بلير «فكر» في الاستقالة ولكنه يتعرض لـ«ضغوط» لكي لا يستقيل

شبح الأخطاء في العراق لا يقلق استقرار حكومة تثق بنيات رئيس وزرائها

TT

ما كان مجرد اشاعات، دأب المتحدثون باسم الحكومة البريطانية على نفيها الشهر الماضي، اصبح اليوم حديثا معلنا. فرئيس الوزراء البريطاني توني بلير واجه بالفعل ضغوطا من اجل ان يستقيل ليس فقط بسبب المبالغات التي اعتمدت عليها حكومته في تبرير الذهاب الى الحرب ضد العراق، ولكن ايضا بسبب الأثر الذي تتركه عواقب الحرب على فرص حزب العمال الانتخابية.

وليس من السهل بالنسبة لرئيس وزراء فخور بأسبابه ان يستقيل بسبب تحول هذه الاسباب الى فضيحة، خاصة بعد ان ثبت ان الجنود الاميركيين والبريطانيين مارسوا ضد العراقيين انتهاكات ليست اقل بشاعة مما كان يفعله النظام العراقي المخلوع. الا ان بلير ما يزال يبحث عن سبيل للخروج من هذه الفضيحة لحفظ مكانه في تاريخ الحرب كرجل يؤمن بنشر الديمقراطية، وذلك على امل الا يتلطخ اسمه بما كان يفعله بعض جنوده ضد بعض العراقيين من انتهاكات وصلت الى حد التمثيل بالجثث.

وعلى الرغم من انه سيكون من الصعب على العراقيين ان يلحظوا الفارق بين بقائه او رحيله، الا ان هناك بين المراقبين البريطانيين من يقول انه كلما اسرع بلير بالاستقالة كلما كان ذلك أفضل... لحزبه على الاقل لكي يستطيع ان يعلق الاخطاء على شماعة الماضي، وكأنه لا شأن له بها.

وكشفت هيئة الاذاعة البريطانية «بي.بي.سي» امس، ان رئيس الوزراء البريطاني توني بلير الذي تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي منذ حرب العراق العام الماضي «فكر جديا في ترك منصبه» بعد تعرضه لسلسلة هجمات انتقادية. ولكن جون ريد وزير الصحة وتيسا جويل وزيرة الثقافة وتشارلز كلارك وزير التعليم اجتمعوا مع بلير وحثوه على عدم الاستقالة وأكدوا له انه مازال يحظى بتأييد واسع النطاق. وقالت جويل للاذاعة البريطانية «لن اخوض فيما اعتبره نميمة. توني بلير رئيس حكومتنا وهو اكثر رئيس وزراء نجاحا في العصر الحديث. سيواصل قيادة حكومتنا». ويقول البعض انه لم يعد افضل خيارات حزب العمال في الانتخابات وانه صار يمثل عبئا بسبب الموقف الشعبي ضد غزو العراق.

وأقر بلير الشهر الماضي بان حزب العمال منى بسبب الحرب بخسائر في الانتخابات المحلية وانتخابات البرلمان الاوروبي.

