الرئيس الفلسطيني: جدار شارون لا محالة زائل مثلما زال جدار برلين

إسرائيل تستنجد بواشنطن في الأمم المتحدة وتبحث اليوم الرد على قرار محكمة لاهاي

TT

اعتبر الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات امس ان الجدار الفاصل الذي تبنيه اسرائيل في الضفة الغربية «لا محالة زائل» وذلك بعد يوم من صدور رأي محكمة العدل الدولية التي اعتبرته غير قانوني. وقال عرفات خلال حفل تخريج الدورة الثانية لمنتسبي قوات الأمن الوطني في مقره في رام الله ان «قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن جدار الفصل العنصري، دليل على ان العالم اجمع يقف مع الشعب الفلسطيني ضد هذا الجدار». واضاف ان «جدار العزل العنصري لا يمكن لكائن من كان ان يفرضه علينا وهو لا محالة زائل، وكما انهار جدار برلين، سيلحقه جدار شارون (رئيس الوزراء الاسرائيلي)». وفي وقت يستعد فيه الفلسطينيون للطلب من الامم المتحدة (مساء امس) ممارسة ضغوط على اسرائيل التي تعتمد بدورها على واشنطن لعرقلة اي عقوبات قد تفرض عليها، استنجدت اسرائيل بالولايات المتحدة طالبة منها العون في المرحلة التالية عندما يتحول الامر الى الامم المتحدة، وقال سيلفان شالوم وزير الخارجية الاسرائيلي امس ان اسرائيل طلبت من واشنطن التدخل لمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن بعد قرار محكمة العدل الدولية بشأن عدم مشروعية الجدار العازل الذي تشيده في الضفة الغربية. وقال شالوم لراديو اسرائيل «القضية ستنقل لمجلس الأمن لان الفلسطينيين لديهم اغلبية تلقائية في الجمعية العامة للامم المتحدة»، مضيفا انه طلب من المسؤولين الاميركيين منع تبني أي قرار في هذا الشأن.

وتبحث الحكومة الإسرائيلية برئاسة ارييل شارون، اليوم، في سبل الرد على محكمة العدل الدولية في لاهاي بخصوص الجدار العازل، وسيكون ذلك بحثا أوليا سريعا ستعقبه أبحاث مطولة في الأطر المهنية (العسكرية والقانونية) فيما بعد. ويبدو من تصريحات المسؤولين وما يتسرب من أوراق العمل المقدمة لهذا البحث، أن الإسرائيليين فوجئوا برد الفعل في الولايات المتحدة، الذي بدا مؤيدا بشكل كبير وحاسم، ومن رد الفعل الأوروبي، الذي بدا متناغما مع موقف المحكمة إلى حد كبير. وسيستمدون التشجيع من الموقف الأميركي لمواصلة بناء الجدار ليلتف حول الضفة الغربية بأسرها ولكن مع السعي لتغيير مساره كي يقترب أكثر من الخط الأخضر (حدود ما قبل حرب 1967). وسيشارك في البحث، إضافة إلى الوزراء ورئيسهم، قادة الجيش، والمخابرات وعدد من المهنيين المختصين في بناء الجدار ورجال القانون، الذي سيدرسون قرار لاهاي من جميع جوانبه وسيدرسون رد الفعل العربي والفلسطيني عليه والإجراءات المتوقعة من الآن فصاعدا في الأمم المتحدة. وصرح مسؤول كبير في مكتب شارون أن رئيس الحكومة يشعر بالامتنان الكبير للولايات المتحدة على موقفها الحازم ضد المحكمة الدولية في لاهاي، وأنه واثق من أن إدارة الرئيس جورج بوش ستتصدى لكل محاولة تهدف إلى عزل إسرائيل أو فرض عقوبات دولية عليها بسبب هذا الجدار. وهي لن تكتفي بفرض حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، بل ستحاول التأثير على دول المجلس حتى لا يطرح الموضوع بتاتا على جدول الأعمال.

المعروف أن إسرائيل في أول رد فعل لها على قرار المحكمة الدولية، قالت إنها مستعدة لوقف البناء في الجدار وتغيير مساره وحتى هدم مقاطع كبرى فيه، في حالة التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين والدول العربية. وإنها مستعدة للبحث في الموضوع لدى الدخول إلى تطبيق المرحلة الثانية من «خريطة الطريق». وفقط بعدئذ انتقدت المحكمة الدولية. وبذلك، عملت وفقا للنصيحة الأميركية بالتعامل مع قرار المحكمة «باعتدال».

