النازحون في دارفور .. أعدادهم غير معروفة لكن آلامهم تُحكى: أم يفاجئها «الطلق» في الصحراء ولم تجد غير ابنيها الصبيين لمساعدتها

TT

يعتبر مشهد النازحين الناجين من حرائق الجنجويد والحرب في دارفور وهم يطوقون وزير الخارجية الأميركى كولن باول في زيارته الاخيرة لهم في معسكرهم في ضاحية ابوشوك المجاورة لمدينة الفاشر كبرى مدن الاقليم، مجرد مشهد واحد من عشرات المشاهد لنازحين ولاجئين ينتشرون في مساحات واسعة في دارفور.

ومعسكر ابوشوك الذي قال «باول» انه جيد، الا انه يعد واحدا من جملة معسكرات اخرى تحكى فيها قصص اغرب من الخيال، مثل قصة النازحة من بلدة «طويلة» غرب الفاشر التي داهمها الم الطلق في طريق النجاة من الموت، ولم تجد من يولدها سوى ابنيها الصبيين، ليعثر عليهم من بعد رجل مجهول صادفهم في الطريق فحملهم الى الفاشر. او قصة الشابة التي تحدثت الى مراسل وكالة الصحافة الفرنسية المرافق لباول قائلة «ان الجنجويد قتلوا ابى وامى». لا يحكي المعسكر تلك القصص فقط وانما، قصة الحرب والبحث عن الأمن والسلام في دارفور. وكما يليق بعادة سودانية راسخة، فان تلك القصص تحكى وهناك عمل دؤوب يجرى داخل المعسكرات وخارجها، ولكن الاحصاءات حول «كم عدد النازحين والمتأثرين من الحرب في دارفور تتضارب وتتقاطع ولتنتهي عند كلمة حوالي». ويعتقد المسؤولون في وزارة الشؤون الانسانية في السودان المعنية بادارة هذا الملف الساخن ان التضارب سببه التطورات المستمرة للاحداث في دارفور والتي تفرز نازحين جددا وفي المقابل هناك عدد من هؤلاء يغادرون المعسكرات اما الى مدن الولاية الاخرى للاحتماء وذويهم او الاتجاه صوب الخرطوم العاصمة، ويؤكدون ان هناك نحو 5 الاف منهم عادوا الى مناطقهم طوعا مثل بعض السكان الذين دخلوا الفاشر من بلدة طويلة.

وتقول التقارير الدولية ان الحرب في دارفور بين الحكومة والمتمردين والعمليات التي نفذتها ميليشيات الجنجويد خلفت منذ الثمانية اشهر الاخيرة حتى الان قرابة 10 الاف قتيل، ومليون نازح الى مدن دارفور الكبرى وحولها والى العاصمة الخرطوم، ولكن حسب مسؤول كبير في وزارة الشؤون الانسانية تحدث لـ«الشرق الأوسط» فان الحكومة سلمت كوفى انان الامين العام للامم المتحدة خلال زيارته الى الخرطوم تقريرا من ورقتين عن اوضاع النازحين في المعسكرات في الاقليم. وقال ان التقرير سجل ان بدارفور الان اكثر من 980 الف نازح ومتأثر بالحرب، وذكر التقرير ان عدد المتأثرين بالحرب اكثر من 400 الف. وأحصى التقرير نحو 10 معسكرات كبيرة حول مدن الاقليم الكبرى مثل نيالا والفاشر والجنينة، وذكر ان معسكر كورني غرب جبل مرة هو الاكبر يحتوي على 66 الف نازح، وبه معسكر ابو شوك وبه 40 الف نازح. وهناك 30 الف شخص في معسكر «كلمة» المجاورة الى نيالا، ومعسكر طويلة قرب الفاشر.

وقال المسؤول الحكومي ان كميات الغذاء المتوفرة في المعسكرات كافية، وبرأيه ان اوضاع النازحين في المعسكرات الاخرى من حيث الغذاء والرعاية الصحية لا تقل مطلقا عن الوضع الذي رآه باول في معسكر ابوشوك. واكد ان الغذاء متوفر حتى اكتوبر(تشرين الاول)، ولكنه قال «تنفق معهم ان المحك الان هو عودة هؤلاء الى منازلهم». واضاف «هذا يرتبط بمستوى الأمن المتوفر في المواقع التي نزحوا منها». وقال المسؤول «لقد قدرنا في التقرير عددهم وخطة عودتهم ومما نسميه الاجراءات السريعة لتسهيل دخول المساعدات ومطلوبات عودتهم الطوعية».

وحسب التقارير الدولية فان النازحين في المعسكرات حول نيالا هم السكان الذين تعرضوا الى الهجمات في المناطق بين نيالا جنوبا وجبل مرة شمالا، وان نزلاء معسكر ابوشوك اغلبهم من سكان منطقة طويلة التي تعرضت لأعنف هجمات عرفتها الاحدات في الاقليم استمرت لمدة ثلاثة ايام بشكل متصل. وتقول التقارير ان الذين يحتويهم معسكر مورني هم من الناجين من عمليات قتل وحرق متصلة في المنطقة غرب وشمال غرب جبل مرة حتى مدينة الجنينة اقصى الغرب على الحدود مع تشاد. ويشير التقرير الى ان بعض النازحين من «كتم وكرنوي وامبرو» في شمال دارفور عادوا والبعض الاخر نزح الى اقصى جنوب دارفور وانخرطوا في العمل وفقا للمهن المحلية مباشرة لكسب عيشه على امل العودة بعد حدوث الاستقرار التام.

كما نالت العاصمة الخرطوم نصيب مقدر من تدفقات النازحين منذ مطلع العام الحالي حيث وصلتها دفعة كبيرة في فبراير (شباط) قدرت بنحو 200 الف نازح بينهم نساء واطفال وحط بها الرحال في ضاحية مايو جنوب الخرطوم، وخصصت لهم السلطات معسكرا داخل احدى المدارس، وبدأت قصصهم تتدفق الى صحف الخرطوم ولكن بعد ايام قامت السلطات باخلائه الى موقع اخر.