غوانتانامو: سجناء «صعبون» و«خطرون» في زنزانات بأبواب معدنية.. و«متعاونون» مكافآتهم أفلام سينمائية وزيارات خارجية وألعاب رياضية

ساعتان إلى 4 ساعات تحقيق يوميا ومعظم المعتقلين لم يسمعوا بحقهم الجديد بالطعن في احتجازهم

TT

قاعدة غوانتانامو البحرية ـ أ.ب: أتاحت جولة لمراسلي وكالة «اسوشييتد برس» في معسكر غوانتانامو فرصة نادرة للوقوف على الاوضاع في هذا المعتقل الذي يضم عناصر تابعة لتنظيم «القاعدة» وحركة طالبان وآخرين مشتبه في تورطهم بالارهاب. وشاهد صحافيو الوكالة، الذين سمحت لهم السلطات في قاعدة غوانتانامو بجولة لمدة يومين في مختلف أنحاء المعسكر، حوالي 50 سجينا عن قرب، بمن في ذلك بعض الذين يخضعون للحبس في سجن جديد يخضع لإجراءات حراسة مشددة. وقال احد السجناء في هذا القسم انه ايضا كان مراسلا صحافيا. وعبر زجاج عاكس أمكن متابعة ثلاثة جلسات تحقيق، واحدة في القسم المخصص للمعتقلين المصنفين في خانة «مثيري المشاكل» او «الصعبين» ومع آخرين يعتقد ان لديهم معلومات مهمة في الحرب ضد جماعات الارهاب الدولي. ولم يكن هناك حراس مسلحون في التحقيقات، كما ان الضباط اوضحوا ان الحراس المسلحين لا يشاركون في جلسات التحقيق. كما اوضحوا ايضا ان السجين عادة ما يجري استجوابه مرتين اسبوعيا لفترة تتراوح بين ساعتين الى اربع ساعات، ولا يتعدى الحد الاقصى لجلسات التحقيق 15 ساعة في اليوم. وجرت جلستان من جلسات التحقيق التي أمكن متابعتها في مركز الاعتقال العادي في معسكر «دلتا» ولكن بدون صوت. اما الجلسة الثالثة فجرت في «المعسكر رقم 5»، الذي يضم من يشتبه في انهم قادة او من لديهم معلومات استخبارية مهمة او الذين يعتبرهم المحققون «مشكلة». وتعتبر هذه هي المرة الاولى التي يسمح فيها لصحافي بحضور جلسة تحقيق منذ فتح هذا القسم في مايو (ايار) الماضي. وظل احد المعتقلين في هذا القسم صامتا تماما خلال جلسات التحقيق السابقة، إلا ان واحدا من الضباط المسؤولين قال ان السجين طلب اخيرا مقابلة محقق. واعتبر الضابط هذا الطلب في حد ذاته نجاحا كبيرا. هذا النوع من المعتقلين يعتبره المحققون «مشكلة». وبعد مغادرة المحقق والمترجم غرفة التحقيق بدأ السجين الذي كان ملتحيا باسما، وشوهد في وقت لاحق يضحك ويتحدث مع ما زميل آخر له فيما يبدو في غرفة الحمام المجاورة. وتقول محققة ان هذا السجين «يبدو مضحكا أحيانا وأحيانا اخرى لا يبدو كذلك على الإطلاق»، وأضافت ان بعض السجناء «يبدون لطيفين في بعض اللحظات ثم يبدأ احدهم في التحدث بهدوء وبرود متباهيا عن كيفية قتله شخصا آخر». ويبدو ان المسؤولين الذين اختاروا قاعدة غوانتانامو، المستأجرة من كوبا منذ عام 1903، ارادوا حبس المعتقلين في اراض تقع خارج نطاق حماية الدستور الاميركي، إلا ان المحكمة العليا الاميركية اصدرت قرارا الاسبوع الماضي يجيز لسجناء غوانتانامو الـ595 من 42 دولة الطعن أمام المحاكم الاميركية في حبسهم في هذا المعتقل. وقال مسؤولون في المعسكر ان المعتقلين لم يبلغوا بعد بقرار المحكمة العليا الاميركية، كما انهم لم يبلغوا بشأن فضيحة سجن ابو غريب في العراق. ويبذل المحامون العسكريون قصارى جهدهم ليحددوا كيف يمكن لهذا الحكم أن يؤثر على الاجراءات في غوانتانامو هنا وعلى استنتاجات اللجنة التي تراجع أوضاع السجناء ومستقبل المحاكمات. وقد وجهت التهم إلى ثلاثة متهمين; أسترالي وسوداني ويمني، بارتكاب جرائم تتراوح بين التآمر لارتكاب جرائم الحرب ومساعدة العدو، وقد تقرر تقديمهم إلى محاكم عسكرية يأمل المسؤولون في أن تشرع في عملها في غوانتانامو قبل نهاية هذا العام. غير ان المحامين يعتزمون تقديم سلسلة من الاعتراضات على طبيعة هذه المحاكم وصلاحياتها.

