وزير الخارجية الفرنسي يوقع 4 اتفاقيات تعاون مع الجزائر تمهيداً لإطلاق معاهدة «صداقة» العام المقبل

بلخادم تعليقاً على تصريح لضيفه الفرنسي: الجزائر والمغرب ليسا بحاجة إلى وسيط بخصوص الصحراء

TT

وقع وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه مع نظيره الجزائري عبد العزيز بلخادم امس في العاصمة الجزائرية اربعة اتفاقات تعاون، تمهيداً لاطلاق «معاهدة صداقة» بين البلدين العام المقبل على الارجح.

وكان ملف الصحراء الغربية حاضراً بقوة خلال زيارة اليومين التي قام بها بارنييه الى الجزائر وانتهت امس، اذ أعلن بلخادم أن الجزائر والمغرب «ليستا بحاجة الى وسيط» من أجل إقامة حوار بينهما وأن هذا الحوار «لم ينقطع»، نافيا أن تكون فرنسا تدعو «الى حوار مباشر بين الجزائر والمغرب حول مسألة الصحراء». وأكد الوزير الجزائري، أمس، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الفرنسي، أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «يتلقى الكثير من الرسائل والاتصالات الهاتفية» من العاهل المغربي الملك محمد السادس، مضيفا أن الجزائر «مستعدة للذهاب الى أبعد مدى ممكن مع الإخوة المغاربة لتطوير التعاون الثنائي» من غير أن يؤثر موضوع الصحراء الغربية على رغبة الطرفين في تطوير علاقاتهما الثنائية.

ووصف بلخادم العلاقات مع المغرب بأنها «حيوية»، مؤكدا أن الجزائر «تريد أفضل العلاقات» مع «الجار والإخوة المغاربة» بغض النظر عما يمكن أن يؤول إليه الملف الصحراوي الذي تعتبره الرباط «عقبة» امام تنقية العلاقات مع الجزائر وامام إعادة إطلاق الاتحاد المغاربي. وأفاد الوزير الجزائري أن وزير الداخلية المغربي والوزير الأول سيزوران في الأسابيع المقبلة الجزائر.

وأكد بلخادم أن بلاده «مستعدة لإيجاد حل سياسي لموضوع الصحراء الغربية شرط أن يحترم هذا الحل حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره» واضعا مسألة الصحراء في إطار «جلاء الاستعمار» ومركزا على خطة جيمس بيكر، الممثل الشخصي السابق للأمين العام للأمم المتحدة الذي أسف لاستقالته.

وكان وزير الخارجية الفرنسي، الذي التقى بوتفليقة خلال الزيارة وسبق بأربعة أيام وزيرة الدفاع الفرنسية الى الجزائر ووزير الاقتصاد والمال الذي سيحل في العاصمة الجزائرية قبل نهاية الشهر الجاري، قد أعلن أن باريس «تشجع الحوار المباشر» بين الجزائر والرباط «الأمر الذي يساهم» في بلورة حل «سياسي» للصحراء، «يوافق عليه الطرفان ويكون في إطار الأمم المتحدة». واعتبر بارنييه أن هذا الحوار من شأنه «تسهيل دينامية التكامل المغاربي وكذلك الشراكة الأوروبية المتوسطية» التي تعاني من مراوحة الاتحاد المغاربي في مكانه. وبحسب الوزير الفرنسي، فإن البلدين الجارين «مستعدان على أعلى المستويات لاستكمال الحوار القائم بينهما وإعطائه انطلاقة جديدة»، مؤكداً من جديد أن الحوار بين الطرفين «مفيد وأساسي» وأن باريس «تشجعه».

وكشفت مصادر فرنسية واسعة الاطلاع مرافقة للوزير بارنييه لـ«الشرق الأوسط» أن وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى أبلغ نظيره الفرنسي خلال لقائهما الأسبوع الماضي في باريس أن الملك محمد السادس أعطى توجيهاته بـ«ضرورة تسهيل الحوار والتقارب مع الجزائر الى أبعد حد ممكن». وأضافت المصادر أن باريس «تعول» على هذه الحالة النفسية الجديدة وترى فيها «مؤشرا» لتطور إيجابي بين البلدين رغم تأكيد كل طرف على مواقفه التقليدية إزاء مسألة الصحراء. وتضيف المصادر الفرنسية أن باريس تعتبر أن «تحسن العلاقات الثنائية بين الجانبين من شأنه تسهيل التقارب» حول موضوع الصحراء الذي تصفه بأنه «من النزاعات الخفيفة الحدة». وبحسب هذه المصادر، فإن الإفراج عن عدة مئات من الأسرى المغاربة لدى جبهة البوليساريو تم بضغوط وبطلب من الجزائر.

واعربت هذه المصادر عن الامل بأن يتم الإفراج على ما تبقى من الأسرى مما سيشكل دليلا إضافيا على تطور العلاقة بين الجانبين. غير أن المصادر الفرنسية أسفت لكون القضية الصحراوية «ليست أولوية دولية» ولأن ثمة قبولاً «للتعايش معها».

وترى باريس التي تقف الى جانب المغرب في قضية الصحراء وتشدد على حل بـ«التراضي»، أن الصحراء الغربية «ليست أولوية أميركية» لكنها تعتبر أن انخراط واشنطن في البحث عن حلول يمكن أن يساعد المجموعة الدولية وجهود الأمم المتحدة.

