مسؤول استخباراتي أميركي: مزاعم «المخادع» حول الأسلحة الجرثومية العراقية كانت «محل شك» وصاحبها مدمن كحول

TT

قال مسؤول اميركي إن عميل الاستخبارات الوحيد الذي التقى المنشق العراقي الذي تطلق عليه الاستخبارات الاميركية لقب «المخادع» حذر وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي إيه) من ان هذا الرجل يبدو «مدمنا للكحول» وأن مزاعمه حول إنشاء صدام حسين اسطولا سريا لشاحنات تستخدم كمختبرات لانتاج الاسلحة الجرثومية لا أساس لها من الصحة. إلا ان نائب رئيس القسم المسؤول عن اسلحة الدمار الشامل العراقية بوكالة الاستخبارات المركزية اشار في رسالة بريد إلكتروني بتاريخ 4 فبراير (شباط) 2003 الى ان مثل هذه الشكوك لم تجد ترحيبا في الوكالة. وكتب هذا المسؤول في الرسالة المشار اليها: «كما قلت الليلة الماضية، يجب ان نضع في الاعتبار حقيقة ان هذه الحرب ستحدث بصرف النظر عما ذكره «المخادع» وما لم يذكره وبصرف النظر عن القوى التي لا تبدي اهتماما ازاء ما اذا كان «المخادع» يدرك ما يقول». وكشف النقاب عن مضمون هذه الرسالة اول من امس بواسطة النائبة بمجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري دايان فينشتاين وذلك في معرض الانتقادات التي وردت في التقرير الذي اصدرته لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ بشأن المعلومات الاستخبارية الاميركية قبل حرب العراق العام الماضي. وكتب المسؤول في رسالة البريد الإلكتروني المشار اليها ان من لديه تحفظ عليه ان يكتب جملة او جملتي تحذير بهذا الشأن، إلا انه لم يظهر أي دليل على صدور مثل هذه التحذيرات. واتضح ان المعلومات التي ادلى بها «المخادع» بشأن المختبرات العراقية المتنقلة لانتاج الاسلحة الجرثومية معلومات لا اساس لها من الصحة.

واشار وزير الخارجية الاميركي كولن باول مرارا الى معلومات «المخادع» في معرض حديثه أمام مجلس الأمن في 5 فبراير 2003 عن المختبرات العراقية المتنقلة لانتاج الاسلحة الجرثومية، ووصف كولن باول هذه المختبرات بأنها «من الاشياء المثيرة للقلق التي ظهرت ضمن ملف المعلومات الاستخبارية حول العراق». وكانت صحافية «لوس انجليس تايمز» قد اوردت في مارس (آذار) دور «المخادع» في معلومات فترة ما قبل الحرب. و«المخادع» هو منشق عراقي، زعم انه مهندس ساعد في الإشراف على تصميم وإنتاج مصانع الجراثيم في العراق، وقد فر نهاية عقد التسعينات الى اوروبا وزود الاستخبارات الألمانية بمعلومات حول هذا الأمر نهاية عام 2000، وارسلت الاستخبارات الألمانية بدورها هذه المعلومات الى قسم الاستخبارات التابع لوزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) الذي زود بها وكالة الاستخبارات المركزية. ويشير تقرير مجلس الشيوخ الى العميل الاميركي الذي التقى بالمنشق العراقي في شهر مايو (ايار) عام 2000 بأنه موظف في وزارة الدفاع منتدب في وكالة الاستخبارات المركزية، نصح الوكالة في موضوع الاسلحة البيولوجية. ولم يسمح لأي مسؤول استخباري اخر بلقاء او اجراء مقابلة مع «المخادع» ـ او حتى الالتقاء بصفة منتظمة مع الالماني الذي استجوبه ـ قبل الحرب.

ومن بين نتائج ذلك ان وكالة الاستخبارات المركزية لم تتأكد على الاطلاق مما قاله «المخادع» الذي يتحدث الانجليزية، في تقرير من 112 صفحة اعدها الذين حققوا معه.

وطبقا لتقرير لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، فإن «المخادع» تحدث بالانجليزية والعربية مع المحققين الالمان، الذين ترجموا تعليقاته الى الانجليزية. واعاد ضباط الاستخبارات التابعون للبنتاغون الذين يعملون مع الالمان «ترجمة التقارير الى الانجليزية مرة اخرى» قبل تقديمها لوكالات الاستخبارات الاميركية. واشار تقرير الكونغرس الى ان «عملية الترجمة... ادت الى بعض سوء الفهم».

وتجدر الاشارة الى ان العديد من التفاصيل في تقرير اللجنة المتعلق بـ «المخادع» قد شطبتها وكالة الاستخبارات المركزية على اساس ان نشرها ربما يعرض مصادر الاستخبارات للخطر. ولكن وسط السطور والفقرات والصفحات المشطوبة، تتبلور صورة حول اهمال مثير للدهشة يتعلق بمزاعم تقدم في النهاية جزءا هاما من حجج البيت الابيض لدخول الحرب.

