مستشارون أميركيون سابقون مؤيدون للحرب يبدأون بجني الأتعاب من المشاريع الاستثمارية في العراق

TT

في الأشهر والسنوات التي ادت الى غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة كانوا يتقدمون جبهة مؤيدي شن الحرب، وكجماعة ضغط ومستشاري علاقات عامة ومستشارين موثوقين لكبار المسؤولين الاميركيين كانوا يحذرون من أسلحة الدمار الشامل العراقية، ويثنون على احمد الجلبي، ويجادلون بأن الاطاحة بصدام حسين مسألة تتعلق بالأمن القومي ومهمة اخلاقية.

أما الان، وفيما يستمر القتال في العراق فانهم يقومون بجمع عشرات الألوف من الدولارات في شكل رسوم لمساعدة زبائن المشاريع على متابعة العقود والفرص المالية الأخرى في العراق. وعلى سبيل المثال هناك مساعد سابق لاحد اعضاء مجلس الشيوخ الاميركي ساعد في الحصول على تمويل أميركي للمنفيين المعارضين لصدام الذين ينشطون الآن في العراق لديه صفقة بقيمة 175 ألف دولار لتقديم المشورة الى رومانيا حول الفوز بمشاريع في العراق وأمور أخرى.

وتعكس السهولة التي تحولوا بها من سياسات التأييد وتقديم النصح لكبار المسؤولين الحكوميين الى الحصول على الأموال في نشاطات مرتبطة بسياساتهم ونصائحهم، تعكس الحدود الغائمة التي غالبا ما توجد بين المصالح العامة والخاصة في واشنطن. وفي معظم الحالات لا تنطبق قوانين صراع المصالح الفيدرالية على المسؤولين السابقين أو على الأشخاص الذين يعملون كمستشارين فقط.

وقال لاري نوبل، المدير التنفيذي لمركز قضايا الاستجابة ان أفعال المسؤولين الاميركيين السابقين وغيرهم ممن خدموا في المجالس الاستشارية الحكومية، وعلى الرغم من كونها ليست غير شرعية، يمكنهم ان يطرحوا ظهور صراع المصالح. وقال نوبل «ان ما يثير الارتياب هو ما اذا كانت المشورة التي يقدمونها هي في مصلحتهم الخاصة أكثر مما هي في المصلحة العامة».

ويختلف مايكل شايرز أستاذ السياسة العامة في جامعة بيبرداين قائلا «لا أرى قضية أخلاقية هنا. أرى أشخاصا يسعون الى مصالحهم الخاصة».

ويعتبر المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية جيمس وولسي مثالا بارزا لهذه الظاهرة، حيث يمزج مصالحه التجارية بما ينظر اليه باعتباره مصالح البلاد الاستراتيجية. فقد ترك الوكالة عام 1995 ولكنه بقي مستشارا حكوميا كبيرا حول قضايا الأمن القومي والاستخبارات بما في ذلك العراق. وفي غضون ذلك يعمل في شركتين خاصتين تقومان بمشاريع تجارية في العراق وهو شريك في شركة تستثمر في المشاريع التي توفر خدمات الأمن ومكافحة الارهاب.

وقال وولسي في مقابلة معه انه ليس مشاركا بصورة مباشرة في الشركات ذات المشاريع المرتبطة بالعراق. ولكن كنائب لرئيس شركة بوز ألن هاميلتون للاستشارات كان خطيبا مميزا في مايو(ايار) 2003 في مؤتمر ساهمت الشركة برعايته ودفع فيه حوالي 80 من مديري الشركات وآخرون ما يصل الى 1.100 دولار للاستماع الى وجهات نظر اقتصادية ومعلومات عن فرص العمل في العراق.

وقبل الحرب كان وولسي عضوا مؤسسا في لجنة تحرير العراق، وهي مؤسسة تشكلت عام 2002 بناء على طلب من البيت الأبيض للمساعدة على تعزيز الرأي العام للحرب في العراق. كما كتب عن الحاجة الى تغيير النظام وترأس المجلس الاستشاري لوكالة المخابرات المركزية ومجلس السياسة الدفاعية، الذي وفر اعضاؤه مجانا مشورة حول العراق وقضايا أخرى لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد.

وولسي جزء من مجموعة صغيرة تظهر بوضوح شديد الطبيعة المتداخلة للطريقة التي يمكن ان يعمل بها النظام الداخلي. وكان أعضاء هذه المجموعة الذين يتنقلون في الدوائر الاجتماعية ذاتها وغالبا ما يجلسون سوية في الهيئات الحكومية مع أعضاء فرق البحث وجماعات الترويج ممن يماثلونهم في نمط التفكير، كانوا يكتبون رسائل الى البيت الابيض تحث على القيام بعمل عسكري في العراق، ويشكلون مؤسسات تمارس الضغط من أجل الغزو ويدفعون باتجاه التشريع الذي فوض تقديم المساعدة لجماعات المعارضة في المنفى.