وتنظر باريس باهتمام الى اقتراح وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس الذي عرض على فرنسا العمل معا وبالتنسيق في ما يخص موضوع الصحراء، علما أن مواقف مدريد تدعم تقليديا البوليساريو واستطرادا الجزائر. وقالت المصادر الفرنسية لـ «الشرق الأوسط» إن «إيصال رسالة موحدة من مدريد وباريس الى الأطراف المغاربية بشأن الصحراء سيكون ذا فائدة كبيرة».

غير أن الموضوع الأساسي لزيارة بارنييه الى الجزائر، في زحمة اللقاءات والزيارات المتبادلة ومنها زيارة الرئيس بوتفليقة الى فرنسا منتصف الشهر الجاري للمشاركة في احتفالات الذكرى الستين لإنزال الحلفاء على الشاطئ الفرنسي المتوسطي والذي شارك فيه آلاف من الجنود الجزائريين والمغاربة بشكل عام، كان تقويم ما تحقق على صعيد العلاقات الثنائية منذ زيارة الدولة التي قام بها الرئيس جاك شيراك الى الجزائر في مارس (آذار) من العام الماضي.

وكدليل على العلاقة الاستثنائية بين الرئيسين شيراك وبوتفليقة، لاحظ بلخادم ان الرئيسين اجتمعا تسع مرات منذ تسلم الرئيس الجزائري السلطة عام 1999. وتعود آخر زيارة لشيراك الى الجزائر الى ابريل (نيسان) الماضي عندما توجه لتهنئة بوتفليقة على إعادة انتخابه.

وأعلن الوزير الفرنسي بارنييه أن البلدين «ينظران الى الأمام» لجهة تنمية علاقاتهما التي وضعت تحت عنوان «الشراكة الاستثنائية». وتشكل فرنسا الشريك الاقتصادي والمالي الأول للجزائر.

وخلال زيارة اليومين، بحث بارنييه مع الرئيس بوتفليقة والوزير بلخادم في ما آل إليه العمل على بلورة «معاهدة صداقة» بين فرنسا والجزائر وهو ما تم الاتفاق عليه العام الماضي بين الرئيسين. وقال بارنيه إنه يأمل التوقيع عليها العام المقبل. وبحسب ما قاله الوزير الفرنسي، فإن هذه المعاهدة ستتناول أربعة فصول رئيسية هي التعاون الثنائي والعلاقات الأوروبية المتوسطية والتعاون الأمني والدفاعي و«عمل الذاكرة» المقصود به طي صفحة النزاعات الدامية الماضية بين الدولة المستعمرة أي فرنسا والمستعمرة السابقة أي الجزائر.

وأمس، وقع الطرفان أربع اتفاقيات «فنية» في ميادين البيئة والبحث الأركيولوجي والتعاون الجامعي والتربوي والبحث في ما يخص الهزات الأرضية. ويبقى موضوعان «حساسان» في العلاقة الثنائية وكلاهما أثيرا في اجتماعات الوزير بارنييه الرسمية وهما حرية الصحافة والضغوط الرسمية على الصحافة الجزائرية وهو ما تمثل في سجن أربعة صحافيين، والتعاون العسكري والدفاعي بين الطرفين.

وبالنسبة للموضوع الأول، قال بارنييه ردا على سؤال صحافي إن باريس «متمسكة بحرية الصحافة وتعدديتها في كل العالم» بما يعني في الجزائر أيضا. وبعد أن أعلن أنه «لا يعرف جيدا» الجزائر أضاف أنه «فهم أن الصحافة حرة ومتعددة في الجزائر وباللغتين العربية والفرنسية». واعتبر أنه «من المهم لصورة الجزائر أن تستمر فيها التعددية الصحافية» مما يعكس، في الوقت عينه رغبة فرنسية في الاستجابة لطلبات الجمعيات والهيئات التي تريد من باريس الالتفات الى هذ المسألة وكذلك حرص فرنسا على عدم إغضاب السلطات الجزائرية.

أما بخصوص التعاون الدفاعي الذي سيبحث مطولا إبان زيارة وزيرة الدفاع ميشال أليو ماري، فإن المسؤولين الجزائريين والفرنسيين لم يتناولوه علنا. لكن هذا الموضوع فرض نفسه على خلفية تقارير صحافية فرنسية تحدثت عن قرب توصل الجانبين الى اتفاق دفاعي وعن رغبة فرنسية في مواجهة النفوذ الأميركي المتنامي في الجزائر.

الا ان مصادر فرنسية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «منفتحة على التعاون الدفاعي الذي ينمو بالتدريج» لكن توقيع اتفاق دفاعي «غير مطروح». وتضع باريس التعاون الدفاعي ليس في إطار التنافس مع واشنطن وإنما في إطار تنامي العلاقات الثنائية والشراكة المتجددة. وتعود «حساسية» الموضوع الى أن باريس رفضت في الماضي الاستجابة لطلبات جزائرية بشراء أنواع من السلاح كانت باريس ترى أنه يمكن استعمالها في أغراض أمنية داخلية وهو ما كانت ترفضه لتحاشي اتهامها بالتدخل فيما كان حاصلا في الجزائر خلال فترة التسعينات.