الانتخابات الأميركية: ما هو تأثير جون إدواردز على فرص الديمقراطيين الرئاسية؟

TT

قلة ضئيلة من المراقبين استغربت ان يقع خيار السناتور جون كيري، المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، على منافسه الأقوى في السباق التمهيدي السناتور جون ادواردز ليكون رفيق معركة 2 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

فعلى امتداد مرحلة «الغربلة» في هذا السباق برهن ادواردز، 51 سنة، انه سياسي شعبوي جذاب يعرف كيف يخاطب الجماهير ويحرك مشاعرها، وهذه الناحية كانت نقطة ضعف عند كيري، البارد الرصين، الذي ينجذب اليه العقل اكثر مما يندفع نحوه القلب.

ثم ان كيري، الارستقراطي الذي تنم تصرفاته عن بعض التعالي ـ العفوي او المقصود ـ يأتي من أقصى الشمال الشرقي «الأوروبي» الأبيض، بل من ولاية ماساتشوستس الولاية الأكثر ليبرالية وارستقراطية و«اوروبية» وعلمانية وتسامحاً اجتماعياً في البلاد كلها. وهي الولاية التي أباحت قبل بعض أسابيع زواج المثليين جنسياً. وعلى الصعيد الديني، فإن كيري تارة يحسب على الأقلية الكاثوليكية (مذهبه الحالي) وطوراً على الأقلية اليهودية (مذهب ابيه قبل ان يتنصر)، وهذا آخر ما يرغب به بروتستانت الجنوب الأصوليون. ولكي تتكامل الصورة غير المشجعة بالنسبة لكيري، ينبغي تذكر ان آخر ثلاثة ديمقراطيين دخلوا البيت الأبيض بعد اغتيال جون كنيدي (الكاثوليكي ابن ماساتشوستس) عام 1963 كلهم من ولايات الجنوب، وهم ليندون جونسون (من تكساس) وجيمي كارتر (من جورجيا) وبيل كلينتون (أركنسو)، في حين عجز اي ديمقراطي شمالي عن الحاق الهزيمة بمنافسه الجمهوري. فقد هزم هيوبرت همفري (من مينيسوتا) وجورج ماكغفرن (من ساوث داكوتا) امام ريتشارد نيكسون ووالتر مونديل (من مينيسوتا أيضاً) امام رونالد ريغان ومايكل دوكاكيس (من ماساتشوستس) امام جورج بوش الأب.

المعادلة اذاً بسيطة ومنطقية. فولايات الجنوب التقليدية المحافظة، حيث النخبة الاجتماعية البيضاء فيها محافظة اجتماعياً وعنصرياً ودينيا، تشكل كتلة مقفلة في وجه أي مرشح ليبرالي شمالي. ولكن لا بد للديمقراطيين من اختراق هذه الكتلة للاحتفاظ بفرصة معقولة للفوز.

كارتر وكلينتون حققا الاختراق المطلوب ففازا بالرئاسة، في حين لو تمكن آل غور نائب الرئيس السابق والمرشح الديمقراطي فقط من الفوز بالاصوات الانتخابية لولايته تينيسي (من ولايات الجنوب) لكان قد فاز بالانتخابات الماضية بصرف النظر عن أصوات ولاية فلوريدا المتنازع عليها. لكنه خسر تينيسي، ومن ثم خسر الانتخابات.

جون ادواردز ابن ولاية نورث كارولينا، احدى أكبر ثلاث ولايات في الجنوب التقليدي العتيق. والمنطق يقول انه اذا استطاع وضع نورث كارولينا ضمن خانة الديمقراطيين في نوفمبر المقبل، يكون قد عبر بكيري أكثر من نصف الطريق الى البيت الأبيض.

والحقيقة ان هذا «السيناريو» غير مضمون. فلا ضمانة أن ادواردز قادر على تجيير ولايته لكيري بالرغم من كثافة الاصوات السوداء فيها (حوالي 30%). والشيء نفسه يقال عن المرشحين الآخرين الألمع الذين تداول الخبراء اسماءهم كمرشحين محتملين لمنصب نائب الرئيس. فالسناتور ايفان بايه، من ولاية انديانا، محبوب داخل ولايته (كما كان والده السناتور الديمقراطي السابق بيرتش بايه من قبله). لكن انديانا صوتت للمرشح الجمهوري بانتظام خلال العقود الأخيرة وهي أقوى معاقل اليمين في ولايات الشمال. ورئيس مجلس النواب السابق ريتشارد غيبهارت، من ولاية ميزوري، أيضا لن يضمن قيادة ولايته باتجاه الديمقراطيين مع انها صوتت قبل بضع سنوات قليلة في انتخابات الكونغرس لحاكمها الديمقراطي الراحل ميل كيرناهان (بعد وفاته) مغلبة اياه على السناتور الجمهوري آنذاك جون دانفورث. وفي نهاية الأمر أرضى الرئيس الحالي جورج بوش «الابن» دانفورث، الأصولي المسيحي، بتعيينه وزيراً للدفاع. وأخيراً، الجنرال ويزلي كلارك (من اركنسو) رجل عسكري محترم الا انه ليس سياسيا محترفا ومن المستبعد ان يقلب المعادلات في الجنوب. وقد بدا بوضوح من ادائه ابان سباق الانتخابات التمهيدية انه قد ينفع وزيرا للدفاع في ادارة ديمقراطية مقبلة لكن لن يستطيع بلوغ القمة في انتخابات مفتوحة.

الخلاصة ان ادواردز، سياسي وسيم وشاب نسبيا يتمتع بـ«كاريزما» قادرة على تحريك جماعات لا يتمتع كيري بإمكانية تحريكها، بفضل سيرته الشخصية كرجل عصامي ناجح له ضمير اجتماعي حي، وهو أب وزوج يعكس صورة العائلة الأميركية العادية. انه سياسي يتفاعل معه الأميركي العادي وهذا عامل مهم سيحاول هو وسيحاول الديمقراطيون استغلاله الى أقصى حد ممكن.