ومنذ بداية الحرب وعلى الرغم من العنف وعدم الاستقرار في العراق تحولوا الى المشاريع الخاصة.

وتضم المجموعة اضافة الى وولسي:

1ـ نيل ليفنغستون وهو مساعد سابق في مجلس الشيوخ. عمل مستشارا في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووجه دعوات عامة متكررة من أجل الاطاحة بصدام حسين. وهو يترأس شركة غلوبال أوبشنز التي تتخذ من واشنطن مقرا لها وتوفر خدمات في مجال العقود والاستشارات الى شركات تعمل في العراق.

2 ـ راندي شونمان وهو مستشار سابق لرامسفيلد ساعد على اعداد صيغة قانون تحرير العراق عام 1998 والذي اقر تقديم مساعدة أميركية بقيمة 98 مليون دولار الى جماعات المعارضة العراقية في المنفى. وكان الرئيس المؤسس للجنة تحرير العراق. وهو الآن يساعد دول الكتلة السوفياتية السابقة في الحصول على فرص عمل هناك.

3 ـ مارغريت بارتل التي أدارت الأموال الفيدرالية التي دفعت الى جماعة الجلبي في المنفى، التي تحمل اسم المؤتمر الوطني العراقي، بما في ذلك أموال لقاء المعلومات التي قدمها قبل الحرب حول برنامج صدام الخاص بأسلحة الدمار الشامل. وهي الان تترأس شركة استشارات في واشنطن تساعد المستثمرين على ايجاد شركاء عراقيين.

4 ـ ريفا ليفنسون وهي متخصصة من واشنطن في العلاقات العامة تلقت أموالا فيدرالية لتصعيد الدعم في فترة ما قبل الحرب للمؤتمر الوطني العراقي. وتحتفظ بصلات وثيقة مع بارتل وتساعد الآن الشركات على ايجاد فرص عمل لها في العراق، جزئيا عبر صلاتها مع المؤتمر الوطني العراقي.

ويسعى مؤيدون آخرون للعمل العسكري ضد صدام حسين الى فرص تجارية في العراق. ومن بين المؤيدين المتحمسين للعمل العسكري جو ألباو الذي أدار حملة الرئيس بوش في انتخابات عام 2000 للوصول الى البيت الأبيض وترأس في وقت لاحق وكالة ادارة الطوارىء الفيدرالية، وادوارد روجرز، أحد مساعدي الرئيس بوش الأب، وقد ساعد أخيرا على تأسيس شركتين للترويج للمشاريع التجارية في عراق ما بعد الحرب. ولدى شركة روجرز للاستشارات القانونية عقد بقيمة 262.500 دولار لتمثيل الحزب الديمقراطي الكردستاني.

غير ان روجرز والباو لا يتمتعان بمكانة وولسي الرفيعة.

وبعد هجمات 11 سبتمبر 2001 كتب مقالة رأي في صحيفة «وول ستريت جورنال» قال فيها ان دولة اجنبية ساعدت تنظيم «القاعدة» في الاعداد لهذه الهجمات وكشف عن اسم العراق باعتباره المشتبه فيه الرئيسي. وفي اكتوبر 2001، ارسل نائب وزير الدفاع بول وولفويتز وولسي الى لندن، حيث بحث عن ادلة تربط صدام بالهجمات.

وفي مؤتمر عقد في واشنطن في مايو(ايار) من العام الماضي بعنوان «شركات في الميدان: تحديات الاعمال في اعادة بناء العراق،» تحدث وولسي حول القضايا السياسية والدبلوماسية التي ربما تؤثر على التقدم الاقتصادي. كما تحدث ايضا بطريقة تفضيلية عن قرار ادارة بوش بتحريك ميزان عقود اعادة البناء تجاه الشركات الاميركية.

وفي مقابلة صحافية قال وولسي انه لا يرى تعارضا بين الدفاع عن الحرب وتقديم استشارات الى الشركات حول العمل في العراق.

وبوز الن مقاول باطن في عقد في مجال الاتصالات قيمته 75 مليون دولار، كما قدم مساعدات في مجال المنح الفيدرالية للادارة. واشار وولسي الى انه ليست له علاقة بهذا العمل.

وجرت المقابلة مع وولسي في مكتب واشنطن لمجموعة «بالادين كابيتال» وهي شركة استثمارات هو شريك فيها. وتستثمر بالادين في الشركات العاملة في مجال أمن الوطن وحماية البنية الاساسية.

كما ان وولسي مستشار بأجر لـ «غلوبال اوبشنز» التابعة لليفنغستون. وقال ان عمله الخاص في الشركة لا يتعلق بالعراق.

وتحت ادارة ليفنغستون فإن غلوبال اوبشنز «تقدم مجموعة واسعة من خدمات مخاطر الادارة و الأمن»، طبقا لموقعها على شبكة الإنترنت.

وفي مقال رأي في عام 1993 لصحيفة «نيوزداي»، قال ليفنغستون انه يجب على الولايات المتحدة «تنفيذ برنامج سري ضخم لخلع صدام حسين».