وردا على الادعاءات بأن المعتقلين حاليا في غوانتانامو لم يعودوا يمثلون مصدرا لأي نوع من المعلومات، قال محققان إن الأغلبية من هؤلاء المعتقلين شاركوا إما في قتل شخص ما أو الاشتراك في نشاط من نوع أو آخر. وقالوا إن حوالي 20% منهم تلقوا تعليما جامعيا أو عاليا، وأن أغلبهم على اطلاع على تكتيكات الإفلات من التحقيق، مما يجعل من الصعب جدا استخلاص المعلومات الاستخبارية منهم. وقال المحققون انهم، ورغم كل ذلك، لا يسيئون معاملة المعتقلين. وقال واحد من كبار المحققين عمل في المعتقل أكثر من عامين، ان سوء المعاملة «عملية تأتي بنتائج عكسية». واضاف «انت لا تصل إلى ما تريد بهذه الطريقة».

وكان المسؤول السابق عن المعسكر الميجر جنرال جيفري ميلر قد أسس، قبل انتقاله إلى سجن أبوغريب في بغداد قبل أشهر، نظاما من الحوافز لتشجيع السجناء على التعاون بصورة أفضل. وأحد هذه الحوافز هو أخذ المتعاونين من السجناء بالمعسكر رقم 4، وهو معسكر تسوده ظروف أمنية متوسطة، حيث يرتدي السجناء ملابس بيضاء ويسمح لهم بالرياضة يوميا كما يسمح لهم بالاحتفاظ بأشياء كثيرة مثل الرسائل والكتب في زنازينهم، واخذهم في رحلات ميدانية خارج المعسكر مرتين في الأسبوع. ويقول المحققون إن هذه الرحلات تقيم جسورا للثقة مع هؤلاء المعتقلين وتشجعهم على كشف مزيد من المعلومات. واتيح لصحافيي «اسوشييتد برس» فرصة غير عادية عندما سمح لهم بدخول إحدى الغرف مع أربعة من المعتقلين خلال رحلة ميدانية زاروا خلالها قسما من المعسكر يسمى «كامب إيغوانا». وقد كان يقيم في هذا المعسكر عدد من المعتقلين الصغار قبل إطلاق سراحهم العام الماضي. والمنطقة كلها مغطاة بشبكة خضراء ويسمح للمعتقلين بالجلوس على قمة تل لمشاهدة البحر الكاريبي أو لعب كرة القدم. ولكن أغلب هؤلاء يختارون المنطقة المكيفة الهواء هربا من درجات الحرارة التي تصل إلى 37 درجة مئوية ويشاهدون الأفلام في قاطرة ثابتة أو يلعبون كرة الطاولة. والفيلم المعروض في ذلك اليوم كان بعنوان «لون الفردوس»، وهو فيلم إيراني حول أب يحاول التصالح مع حقيقة العمى الذي أصاب ابنه. ويسمح للسجناء بالجلوس داخل المقطورة بدون قيود، بينما يقف الحراس في الخارج. هذا الشعور النسبي بالراحة ليس موجودا في المعسكرات الأخرى، اذ تنفتح الزنازين على بعضها البعض ويمكن للمعتقلين أن يتجاذبوا أطراف الحديث مع زملائهم. وقد أدار أغلب المعتقلين ظهورهم تفاديا للتصوير، أما بعضهم الآخر فقد بدت عليه علامات حب الاستطلاع وأومأ بالتحية.

أما المعتقلون في المعسكر رقم 5، وهو يحوي السجناء غير المتعاونين او الذين يمثلون خطرا أمنيا عاليا، فإنهم يقيمون في زنازين لها أبواب معدنية، داخل مبنى مكيف الهواء مشيد بالاسمنت المسلح. وقد رفع أحد المسؤولين بالسجن جزءا من أغطية أحدى الزنازين، فظهر رجل نائم بينما وضع رجلا صناعية تحت فراشه. وقال المسؤول إن كثيرا من هؤلاء الرجال لحاهم غير مشذبة، تعودوا على روتين معين داخل زنازينهم. فبعضهم ينظف زنزانته ويغسل بدلته كل يوم، وآخرون يقرأون الرسائل التي وصلتهم من أسرهم ويعيدون قراءتها، كما يقرأون القرآن. وأغلبهم ينصرف إلى الصلاة عندما يسمع الأذان. وبعضهم يتابع أشعة الشمس وهي تتسلل عبر نافذة الزنزانة، رافعين أذرعهم وشابكين اصابعهم حول القضبان.