الى ذلك حسن محمد الغامدي المسؤول عن أمن المستشفى التخصصي بجدة، والضابط المتقاعد من أحد القطاعات العسكرية، بقوله: «لدينا احتياطات كاملة من أجهزة، وحراسات داخلية وخارجية، الى جانب التنسيق المباشر مع الجهات الأمنية، للمد بالمساندة المسلحة وقت الحاجة، لكن ولله الحمد لم يمر يوم واحد اشتكينا فيه من خطر يهدد أمن المستشفى أو واجهنا مشكلة أو القينا القبض على أحد لهذا السبب». وأضاف: «رجالنا مدربون على كل طرق العمل الأمني المختلفة، وبعضهم كانوا عسكريين سابقين، والبعض الآخر تم تدريبهم بشكل جيد». ويواصل الغامدي: «نستشعر خوف هؤلاء الأجانب ونتفهمه، وكوني مديراً للأمن هنا فهم يسألونني دائما عن الوجود الأمني والاحتياطات، ويتأكدون مني هل كثفنا إجراءات الأمن، ولكنهم يشعرون بالأمان حينما يشاهدوننا موجودين دائما معهم، وهناك أشخاص منهم يمشون حتى مسكنهم كدليل على اطمئنانهم بوجودنا». ويضيف الغامدي: «مهمتنا الرئيسية هنا هي المحافظة على سلامة الموظفين بجانب المرضى، لكن في ظل الظروف الراهنة هناك اهتمام بأصدقاء البلد الغربيين».

ولعب الاعلام الغربي دور كبيرا في نشر الرعب في قلوب كثير من الغربيين، من خلال نشر أخبار كثيرا ما يكون مبالغا فيها، وهو ما تؤكده البريطانية ليندا بقولها: «مجموعة من أسرتي جاءت الى السعودية قبل فترة، ورأوا كيف أن البلد آمن، وفوجئوا بذلك لأن ما يقرأونه في الصحف هناك هو عكس الحقيقة تماما». وتضيف ليندا وهي تحمل في يدها قصاصة من جريدة «الميرور» البريطانية وتقول: «اليوم وأنا اقرأ هذه الصحيفة رأيت خبرا مبالغا فيه عن ما يحدث في السعودية، وقررت أن أرسل لهم ردا عن ذلك». ويقول الخبر «فقط أن تكون غربياً في السعودية، فأنت مستهدف في أية لحظة»، ويتضمن أيضاً معلومة مفادها أن «49 في المائة من السعوديين يدعمون أسامة بن لادن وأفكاره»، وأخيرا عنوان «الكراهية تنتشر في المساجد في كل أسبوع».

وترد ليندا على ذلك بقولها: «هذا الكلام مبالغ فيه وغير معقول، فليس صحيحا أن السعوديين الذين التقيتهم يؤيدون بن لادن، بل كل الذين التقيت بهم يرفضون ما قام به هو ومن معه، أما المساجد فأنا أتمنى أن اعرف اللغة العربية لأسمع ما يقوله خطباء المساجد في كل جمعة لأتأكد هل ما يقال صحيح، وبرغم ذلك فلا اعتقد انه بالطريقة التي يصفها الاعلام».

ومما يجعل الغربيين الاجانب يشعرون بالطمأنينة، معرفتهم بأن الإرهابيين لا يشكلون سوى مجموعة صغيرة لا تمثل المجتمع السعودي، وهو ما أوضحه راندي جونسون بقوله: «رغم ذلك نحن ندرك أن هذه الفئة الإرهابية صغيرة ولا تمثل السعوديين، خاصة أن لي أصدقاء سعوديين كثيرين وليسوا مثلهم». ويوافقه في ذلك جون قيرفن: «لدي أصدقاء كثيرون من السعوديين وهم جيدون ويقولون انهم بدأوا يقلقون على الوضع، خاصة أن هناك سعوديين ماتوا بسبب الإرهاب».

وفي خطوة تؤكد ذلك، وتهدف لإيضاح الصورة الحقيقية للسعوديين لدى الأجانب نظمت مجموعة من الفتيات السعوديات والشبان، احتفالاً في ردهة المستشفى التخصصي بجدة وزع فيه «الايسكريم» على الحضور من الغربيين، وتحت شعار «عالم واحد، وعائلة واحدة». واشارت الى ذلك عبلة أحمد زامكة الأخصائية الاجتماعية بالمستشفى بقولها: «أقمنا هذا الاحتفال لنشعر الأجانب ونحسسهم أننا عائلة واحدة وخاصة بعد الأحداث الأخيرة». وتضيف: «الخوف الذي يعيشونه لا نستطيع أن ننكره، فمعظمهم قلقون وخائفون ورغم ذلك نلاحظ أن نوعية عملهم وجودته لم تتغير». وعلق نجاوي على ذلك بقوله: «نحن نريد أن نبين لهم أن المجتمع السعودي والسعوديين لا يعبرون عن العنف، ونظهر الصورة الحقيقية للإسلام وكذلك السعوديين».