«سي. آي. ايه» على نشر كتاب ضابط الاستخبارات الأميركي «المجهول».. بشروط

* أميركا تواجه العدو الذي تريده لا الذي يقف فعلاً على أرض المعركة * حرب العراق تشبه حرب المكسيك من حيث أنها لم تأت نتيجة استفزاز

TT

ربما يكون هو «المجهول» الأكثر شهرة في واشنطن هذه الأيام. فقد ظهر خلال الأسبوعين الماضيين في مقابلات شملت تقريبا كل الشبكات التلفزيونية في الولايات المتحدة، لكنه كان دائما في الظل ووجهه غارق في الظلام. إنه المسؤول الذي عمل 23 عاما بوكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. ايه) ونشر في الآونة الاخيرة كتابا بعنوان: «الغرور الإمبريالي: لماذا يخسر الغرب الحرب ضد الإرهاب؟».

وباعتباره موظفا بالوكالة فقد كان عليه أن يقدم مخطوطة كتابه الى مسؤوليها، ليقرروا نشرها أو حجبها. ولكن «سي. آي. إيه» أعطته، هو وناشره دار «براسي»، الضوء الأخضر لنشر الكتاب، شريطة عدم الكشف عن هويته.

عندما سمحت له الوكالة بنشر كتابه مع عدم الكشف عن هويته، فإنها سلطت أضواء باهرة على الكتاب. ولا غرو، فقد قفز مباشرة إلى موقع الكتب العشرة الأكثر مبيعا في موقع «أمازون» على الانترنت الأسبوع الماضي، مما أدى إلى أن تتحرك ماكينة التكهنات، في واشنطن لتتساءل عما إذا كان الكتاب يخدم أغراض «سي. آي. إيه».

ولكن اسم المؤلف بقي المعلومة الدقيقة الوحيدة في سيرته الشخصية التي لم يكشف عنها. فهو يقول في كتابه هذا انه قضى اغلب فترة عمله في «المقر الرئيسي»، حيث كان يعمل محللا خلال السنوات الـ 17 الماضية، وأنه ظل طوال هذه الفترة «يركز بصورة اساسية على قضايا الإرهاب». وتأتي المعلومات الأخرى حول سيرته من الناشرين والمراسلين: ففي الفترة بين 1996 وحتى نقله عام 1999، كان يدير مكتبا خاصا أنشئ للإشراف على جهد جمع المعلومات الاستخباراتية عن اسامة بن لادن وتنظيم «القاعدة». ولم يكن نقله اختياريا، ولكن لأن طريقته القائمة على الصراحة والمواجهة وآراءه الجريئة، لم تكن تتناسب مع الوسط الاستخباراتي، فسحب منه ملف «القاعدة». الا انه عاد إلى ميدان مكافحة الإرهاب في 12 سبتمبر (أيلول) 2001، لكن ليس للإشراف على ملف «القاعدة» تحديدا. وقال للصحافيين انه ألف كتاب «الغرور الإمبريالي»، لبعث رسالة معينة، وأنه لا يلوك كلماته في نقد إدارة البيت الأبيض وقيادة وكالة الاستخبارات المركزية. وعلى سبيل المثال فإنه يعبر عن احتقاره «للقادة الكبار» باعتبارهم «جبناء أخلاقيا» لأنهم تجاهلوا تحذيرات تلقوها عن «القاعدة».

ومع أنه ناقد صارم للمسؤولين في الاستخبارات وللقادة السياسيين، فانه لا يتردد في تسريب المعلومات السرية إلى وسائل الإعلام ويقول انه لم يستخدم في كتابه هذا إلا المعلومات غير المعتبرة سرية. وفيما يلي مقتطفات من كتاب «الغرور الإمبريالي»:

مكروهون بسبب سياساتنا لا بسبب قيمنا أحد أكبر المخاطر التي تواجه الأميركيين في تحديد كيفية مواجهة التهديد الاسلامي يكمن في الاستمرار في الاعتقاد بتحفيز من كبار الزعماء الأميركيين بأن المسلمين يكرهوننا ويهاجموننا بسبب ما نحن عليه وبسبب الطريقة التي نفكر بها، وليس بسبب ما نقوم به. ان العالم الاسلامي لا يشعر بالضيق من نظامنا الديمقراطي في المجال السياسي والدفاع عن الحريات وفصل الدين عن الدولة. مع احترامي لأولئك الذين يقولون اننا مكروهون بسبب ما نحن عليه وما نفكر به وما نمثله فانني أختلف مع هذا الرأي ومقتنع بأنه خاطئ بل وهراء ويمكن أن يكون مضراً. بينما تزعم اصوات هامة في الولايات المتحدة بأن نوايا السياسة الأميركية يساء فهمها من قبل المسلمين، فان هذه الأصوات مخطئة. أميركا تتعرض للكراهية والهجوم لأن المسلمين يعتقدون انهم يعرفون على وجه الدقة ما تقوم به الولايات المتحدة في العالم الاسلامي. ويعود مصدر معرفتهم في جانب الى تصريحات أسامة بن لادن، وفي جانب آخر الى محطات التلفزيون الفضائية، لكن الشيء الأعظم يعود الى الواقع الملموس للسياسات الأميركية، وليس كما قال الرئيس جورج بوش على نحو خاطئ، الى «الدفاع عن الحرية وكل ما هو خير وعادل في العالم».

