15 شهرا من نوايا إعادة الإعمار لم تحرك عجلة الاقتصاد العراقي

وزير الصناعة والمعادن: مقابل مردود 73 مليون دولار دفع قطاع الصناعة 85 مليون دولار خلال خمسة أشهر لعمال لا يعملون

TT

ظل عصام عودة، 28 سنة، يذهب مرة واحدة كل شهر إلى العمل لتسلم أجره. وفي ذلك اليوم يلتقي رئيس العمال اللطيف بزملائه حيث يجلسون في مصنع أحواض المياه ليتبادلوا نكات حول صدام ثم يأخذون رواتبهم الشهرية ويعودون إلى بيوتهم. لكنه الآن ما عاد يبالي بالقيام بذلك لأن أحد جيرانه يجلب له الراتب. وقال عودة رافعا كتفيه «حتى أنهم دعونا الى عدم المجيء. إذ ليس هناك أي عمل».

أما صديقه محمد عرموط مهندس الطيران فكان يعمل على مقاتلات روسية في الجيش. لكن الآن ما عادت هناك طائرات عسكرية ولا خطوط جوية مدنية ولا يوجد أي عمل له. وعرموط مثل العمال الآخرين حصل على زيادة لراتبه حينما استولى الأميركيون على العراق. وهو يحصل على شيك كل شهر لقيامه بلا شيء.

وقال الوزير المكلف بمصانع القطاع العام إنه ليست هناك أي حاجة إلى ما يقرب من ثلثي قوة العمل الموجودة لديه. وقدر مسؤولون آخرون عدد المصانع التابعة للدولة وغير المشتغلة حاليا بنسبة خمسين بالمائة من مجموع قطاع الدولة أما الجزء الباقي منها فهي تستند على جزء صغير سوي من قدراتها.

وتكشف الفجوة حجم المشاكل التي تواجه الحكومة العراقية المؤقتة التي أخذت مقاليد الحكم يوم 28 يونيو الماضي.

وبعد مرور 15 شهرا على بدء الاحتلال الأميركي، ومع أهدافها الطموحة في تحويل العراق إلى نموذج للسوق الحرة في الشرق الأوسط، لم تتحرك بعد عجلات الاقتصاد العراقي على المستوى اليومي. فلم يحدث سوى القليل من عمليات إعادة الإعمار. وما زالت المباني المسروقة قواقع فارغة. والمصانع ما زالت ساكنة، بسبب غياب الكهرباء والسوق والنقص في المواد الخام وقطع الغيار والحوافز. وقد سقطت الخطط الأميركية الهادفة إلى خصخصة قطاع الصناعة الحكومي المهلهل. ويقول المسؤولون العراقيون إن المشرفين الأميركيين جاءوا وكشفوا عن المشاكل ثم غادروا.

وقال هاشم حساني وزير الصناعة والمعادن الجديد معلقا «جاء الأميركيون وهم يظنون أنها مجرد نزهة. إنهم خُدعوا».

ما زالت الدولة تسيطر على أكثر الصناعات الكبيرة في العراق. فهناك 61 مؤسسة صناعية كبيرة تحت سلطة حساني وهذه تشكل 90% من الإنتاج الصناعي في العراق، وهذه تشمل النفط والسلع الجلدية والنسيجية. بالتأكيد لا يمكن اعتبار سوى النفط والإسمنت صناعة مربحة.

كانت وما زالت صناعة النفط هي التي تدعم اقتصاد العراق بشكل أساسي من حيث صب الأموال في محركاته. لكن مهمة إعادة الإعمار المثبطة للهمة ستمتص عواد النفط وهناك القليل من البدائل التي تستطيع أن تدعم الاقتصاد الوطني وتوفر الوظائف. فقطاع البناء يتكون من عدد كبير من الشركات الخاصة الصغيرة التي تحتاج إلى مشاهدة دفقة قوية في عمليات إعادة بناء العراق كي تبدأ هي الأخرى بالازدهار. وتظل الزراعة مهملة ومهلهلة. أما المصانع التي يمكن أن توفر فرص العمل فهي في حالة يرثى لها. إذ تعاني من حالات الخراب بسبب 13 عاما من المقاطعة الاقتصادية. وكانت الحكومة السابقة تحت سلطة صدام حسين تدير القطاع الصناعي بشكل مزر، ولم يجد الأميركيون الذين خططوا لتأميم شركات القطاع العام أي قيمة فيها.