وطبقا للتقرير، فإن ادارة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع بدأت في تقديم تقارير في اوائل 2000 حول زعم المنشق العراقي انه عمل في مشروع في العراق لبناء 7 وحدات متنقلة لانتاج مواد بيولوجية قادرة على بث الجمرة الخبيثة وغيرها من الاسلحة الجرثومية.

وبحلول عام 2002 توفر لوكالة الاستخبارات المركزية مجموعة من الصور الملتقطة من الاقمار الصناعية لعدد من المباني في مزارع ذكر المنشق انها تستخدم لاخفاء شاحنات انتاج الجراثيم. وقال محلل في وكالة الاستخبارات المركزية للجنة مجلس الشيوخ ان الصور الملتقطة من ارتفاعات عالية كانت تعتبر تأكيدات على كلام المخادع، حتى بالرغم من عدم العثور على أي دليل على«المختبرات المتنقلة».

غير ان تقرير اللجنة قال ان ادارة الاستخبارات بوزارة الدفاع المسؤولة اساس عن التعامل في قضية المخادع «قيدت نفسها بدور اداري بصفة اساسية، بترجمة وتقديم التقارير» من المانيا. وذكرت الوكالة ان المعلومات كانت «تبدو ذات اهمية كبرى بالرغم من التناقضات».

الا ان الاميركي الوحيد الذي التقى «المخادع» في شهر مايو (ايار) 2000 عبر عن شكوكه من اعترافات ذلك الشخص. واعتقد المسؤول الذي لم يذكر اسمه «ان هذا الرجل ربما يكون مدمنا على الكحول وهو الامر الذي اثار قلقي كثيرا»، طبقا لما ذكره محلل في الوكالة على معرفة بالقضية للمحققين في لجنة الاستخبارات. فقد دخل المسؤول في جدل متكرر مع المحلل الاساسي في وكالة الاستخبارات المركزية حول الاسلحة البيولوجية العراقية «حول مدى مصداقية» رواية المنشق.

وفي أحد النقاشات لاحظ التقرير أن محلل الـ«سي آي إيه» أخبر المسؤول الأميركي أن عليه ألا يشعر بالقلق لأن وكالته لديها «مصادر مضاعفة من حيث التقارير المتعلقة بالبرنامج». وقال المسؤول الأميركي إنه لم يكن مقتنعا. وفي رسالة إلكترونية لنائب رئيس الفريق المعني بأسلحة الدمار الشامل في العراق والتابع لـ«سي آي إيه» يوم 4 فبراير 2003 عبر ذلك المسؤول عن «قلقه من مصداقية المعلومات» من «المخادع». وأضاف أن المسؤولين الألمان «لديهم مشاكل في التعامل معه وقد حاولوا تحديد إذا كان «المخادع» هو حقا الشخصية التي يزعمها. هذه القضايا من وجهة نظري تتطلب تحقيقا أكثر قبل أن نستخدم تلك المعلومات كأساس تستند إليه استنتاجاتنا عن استمرار العراق في برنامج أسلحته البيولوجية».

وقال المسؤول الأميركي لاحقا لأعضاء لجنة مجلس الشيوخ إنه «أجرى مناقشات كثيرة» مع محللين من «سي آي إيه» قبل عام 2003 حول «مخاوفي من «المخادع» مع تراكم الادلة حول هذا الموضوع وتحولها إلى واقع قائم بذاته، إذ أصبحت أشعر بالإحباط وحينما طلِب مني أن أراجع خطاب كولن باول وأثناء مراجعتي فكرت هكذا: «يا إلهي علي أن أكشف عن مخاوفي»، وللمساعدة على تحديد من كان مصيبا قامت لجنة مجلس الشيوخ المختصة بالاستخبارات في الخريف الماضي بالطلب من مسؤولين استخباراتيين بتقييم «المخادع» ومدى مصداقيته، وكانت النتائج غير قاطعة».

وفي ديسمبر (كانون الاول) الماضي قال مسؤول في قسم استخبارات البنتاغون إنه كان مسؤولا عن جمع معلومات استخباراتية من الاستجوابات التي جرت مع «المخادع» في ألمانيا ثم كتابة تقرير عنها إلى اللجنة اكد فيه أن المنشق العراقي «ليس خبيرا بالأسلحة البيولوجية» وأنه «لم يزعم على الإطلاق بأن المشروع الذي كان مشاركا فيه قد استخدم لإنتاج العوامل البيولوجية»، ولأن ذلك يتناقض مع مزاعم قسم الاستخبارات التابع للبنتاغون السابقة ويتضمن «عدة أخطاء»، قال الضابط من قسم استخبارات البنتاغون للجنة إنه «أساء قراءة بعض تقارير الاستخبارات» بخصوص القضية التي كانت تحت إشرافه.

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»