أبو سليمان المكي.. أصولي ثوري ينظر له «الأفغان العرب» بتعاطف رومانسي

TT

خالد بن عودة الحربي المكنى بأبو سليمان المكي، نموذج لحقبة الثورة الأصولية في العالم. هو رجل متعدد النشاطات، وقد استقى خبراته ووزعها أيضا في أكثر من مكان.

قاتل في أفغانستان، في إقليم قندهار، معقل ومنطلق حركة طالبان وزعيمها الملا عمر، هذا الاقليم الذي يحظى بتعاطف رومانسي من قبل «الافغان العرب». لقبه بعض محبيه بأسد قندهار، مع أنه لم يكن قائدا مبرزا في قندهار أيام القتال الأفغاني.

من مكة، العاصمة الروحية للمسلمين، انطلق الحربي، واتخذ من اسم المدينة لقبا له. وكان مدرسا في معهد الحرم، الذي يعقد حلقاته في جنبات المسجد الحرام، وهناك كان يلقي دروسه ومواعظه في السيرة النبوية بأسلوب وجداني مؤثر. ظل هذا الأسلوب رفيقه في مسيرته، وصار سمة مميزة له.

بعد عودته من افغانستان في الربع الأول من التسعينات، مكث قليلا في مكة ومارس تدريسه، لكنه ظل، شأن كثير من الأفغان العرب، مأخوذا بفكرة الجهاد، وواحدية الحل الجهادي لأزمات المسلمين الكبرى.

من حين اندلاع أزمة البوسنة والهرسك وتدفق المتطوعين العرب للقتال، غادر إلى هناك، حيث معسكرات المقاتلين، وأبرزها معسكر «كتيبة الجهاد» أو ما يعرف بمعسكر «أبو المعالي» الجزائري الجنسية، والجماعة الأقل شأنا والأكثر تمردا جماعة «أبو الزبير الحائلي».

وأصبح للحربي مكانة هناك بفضل الطراوة التي يمتاز بها أسلوبه الوعظي المشحون بالقصص المؤثرة عن الرسول والصحابة ومحاولة تمثلها، وفق آلية معينة، في النزاعات العسكرية الحديثة.

إلا أن الأمر لم يطل بأبي سليمان، حيث اصيب في ظهره وتحديدا في عموده الفقري، إصابة تسببت في شلل أطرافه السفلى.

وعاد الحربي الى السعودية، ودخل المستشفى السعودي الألماني في جدة، المتميز بطب العظام، ليجري جراحته.

ثم خرج مقعدا إلى مكة ليعاود تدريسه للسيرة النبوية في حلقات معهد الحرم في مكة، ويستقبل المتعاطفين مع الجهاد في مضافته او «حوشه» في مكة المكرمة، حيث كان يلقي الدروس والمواعظ التحريضية على القتال في البوسنة والشيشان وغيرهما. وكان ذلك مؤثرا جدا على محبيه من الشباب.

اشتهر الحربي بلقب «الشيخ» بين أتباعه، بسبب اعتقادهم انه ينطوي على العلم الديني، وبسبب فقر الأسماء المرجعية الشرعية في التيار الجهادي القتالي، حيث يغلب على الشباب المنخرطين في هذا التيار بساطة التحصيل العلمي، في مقابل الاندفاع والحماسة «الإيمانية».

وتعاظم تأثيره النفسي، وتضخمت صورة القدوة فيه، إلى أن اندلعت الأحداث الكبرى بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ومن ثم غزو أميركا لأفغانستان وإسقاط إمارة طالبان بعد رفضها تسليم زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. حينها ازدهر التعاطف مع أسامة، وتسلل بعض المقاتلين العرب، ومنهم السعوديون، إلى افغانستان للمشاركة في القتال مع بن لادن وطالبان.

الحربي، ورغم إعاقته تسلل في ذلك العام إلى أفغانستان. وبحكم المعرفة القديمة بالساحة، استطاع الالتقاء بأسامة بن لادن، بل إن الأخير أقام له حفل عشاء على شرفه، وترددت الأنباء أن هذا اللقاء قد تم في قندهار نفسها.

في هذا للقاء الذي طيرت صوره فضائيات العالم ظهر أبو سليمان بجانب بن لادن، مباركا عملية 11 سبتمبر ومتعجبا منها وناقلا له دعاء الناس له، ومستغربا من أن الأمور جرت اسهل مما كان متوقعا.

ثم غاب عن الأنظار بعد هذا الشريط، وأشاع بعض المتعاطفين مع «القاعدة» في الإنترنت أن اختفاء الحربي إنما جاء بسبب انتشار صورته في هذا الشريط الذي عُثر عليه من ضمن وثائق تحصلت عليها القوات الأميركية بعد انسحاب طالبان من مواقعها.

الحربي الذي كان مختبئا في إيران طيلة هذه المدة، وربما برعاية الحرس الثوري الإيراني، لم يتم تأكيد ذلك حتى كُشف النقاب عن اتصاله بالسفارة السعودية في طهران للاستفادة من مهلة العفو التي قدمتها الحكومة السعودية وتبلغ شهرا.

يبقى أن الحربي الذي ذكرت بعض المصادر انه متزوج من ابنة ايمن الظواهري مساعد زعيم «القاعدة»، يبلغ عمره حوالي 40 سنة واكبر أولاده هو سليمان الذي به يكنى.