تذكروا كم هو سهل على المسلمين أن يكرهوا السياسات الأميركية الست التي يشير اليها كثيرون مرارا وتكرارا باعتبارها مناوئة للاسلام:

ـ دعم الولايات المتحدة لاسرائيل لإبقاء الفلسطينيين عبيدا للاسرائيليين.

ـ وجود القوات الأميركية والغربية الأخرى في المنطقة.

ـ احتلال الولايات المتحدة للعراق وأفغانستان.

ـ دعم الولايات المتحدة لروسيا والهند والصين على حساب الناشطين المسلمين هناك.

ـ ضغط الولايات المتحدة على الدولة العربية المنتجة للطاقة لابقاء أسعار النفط متدنية.

ـ دعم الولايات المتحدة لحكومات فاسدة ومستبدة في العالم الاسلامي.

فقط عندما يتوقف القادة الاميركيون عن الاعتقاد بأن بن لادن وحلفاءه يهاجموننا بسبب ما نحن عليه وما نفكر به، يمكننا أن نضع جانبا حملتنا الصليبية غير الحكيمة من أجل الديمقراطية.

في تلك المرحلة، يمكن أن يبدأ الأميركيون مناقشة ذكية حول كيفية الحاق الهزيمة بهذا التهديد للأمن القومي، او تحديداً، لاتخاذ قرار حول ما اذا كانت السياسات الخارجية الأميركية الحالية تجاه العالم الاسلامي تنفع أميركا بما يكفي للتعويض عن المستويات المتزايدة من الخسائر البشرية والاقتصادية. أعتقد ان النصر ما يزال ممكناً من خلال مزيج من الجهود العسكرية القوية وتغيير دراماتيكي في السياسة الخارجية، ولا يمكن لأي من هذه العنصرين أن يكون كافيا لوحده. أخشى أن الولايات المتحدة تخسر الحرب بسبب السياسة العسكرية والخارجية الحالية والاعتقاد بأن خصومنا الاسلاميين سيتخلصون من الشعور بالكراهية تجاهنا اذا علمناهم الانتخابات والتعددية السياسية وتعزيز دور المرأة وفصل الدين عن الدولة.

* افغانستان والعراق

* اعتقد ان الحرب في افغانستان كانت ضرورية، ولكننا نخسرها بسبب غرورنا. فهؤلاء الذين فشلوا في تحقيق السلام في افغانستان بعد 1992 هم الذين يكررون الفشل عن طريق إملاء شؤون الحكم وصياغة الدستور في كابل لتقديم صورة ديمقراطية غربية، والتسامح الديني وحقوق النساء، وهي كلها محرمات في الثقافة السياسية والقبلية الافغانية. اننا ننجح فقط في خداع انفسنا.

بكل تأكيد، يريد الافغان ان يصبحوا مثلنا ويمتنعوا عن العمليات العسكرية ضد العدد المتزايد من المتمردين المعادين للولايات المتحدة، لطالبان والقاعدة بإعادة التجمع وإعادة التسلح. انهم الآن يشنون تمردا يزداد في حدته وفاعليته وتأييده الشعبي، وفي النهاية يجبر واشنطن على تصعيد وجودها العسكري او الانسحاب. بسبب غرورنا، فان ما نعرفه اليوم ونروج له بأنه ديمقراطية افغانية ناشئة هو وهم مفتعل نحن صنعناه. انه نظام مفروض من الغرب سيسحق اذا توقفت اميركا وحلفاؤها عن دعمه بقوة السلاح.

فيما يتعلق بالعراق، يجب القول انني اكره الحروب العدوانية مثل تلك التي وقعت هناك. انها غريبة عن تاريخنا وإحساسنا الاخلاقي وكرم اخلاقنا. وهذا لا يعني ان الحرب الاستباقية غير مطلوبة لمواجهة التهديدات المباشرة. لم يحدث في تاريخنا ان كانت العمليات الاستباقية مطلوبة مثلما كانت في العقد الماضي لمواجهة التهديد المباشر الذي يشكله اسامة بن لادن وحلفاؤه. لكن الغزو الاميركي للعراق لم يكن هجوماً استباقياً. كان، مثل الحرب في المكسيك عام 1846، حربا متعمدة وغير ناتجة عن استفزاز.

