باول أقل وزراء الخارجية الأميركيين أسفارا إلى الخارج وبوش أكثر ترحالا منه

وزير الخارجية تأثر برسالة من جورج كينان حذره من أن أسلافه شوهوا الوزارة بكثرة أسفارهم

TT

تشير سجلات وزارة الخارجية الأميركية إلى أن كولن باول ربما يكون وزير الخارجية الأقل ترحالا خلال ثلاثة عقود، منذ عهد هنري كيسنجر الذي جسد مفهوما لوزير الخارجية الذي يطوف الأرض من أقصاها إلى اقصاها. وتوضح هذا السجلات أن وزراء الخارجية الثلاثة الذي سبقوا باول زادت أسفارهم عنه بنسبة 45%. ويقول باول إنه يعيد إلى وزارة الخارجية جوهرها الحقيقي وهو إدارة العمل الدبلوماسي من واشنطن، فهو يسافر عند الضرورة ولفترات قصيرة جدا، ولكنه يكون على اتصال دائم بالقادة الأجانب عن طريق الهاتف، وبالجمهور الأجنبي عن طريق المقابلات التلفزيونية المتكررة. وقال ريتشارد باوتشر، الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية: «واجبه الأول هو تقديم الاستشارة للرئيس حول السياسة الخارجية وإدارة الوزارة التي تنفذ أهداف السياسة الخارجية. هذه المهام تمارس اساسا من واشنطن». تشمل اتصالات باول السريعة، كل العالم، وهو يتابع الأقاليم الزمانية ليتصل بنظرائه مع بداية صحوهم من النوم. إحصاءات وزارة الخارجية تقول انه أجرى 1500 محادثة هاتفية مع مسؤولين أجانب خلال عامين منذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، 2001 الإرهابية. وبالإضافة إلى المقابلات التي يجريها مع وسائل الإعلام الأجنبية، فإنه يلتقي بصورة منتظمة بالمسؤولين الأجانب المقيمين في واشنطن. ويقول باوتشر أنه يفعل ذلك بمعدلات لم يسبقه اليها أي وزير خارجية سابق في الماضي القريب.

وقد خفض باول بصورة واضحة من نفقات السفر، متجاوزا في ذلك كل الوزراء السابقين. وقد قضى باول 180 يوما مسافرا خلال 42 شهرا من توليه وزارة الخارجية. وزادت نسبة الأسفار من حيث عدد الأيام، لدى مادلين أولبرايت، ووارين كرستوفر وجيمس بيكر، مقارنة بكولن باول في فترة مشابهة بنسبة 46%.

ونسبة أسفار باول تضعه في موضع متقدم قليلا عن وليام روجرز، وزير الخارجية خلال الفترة من 1969 إلى 1973، والذي وضعه كيسنجر، مستشار الرئيس نيكسون للأمن القومي وقتها، في الظل.

ولكن باول متأخر كثيرا عن وزير الخارجية جورج شولتز، في عهد رونالد ريغان، وعليه أن يسافر لمدة 45 يوميا خلال فترته المتبقية ليصل مجموع أسفاره إلى 225 يوميا هي التي قضاها شولتز مسافرا خلال فترته كوزير للخارجية. ويتساءل بعض خبراء السياسة الخارجية، بل حتى بعض مسؤولي وزارة الخارجية، عما إذا كان جدول سفريات باول قد أثر بصورة ما على سمعة أميركا الهابطة في العالم. ويقول هؤلاء أن الإتصالات من وراء الكواليس مثل المحادثات الهاتفية، اثرها أضعف في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، من الدبلوماسية العلنية بما يصاحبها من نشاط شعبي. وقال السفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة ريتشارد هولبروك، وهو من أقوى المرشحين لوزارة الخارجية في إدارة يرأسها جون كيري: « الاتصالات الهاتفية ضرورية ولكنها ليست كافية. ففي العصر الحديث ينبغي لوزراء الخارجية أن يسافروا شاءوا ذلك أم أبوه. فلا بديل للسفر».

ونسبة لأن باول سافر كثيرا أثناء فترة عمله الطويلة في القوات المسلحة، فإنه لم يجئ إلى منصبه الحالي بشوق عارم للسفر. وقد جاء في كتاب سيرته الذاتية «رحلتي الأميركية » قوله: «نسبة لأني رأيت أغلب أنحاء العالم وعشت داخل الطائرات لسنين كثيرة، لم أعد متعلقا كثيرا بالسفر». وقبل فترة قصيرة من توليه منصبه، تلقى باول رسالة من عميد السلك الدبلوماسي، جورج كينان، الذي كان مساعدا لرجل يعتبره باول بطلا هو جورج مارشال. وقد نال مارشال جائزة نوبل للسلام وكان وزيرا لخارجية هاري ترومان. وقال كينان في تلك الرسالة إن أسلاف باول «اساءوا استغلال وزارة الخارجية وشوهوها بأسفارهم».