وفي مقابلة صحافية جرت أخيرا، قال ليفنغستون ان لديه وجهة نظر اخرى بخصوص الحرب، ويرجع ذلك بصفة رئيسية الى الفشل في العثور على اسلحة المدار الشامل. الا انه كان متحدثا بصفة منتظمة في ندوات متعلقة بالاستثمار في العراق.

وفي الوقت الذي ركز فيه ليفنغستون على الفرص المتاحة بالنسبة للاميركيين، كان شونمان يركز على مساعدة دول الكتلة السوفياتية السابقة.

ويدير شونمان شركة للعلاقات العامة مقرها نفس مقر المتحدث باسم المؤتمر الوطني العراقي ولجنة تحرير العراق التي تم حلها.

ومن بين عملاء اوريون رومانيا التي وقعت عقدا لمدة 9 اشهر قيمته 175 الف دولار في اوائل العام الحالي. ويدعو العقد، ضمن اشياء اخرى اوريون الى الترويج لمصالح «رومانيا في اعادة تعمير العراق.». كما زار شونمان لاتفيا، وهو من العملاء السابقين لاوريون، والتقى هناك مع مجموعة من رجال الاعمال لمناقشة الاحتمالات في العراق.

وتجدر الاشارة الى انه لم يدافع احد عن الحرب في العراق بحماس مثل شونمان. فبعد اسبوع من هجمات 11 سبتمبر انضم مع اخرين من المحافظين في ارسال خطاب الى الرئيس بوش يطالبون فيه بإقصاء صدام.

وفي عام 2002 اصبح شونمان اول رئيس للجنة تحرير العراق التي سجلت اكبر نجاح لها في العام الماضي عندما اقرت 10 دول في اوروبا الشرقية الغزو الاميركي. واطلق على هذه المجموعة اسم «مجموعة فيلنيوس العشرة». وقد اظهرت هذه المجموعة ان «اوروبا متحدة بالالتزام بإنهاء نظام صدام الدموي»، كما ذكر شونمان انذاك.

وقد رفض مناقشة نشاطاتها المتعلقة بالعراق وقال «لا يمكنني مساعدتك في هذا المجال».

وقد لعب كل من شونمان وليفنغستون وولسي دورهم في الترويج للحرب مع العراق بطريقة علنية بصفة عامة. وبالمقارنة فإن بارتل ولفينسون كانا يعملان، بصفة عامة، بعيدا عن الرأي العام.

وفي اوائل عام 2003 اصبحت بارتل مديرة لـ«بوكسوود انكوربورشون» وهي شركة في فيرجينيا تأسست لتلقي اموال اميركية لبرنامج الاستخبارات للحزب الوطني العراقي.

واليوم فإن النقاد في الكونغرس يتهمون المؤتمر الوطني العراقي بتقديم معلومات خاطئة حول جهود صدام حسين لتطوير اسلحة دمار شامل وعلاقاته مع اسامة بن لادن. وقد بدأت بارتل العمل لحساب المؤتمر الوطني العراقي في عام 2001. وكانت مسؤوليتها مراقبة استخدام المؤتمر الوطني العراقي للاموال الاميركية بعد عدة تقارير انتقادية من المراقبين الماليين.

وبعد بداية الحرب، اسست بارتل شركة في فيرجينيا بإسم «غلوبال بوسشونينغ». وطبقا لها فإن الغرض الاساسي للشركة هو «تقديم الزبائن الى السوق العراقي، ومساعدتهم على العثور على شركاء عراقيين، وعقد اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين... وتقديم دعم في الميدان لمصالحهم في مجال الاعمال».

وتعمل بارتل عن قرب مع ليفنسون المديرة في شركة علاقات عامة اسمها «بي كي اس هي وشركاهم». وقال فرانسيس بروك، وهو من كبار مساعدي الجلبي، ان الشركة كانت تحصل على 25 الف دولار شهريا للترويج للمؤتمر الوطني العراقي، وان ليفنسون «انجزت عملا كبيرا بالنيابة عنا».

وفي عام 1999 استخدم المؤتمر الوطني العراقي ليفنسون للاشراف على العلاقات العامة. وقالت بارتل ان العقد مع الكونغرس انتهى في العام الماضي. وقبل غزو العراق وخلال الايام الاولى للحرب في العراق، كان الجلبي والكونغرس على علاقة وثيقة بإدارة بوش، ولكن العلاقات قد بردت في الآونة الاخيرة.

وقالت ليفنسون لصحيفة «لوس انجليس تايمز»: «لانرى أي تعارض في المصالح في استخدام معلوماتنا واتصالاتنا في العراق التي طورناها عبر اعمالنا السابقة مع المؤتمر الوطني العراقي لدعم التنمية الاقتصادية في العراق. ونحن نرى ذلك امرا اضافيا للاهداف المشتركة لتأسيس دولة ديمقراطية».

* خدمة «لوس انجليس تايمز»