التشكيلية تغريد البقشي تبدع لوحاتها من «نشرات الأخبار»

TT

مشاهد القتل والمجازر والجثث التي تبثها إلينا نشرات الأخبار، لم تكن مجرد أخبار يومية تعبر ثم تنسى، بل هي مشاهد وصور تسكن عميقا في الذاكرة وتؤرق الفنانة التشكيلية تغريد البقشي. الفنانة السعودية التي قدمت في معرضها الشخصي «ضوء من الداخل»، أعمالا فنية لامرأة مسكونة بالوجع والألم مما يجري في هذا العالم، وترسل هذه المرأة نظراتها إلى الأعلى بحالة من الوجد والتأمل والانبهار والتساؤل، حالات عديدة لوجه واحد، لامرأة تنشد الخلاص وتصرخ في وجه العالم وتتساءل: متى تنتهي الحرب؟ ألا يكفي هذا الدمار؟ ألن يتوقف هذا الدم؟

وتقدم تغريد البقشي في معرضها الشخصي الثالث 45 عملا فنيا تركز على رسم امرأة ساكنة متأملة، تترك عينيها تبوح بما في داخلها من عذاب وألم مما يجري في العالم، وبما يفرضه المجتمع بتقاليده وأعرافه من قيود على المرأة كي تظل مهمشة بلا صوت، وفي لوحاتها التي عرضتها الأسبوع الماضي في جمعية الثقافة والفنون بالأحساء تتناول البقشي المرأة مجردة من جمالها وحليها ومفاتنها، بل في حالة من السمو والتطلع إلى المستقبل، وأيضا في حالة من الحزن العميق مستعينة بالتعبير عن ذلك من خلال اختيار اللونين الأسود والرمادي.

تقول تغريد «هذه الأعمال التي أنجزتها على مدى عامين أردت أن أعبر من خلالها عن حالة أحاسيس ومشاعر المرأة في مجتمعنا، فرسمتها مجردة من الحلي والجمال، فنحن نرى الإنسان فقط من الظاهر ثم نحكم عليه». وتواصل «هي لوحات ربما لا تخص المرأة فقط ولكنها تعني الإنسان بشكل عام الذي يعيش حالة يومية من الحزن والألم لما يشاهده من قتل وجثث ودمار في بقاع العالم، وجاءت لوحاتي لتعبر عن المرأة الفلسطينية لأنها أكثر حضوراً في المشهد السياسي فهي تبكي على زوجها وطفلها وبيتها ووطنها، كما أن المرأة العراقية أيضا أصبح لها نصيب وافر من الحضور اليومي على مائدة نشرة الأخبار في العام الأخير بشكل خاص». وانطلاقا من قضيتها الفنية ودور الفنان التشكيلي في هذا العالم تقول تغريد «الفنان له رسالة وله صوت ولا أملك أمام ما تعانيه المرأة من تهميش وضعف إلا أن أعبر عن مشاعري بالريشة والألوان في مجتمع مليء بالعقبات والحواجز تعترض طموح المرأة».

عبد الرحمن المريخي مدير جمعية الثقافة والفنون بالأحساء، يقول عن تجربة تغريد البقشي «إنها فنانة واثقة تؤثر وتتأثر بالحزن الخفي في رسوماتها، لذا تأتي انفعالاتها متوازنة بين الظهور والخفاء تظهر في خطوطها الجلية والجريئة وتغيب وراء الوجوه المسكونة بالدهشة والانبهار والتي تطالعك بحدّة عندما تتأملها». ويواصل المريخي «الفنانة تغريد عملت طويلا على تطوير تجربتها حتى وصلت إلى ما آلت إليه قدرتها من مكانة طيبة في الوسط التشكيلي وأخذت تتفرد بخصوصية تميزها عن الفنانات التشكيليات في المملكة». وتحاول الفنانة تغريد البقشي من خلال معرضها الذي افتتحه عمدة الخالدية أحمد صالح المظفر وافتتحت أبوابه عشرة أيام لزيارة النساء أن تقدم حالة من الصدق بينها وبين الانطباعات التي تعيشها من خلال حضور لوني يتدرج من اللون البني الفاتح إلى الداكن ويتم توزيعه في اللوحة ليعكس الحالة النفسية للمرأة لكل عمل على حدة. وتؤكد البقشي في معرضها، حرصها وجديتها في أن تكون لها مكانة خاصة على خارطة الفن التشكيلي السعودي، فهي رغم حداثة تجربتها الفنية التي بدأتها في عام 1998، إلا أنها تعمل بشكل متواصل وحثيث في تخطي التجارب التي قدمتها لتبحث عن تجربة لونية جديدة تضيفها لحياتها الفنية. والبقشي لها معرضان شخصيان سابقان، «ومض الألوان» 2001، و«شجون ريشة» 2002، وشاركت في العديد من المعارض الفنية داخل وخارج المملكة في كل من مسقط والرباط، وحصلت على جائزة اقتناء المستوى الأول في معرض الفنانات السعوديات الثاني بالرياض 1424هـ وجائزة اقتناء المستوى الثاني في معرض الفنانات السعوديات الثالث بجدة عام 1425هـ. وهي أول فنانة في الأحساء تحصل على جائزة التميّز التشكيلي في فعاليات مهرجان هجر الثقافي الثاني لجمعية الثقافة والفنون 1423هـ كما أنها رشحت لأوسكار الذهب العربي من خلال مشاركتها في مسابقة الإبداع الحر لتصميم المجوهرات 2002 ومنحت شهادة استحقاق وتقدير من مجلس الذهب العالمي.