وشوهت صورة بلير كثيرا بعد ان قرر دخول بريطانيا في النزاع العراقي في الوقت الذي عارضت فيه غالبية البريطانيين هذا الامر (على الاقل في البداية). ويواجه بلير ايضا معارضة داخل صفوف حزبه، وبالاخص من الجناح اليساري الذي لا يجد نفسه في ما يعتبره سياسة يمين الوسط وانحيازا متزايدا مع واشنطن. واعلنت نقابات عدة تدعم حزب العمال تقليديا، انها ستتوقف عن المساهمة في تمويل الحزب. ومن المتوقع ان يتلقى بلير ضربة جديدة بشأن العراق هذا الاسبوع عشية انتخابات فرعية تجري في دائرتين وتراقب عن كثب، وهي احداث ستساعد في تشكيل الساحة السياسية للانتخابات العامة المتوقعة في عام 2005. وخلال اربعة ايام سترفع لجنة تحقيق تقريرها بشأن فشل المخابرات في قضية الاسلحة العراقية وستكشف حكومة بلير خططها للانفاق العام للسنوات الثلاث المقبلة وربما يوجه الناخبون اهانة الى حزب العمال في الانتخابات. ومع تراجع شعبية بلير بسبب العراق فان مثل هذا المزيج كان سيثير مخاوف من تمرد في حزب العمال منذ شهرين. لكن اعضاء في مجلس العموم ومحللين يقولون ان بلير يقف على أرضية صلبة الان وان توقيت الحدثين قبل عطلة البرلمان الصيفية سينقذه من أي ضرر في المدى البعيد. وقال نائب يمثل حزب العمال في مجلس العموم «انني لا اشعر بوجود أي مؤامرة في الوقت الراهن (ضد بلير)». واضاف «لن يفكروا في التآمر، وانما سيفكرون فقط في اللهو على الشاطئ». ويوافق وين جرانت استاذ العلوم السياسية بجامعة ووريك على ان بلير نجا من الاسوأ.

وقال «لن يكون ابحارا سلسا لكنه يتجه نحو مياه هادئة». غير ان الهزيمة في دائرة هودج هيل في برمنغهام أو دائرة ليستر ساوث ستكون بمثابة تحذير، وستدق جرس انذار بين اعضاء البرلمان في مزيد من المقاعد الهامشية فيما يتوقع ان تجري الانتخابات العامة في مايو (ايار) أو يونيو (حزيران) من العام المقبل. وكان بلير يمثل في وقت من الاوقات أفضل رصيد انتخابي لحزب العمال لكن التراجع في تصنيف الثقة فيه منذ حرب العراق دفع بعض اعضاء البرلمان الى التساؤل بشأن ان كان أصبح عبئا على الحزب. ولحسن حظ بلير فشل حزب المحافظين المعارض في الاستفادة من مشاكل رئيس الوزراء. وتظهر استطلاعات الرأي انه ما زال على الطريق لتحقيق فوز تاريخي والفوز بولاية ثالثة. لكن بينما يتحقق الفوز في الانتخابات البرلمانية البريطانية على اساس قضايا محلية، يقول محللون ان مستقبل بلير ما زال معلقا بالعراق، حيث يتمركز الاف الجنود البريطانيين. وأي فوضى في العراق أو سقوط عدد كبير من القتلي في صفوف الجنود البريطانيين على أحسن الفروض سيعرقل جهود حزب العمال البريطاني للحصول على أغلبية كاسحة. وسيسلم اللورد باتلر المسؤول الحكومي السابق يوم الاربعاء المقبل تقريره بشأن معلومات المخابرات الخاصة بالعراق التي ساعدت في اعداد ملف الحرب، وهو الامر الذي سيجدد الشكوك في مصداقية بلير. وقاد بلير بريطانيا الى الحرب على اساس ان اسلحة الدمار الشامل العراقية تفرض مخاطر رغم معارضة غالبية الرأي العام. لكنه اعترف بأنه ربما لن يتم العثور على هذه الاسلحة أبدا. وقال روبرت ورستر من مؤسسة موري لاستطلاعات الرأي «باتلر يمثل مشكلة لرئيس الوزراء لانه دليل على انه لا يمكن الثقة في ان رئيس الوزراء يقول الحقيقة».

ولكن انصار بلير ينظرون الى المسألة من زاوية اخرى، هي انه كان يسعى لنشر الديمقراطية، وانه لا يجب ان يدفع ثمن نياته النبيلة، حتى اذا ارتكبت، هنا وهناك، اخطاء غير مقصودة، مثل تعذيب السجناء وعدم اكتشاف اسلحة دمار شامل وتقديم تقارير «مبالغ فيها» للبرلمان والفشل، بالنسبة للعراقيين، حتى في اعادة نظام الخدمات السابق.