وكان وزير الخارجية الأميركي، كولن باول، قد صرح إثر قرار المحكمة بأن إسرائيل صدقت ببناء الجدار «فهذا جدار أمني. ومنذ بنائه انخفض عدد المتسللين الفلسطينيين القادمين لتنفيذ عمليات تفجير إرهابية. فمع أننا نتحفظ على مسار هذا الجدار، ونرى أن إسرائيل تنظر بحساسية إلى مواقفنا وتأخذها بالاعتبار، فإننا نرى أن الجدار هو الرد المناسب على المشاكل الأمنية الإسرائيلية». وعاد باول على الانتقادات الأميركية لسياسة إسرائيل التي تصادر الأراضي الفلسطينية من أجل الجدار، لكنه هاجم المحكمة الدولية، وقال إنه لم يكن من اللائق أن تبحث المحكمة الموضوع. فهناك محكمة واحدة لها الحق في بحثه هي المحكمة الإسرائيلية العليا.

وتفوه بكلمات مشابهة للناطق بلسان البيت الأبيض، سكوت مكليلان، فقال إن الجدار موضوع سياسي أمني لا مكان لبحثه في محكمة لاهاي بل في المفاوضات السياسية بين الطرفين. وقال ريتشارد باوتشر، الناطق بلسان وزارة الخارجية الأميركية، إن قرار محكمة لاهاي غير ملزم لإسرائيل وإنه من شأنه أن يزيد من تعقيدات الوضع السياسي بين إسرائيل والفلسطينيين. وأكد هو الآخر أن المحكمة الإسرائيلية هي العنوان وليس الأمم المتحدة.

وأصدر المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية، جون كيري، بيانا أعرب فيه عن خيبة أمله من محكمة لاهاي. وقال إن الجدار هو رد إسرائيلي طبيعي وشرعي على موجة الإرهاب، وأن الجدار هو أداة هامة في الحرب الإسرائيلية ضد الإرهاب، وهو ليس موضوع بحث في المحكمة.

وعقد عضوا مجلس الشيوخ الأميركي، هيلاري كلينتون وتشارلز شومر، مؤتمرا صحافيا مشتركا مع مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، داني غيلرمن، هاجموا فيه قرار المحكمة الدولية. وقالت كلينتون إن المحكمة أصبحت أداة بأيدي أعداء إسرائيل. وأكدت أن الجدار هو رد شرعي لإسرائيل على الإرهاب الفلسطيني وعملية دفاع عن النفس. وذكرت أنها جمعت 75 توقيعا من أعضاء مجلس الشيوخ (من مجموع 100 نائب) أعربوا عن معارضتهم لبحث موضوع الجدار في المحكمة. فيما قارن تشارلز بين قرار المحكمة وبين قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1975، الذي اعتبر الصهيونية حركة عنصرية. وقال إن الجمعية العامة ألغت قرارها المشؤوم ضد الصهيونية بعد حوالي 20 سنة، والمحكمة ستلغي قرارها ضد هذا الجدار في وقت مبكر أكثر.

وأصدرت لجنة رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية بيانا اعتبرت فيه المحكمة الدولية أداة بأيدي المتطرفين العرب الذين يستهدفون تحقيق مكاسب سياسية من الأبحاث الدولية ومؤسسات الأمم المتحدة.

إزاء هذه المواقف، أعلن مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة أن مكتبه يستمد التشجيع الكبير من المواقف الأميركية الإجماعية ضد قرار المحكمة الدولية، ويستعد لصد الهجمة العربية في مؤسسات الأمم المتحدة. وكشف أنه اجتمع مع مندوبي الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا ومصر والأردن للتنسيق معهم وسيعقد اجتماعات أخرى.

وقال إنه يوضح في هذه اللقاءات أن محكمة لاهاي وضعت ضحية الإرهاب في قفص الاتهام، بدلا من أن تضع الإرهابيين فيه. وأنه اطلع على الأرقام والحقائق التي تثبت أن الجدار كان ضرورة حيوية لأمن إسرائيل، حيث بفضله انخفض عدد العمليات التفجيرية إلى الصفر في الأماكن التي بني فيها الجدار. وقال إنه يدرك أن الجمعية العامة للأمم المتحدة ستتخذ قرارا معاديا لإسرائيل ومؤيدا للمحكمة «فهناك أكثرية أوتوماتيكية من 140 مندوبا». ولكنه أضاف: «في مجلس الأمن الأمور تبدو مختلفة. والفيتو الأميركي مضمون، وربما تنضم إليه دول عظمى أخرى، وحتى في الجمعية العامة هناك انخفاض في عدد مؤيدي العرب».

وأوضح غيلرمان أن قرارات الجمعية العامة لا تزيد عن كونها توصيات، فيما أن القرارات الملزمة تصدر عن مجلس الأمن. وعاد ليؤكد أن القرار الوحيد الملزم لإسرائيل هو قرار المحكمة العليا الإسرائيلية، «فهذه خرجت بقرار واضح ضد الحكومة الإسرائيلية. وهذا يدل على أننا دولة ديمقراطية. والحكومة ستنفذ قرار المحكمة حول مسار الجدار. لكن الجدار نفسه أخذ شرعيته من هذه المحكمة، ولا حاجة للالتفات إلى قرارات أخرى.