والوزير حساني الذي هرب من العراق قبل 24 سنة حيث تمكن من تأسيس شركة تجارية في لوس أنجليس متخصصة في الاستيراد والتصدير، عاد إلى بلده قبل عام وهو يجد نفسه متروكا أمام مهمة الخصخصة. وهو يرأس كادرا يتميز بروح الإذعان ويعمل في مكاتب رثة انتقلت اليها وزارته بعد نهب المبنى الأساسي وحرقه. وحينما يذهب إلى أي مكان يرافقه الحرس إذ تم حتى الآن اغتيال عدد من المسؤولين الحكوميين.

ونظم في الفترة الأخيرة مؤتمر في الكويت لغرض بيع أو تأجير بعض الصناعات غير المربحة. وقال حساني بنبرة بائع سيارات واثق بنفسه «أنا لا أسميها بالخاسرة بل أسميها مصالح لها القدرة على تحقيق الربح ضمنا». ووجد في ذكر المؤتمر اهتماما لدى المستثمرين لكنهم في الوقت نفسه يفضلون الانتظار حتى يتوقف انفجار القنابل وينقطع إطلاق النار، حسبما قال وزير الصناعة والمعادن.

وحسب إحصائيات وزارته فإن قطاع الصناعة العام قد حقق مردودا ماليا قدره 73 مليون دولار خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذه السنة لكنها دفعت 85 مليون دولار كأجور فقط وأغلب عمال الوزارة هم لا يعملون حاليا.

وقال حساني إن المشكلة تكمن في ما قامت به الإدارة المدنية لسلطات التحالف بعد سقوط النظام السابق حينما ضاعفت الرواتب لتقليص حالة عدم الاستقرار. وهذه الزيادة الكبيرة جعلت مؤسسة حكومية مثل شركة الصناعات الصوفية تنتج سلعها بأسعار عالية تزيد عن أسعار السلع المنتَجة.

وقال مقبل البراك مدير هذه الشركة «نحن لا نستطيع أن نبيع منتجاتنا في السوق المحلية. أسعارنا عالية جدا. إنه شيء جيد أن تكون هناك رواتب أعلى لعمالنا، فالناس بحاجة إلى يطعموا أسرهم، لكنه كارثة بالنسبة للشركة». وقال البراك إنه مع تكدس الإنتاج في مخازن الشركة «أصبحنا ندفع كثيرا وستصبح الشركة صفرا في نهاية المطاف».

أما بالنسبة للشركة الحكومية الخاصة بإنتاج البطاريات فالمشكلة تكمن في الكهرباء. إذ أن المولدات عاطلة والكهرباء القادمة من محطات الطاقة تنقطع باستمرار وهي لا تستطيع أن توفر كهرباء مستمرة تحتاج إليها الشركة لتذويب الرصاص حسبما قال العمال هناك.

كذلك هناك شركات أخرى لا تمتلك الرأسمال الكافي لشراء العدة أو قطع الغيار. ويرفض المزودون بالمواد الأولية نقلها عبر طرق العراق المملوءة باللصوص.

لكن الكثير من العمال العراقيين لا يملكون أي حافز للعودة إلى العمل إذا بقيت رواتبهم غير مدفوعة، حسبما قال الوزير حساني. فهم كانوا يعملون قليلا أثناء حكم صدام حسين ولا يريدون أن يبدأوا بالعمل الآن.

وقال حساني «نحن ورثنا هذه المصانع مع عدد عمالها الكبير. فمن بين الـ150 ألف عامل في قطاع الدولة الصناعي أنا ربما احتاج إلى ثلث هذا العدد. إن لدي عددا من الناس الذين لا يقومون ربما بأي شيء. والكثير من الصناعات العسكرية تحتاج إلى التحول صوب الإنتاج المدني. ماذا يمكننا أن نفعل مع مصنع ينتج بنادق؟ لكنني لا أستطيع أن أضع هؤلاء الناس في الشارع. فالوضع الأمني سيصبح أسوأ آنذاك».

وأضاف الوزير حساني «دعني أكون صادقا. الانتاجية هنا هي ربما 20 دقيقة في اليوم. والعمال لم يحبوا الحكومة. ولم يُدفع لهم في السابق بشكل جيد. وكل منهم يقول: لماذا علي أن أعمل؟ وهذا السلوك ما زال قائما. كيف سيكون بإمكاننا أن نغيره؟».

وقال مهندس الطيران عرموط «إنه شيء جميل الذهاب إلى العمل، لكن ليس هناك عمل لي، لذلك أبقى في البيت مع أطفالي. زوجتي تريد مني الخروج من البيت، لكن ليس هناك أي شيء أستطيع القيام به».

*خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»