وقال كينان أن أغلب الأعباء الثقيلة في العمل الدبلوماسي يجب أن يقوم بها الموظفون الادنى في السلم الوظيفي من وزير الخارجية، وخاصة السفراء، مع بقاء الوزير في واشنطن. وجاء في رسالة كينان: «فترات الغياب الطويلة هذه يجب أن تبقى في حدها الأدنى والا يقدم عليها وزير الخارجية عندما تكون هناك بدائل مناسبة. إن غياب وزير الخارجية لفترات طويلة يحرم الرئيس مما يعتبر مصدره الأكثر وثوقا والأكثر كفاءة للنصح في قضايا السياسة الخارجية».

وقال باول إن رسالة كينان لمست أوتارا في قلب باول الذي كان يفكر بنفس الطريقة. وقال باول لمساعديه أنهم سيكونون قادته الميدانيين، وإنهم سيقومون بالأسفار ولكنه سيكون متوفرا عند الضرورة. ولذلك اعتمد باول على السفير الأميركي في بكين لحل نزاع مع الصين حول ارتطام مقاتلة صينية مع طائرة استطلاع أميركية. ثم كلف مساعد وزير الخارجية والتر كانستاينر ليجوب أفريقيا سعيا وراء كسب ثلاثة أصوات هامة كان محتاجا إليها في مجلس الأمن عند التصويت على العراق. وقد كسب كانستاينر هذه الأصوات، مع أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي في نفس الفترة غطت على زيارته.

ويشير المعارضون، مثل جيمس ستاينبيرغ بمعهد بروكنز، إلى الأغلبية الضئيلة التي صوت بها البرلمان التركي على رفض السماح للقوات الأميركية بدخول العراق من خلال تركيا، ويقولون إن زيارة ميدانية من باول كان يمكن أن تغير ذلك القرار. وقال خبراء السياسة الخارجية إن باول قضى فترة قصيرة نسبيا في الشرق الأوسط بعد الرحلة الصعبة التي قام بها في أبريل (نيسان) 2002، بالرغم من أن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وحرب العراق كانا من القضايا الأساسية التي شغلت الإدارة في هذه الفترة.

وما يزال هنري كيسنجر، الذي حددت رحلاته المكوكية إلى الشرق الأوسط طابع دوره في الحكم، صاحب أعلى سجل في الأسفار، إذ سافر لمدة 313 يوما في فترة عمله كوزير الخارجية والتي امتدت 39 شهرا. بل سافر باول اقل من جون فوستر دلاس، وزير خارجية آيزنهاور، ولا يزيد إلا قليلا على أسفار دين رسك، وزير خارجية جون كنيدي ولندون جونسون.

وتقل أسفار باول عن أسفار أقل وزير خارجية بـ 33 يوما. وهو يقضي فترات قصيرة في هذه الأسفار، حاصرا نفسه داخل قاعات المؤتمرات ومقللا إلى أقصى حد من النزهة والتفرج على معالم البلد. وخلال ثلاث سنوات ونصف السنة، كانت اللحظات الوحيدة التي قضاها في غير عمل رسمي هي 15 دقيقة في معبد بنيبال عام 2002، وبضع ساعات قضاها في منطقة البتراء الأثرية خلال رحلة إلى الأردن استغرقت ثلاثة أيام وذلك عام 2003. وفي كل العواصم الأجنبية كان يعتذر عن قصر زياراته ويعد بوقت أطول في الزيارة المقبلة.

وفي المتوسط خفض باول معدل زياراته الخارجية من 4.6 يوم في عام 2001، إلى 2.9 يوم خلال هذا العام. وكان معدل زيارات كيسنجر 8.7 يوم، كما كانت معدلات وزراء الخارجية الآخرين حوالي خمسة أيام.

ومما يعكس سرعة زياراته أنه قضى في السودان أقل من 24 ساعة وأقل من 36 ساعة في جاكرتا، وسافر ليلا مرتين أثناء أربع ليال قضاها خارج الولايات المتحدة.

ومن المفارقات أن الرئيس الأميركي جورج بوش قضى وقتا أطول خارج الحدود من أي رئيس آخر باستثناء والده في فترة رئاسته الأولى. وقد قضى بوش 64 يوما خارج الولايات المتحدة، مقارنة بوالده الذي قضى 78 يوما خارج الولايات المتحدة، كما قضى بيل كلنتون 56 يوما حسب إحصائيات وزارة الخارجية.

وقال شون ماكورماك، الناطق باسم البيت الأبيض، إن بوش يعتبر لقاء القادة الأجانب وجها لوجه ذا قيمة غير محدودة. ومع ذلك فإنه لا يعيب شيئا على باول في وتائر أسفاره. وأضاف «ما يهم الرئيس بوش هو الفعالية وهو يعتقد أن وزير الخارجية كولن باول فعال جدا».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»