* متمردون ام ارهابيون

* تكشف الوثائق التي عثر عليها في المعسكرات الافغانية ان المعلومات الاستخباراتية التي تم الحصول عليها من اسرى الحرب، والأداء العسكري البارع لـ «القاعدة» والقوات التي دربتها «القاعدة» ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة، ان الغرب كان خاطئاً بخصوص الهدف الاساسي الذي اقيمت من اجله تلك المعسكرات لمدة تزيد عن عشر سنوات. كانت معسكرات «القاعدة» مأهولة بعدد من المقاتلين المخضرمين الذين دربوا متمردين ومقاتلين، لا يواجهون فقط قوات التحالف الشمالي الافغاني، وانما ايضاً جيوشاً نظاميةً في كشمير الهندية والشيشان واوزبكستان واريتريا واليمن والجزائر وتاجيكستان ومصر والبوسنة وغرب الصين واندونيسيا وماليزيا ومقدونيا وكوسوفو والفلبين. وهذا لا يعني ان المعسكرات لم تدرب ارهابيين، بل على العكس، فانهم دربوا اكثر الارهابيين موهبة في العالم. غير ان ذلك يعني ان تدريبات الارهابيين كانت جزءا فرعيا من نظام التدريبات في المعسكرات.

* توسع «القاعدة»

* ان توسع «القاعدة» بعد 11 سبتمبر (ايلول) لم يكن في المجال المادي، وانما على شبكة الانترنت. ومن المفارقة ان الولايات المتحدة وحلفاءها قد اعطت المواقع الانترنتية جاذبية واهمية اكبر من خلال شنها «حربا اعلامية» على عناصر «القاعدة» من خلال اجبارهم على اغلاق المواقع ودفع القائمين عليها للبحث عن شبكات خدمة اخرى.

ظلت الولايات المتحدة تخوض حروبا على مدى قرون، إلا ان الاميركيين تصرفوا جميعا بعد 11 سبتمبر وكأن هذه اول حرب تخوضها الولايات المتحدة. فقد قضينا العامين السابقين في تحويل ادارات حكومية فيدرالية غير قابلة للإدارة الى وزارات ضخمة غير قابلة للإدارة ايضا وإحراج انفسنا ببيانات وزارية شبه يومية تعطل في نفس الوقت التقدم الذي احرز ضد شبكة «القاعدة».

كان الامر مثيرا للارتباك وفي بعض الاحيان ابعد ما يكون عن الأداء المفترض. لم يكن من المفترض ان تفرز الحرب مجموعة من الاصوات التي تضخم الانتصارات وتقلل من شأن الخطر الذي لم يعرف حجمه الحقيقي. المواطن الاميركي العادي لا يريد تنويرا يوميا من قادته بقدر ما هو في حاجة الى الأداء الموثوق فيه الذي يسفر عن تقدم يمكن قياسه والحديث عنه دونما اثارة وتضخيم. وفي نهاية الامر، فإن بن لادن نجح في تخويفنا لأبعد درجة رغم اننا لم نسمع منه الا القليل منذ عام 2001 . قتل الناس بأعداد كبيرة ليس كافيا لهزيمة اعدائنا. مع القتل، يجب ان يكون هناك تدمير كامل للبنى التحتية على طريقة شيرمان. هذا العمل من شأنه ان يسفر عن سقوط الكثير من الضحايا المدنيين ونزوح الكثير من اللاجئين. إلا ان هذا النوع من العنف الدموي ليس مطلوبا ولا مرغوبا، لكنه سيظل خيار الولايات المتحدة الوحيد طالما ظلت متمسكة في تطبيق سياساتها الفاشلة في العالم الاسلامي.

اسامة بن لادن يشن حربا ضد الولايات المتحدة، في الوقت الذي تحاربه فيه الولايات المتحدة بسياسات لمكافحة الارهاب يغلب عليها طابع تطبيق القانون والاجراءات. هذه الوسيلة لم تنجح ولن تنجح. فقد ظلت الولايات المتحدة تحارب الارهاب منذ عام 1975 حتى عام 1995 بأجهزة استخباراتها. فعلنا ذات الشيء مع تنظيم «القاعدة» من خلال استخدام اجهزة الاستخبارات التي ألحقت اضرارا لم يسبق ان الحقتها بـ «مجموعة ارهابية»، إلا ان بوسع اسامة بن لادن استخدام اسلحة الدمار داخل الولايات المتحدة. فالحرب مع «القاعدة» حرب واضحة ومباشرة وليست حملة مكافحة ارهاب تقودها اجهزة الاستخبارات.

طبقا للنهج الذي تتبعه الولايات المتحدة، فإن مكافحة الارهاب تعتبر تهدئة او تسكينا للوضع.