مخاطر القتل والاختطاف تهدد الأكاديميين العراقيين البارزين والعوائل البغدادية

TT

مشكلتان خطيرتان تهددان المجتمع العراقي من جهة والحكومة المؤقتة من جهة ثانية، الاولى اغتيال الاكاديميين من اساتذة الجامعات العراقية، والثانية جرائم اختطاف العراقيين ومطالبة عوائلهم بدفع مبالغ كبيرة، وفي غالبية الاحيان لا تكون العائلة قادرة على توفيرها.

واذا كان هناك من يشير الى اغتيال الاساتذة على انه مسألة سياسية منظمة الهدف منها الانتقام اما من انصار النظام السابق او من اعداء نظام صدام حسين. وفي المجتمع العراقي من يذهب الى ابعد من ذلك واعتبار القضية تتعلق بانتقام اقليمي او دولي من العراق لافراغه من العقول العلمية، حيث اثمرت عمليات الاغتيال عن قيام غالبية من الاكاديميين بالهجرة الى خارج العراق، وحتى الان لم تعلن جهة مسؤوليتها عن اغتيال عشرات الاساتذة، وتقول الحكومة العراقية المؤقتة ان 31 محاضرا جامعيا قتلوا منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة العام الماضي على البلاد وتلقى الكثيرون غيرهم تحذيرات بأن يلتزموا الصمت، وتبدو ان عملية ذبح عميدة كلية القانون في جامعة الموصل مع زوجها قبل اسبوعين في دارها هي ليست آخر عمليات اغتيال الاكاديميين.

المعضلة الأمنية الثانية تتعلق باختطاف عراقيين بغض النظر عن اعمارهم او جنسهم او ميولهم السياسية، ذلك لان الهدف الاول هو الحصول عن طريق الابتزاز على الفدية التي تصل الى عشرات الالاف من الدولارات في احيان كثيرة.

قال الاكاديمي سعدون الدليمي، الذي وصله خطاب يحتوي على رصاصة الشهر الماضي «ارسلوا لي رصاصة كتبوا بالعربية يقولون.. حياتك لا تكلفنا سوى رصاصة فاغلق فمك».

لقد علمت تهديدات القتل والاغتيالات الاكاديميين العراقيين أن يتوخوا الحذر في ما يقولون.

وفي حين تختلف الدوافع للقتل يرى الاكاديميون أن مناخ الخوف الذي تخلقه هذه الاغتيالات والتهديدات يهدد باسكات الاصوات المعتدلة المطلوبة لمساعدة العراق على اقرار الديمقراطية.

ويقول الدليمي أستاذ علم الاجتماع الذي عاد للعراق بعد الاطاحة بحكم صدام حسين بعد أن قضى 17 عاما في المنفى «المتطرفون لديهم خطط شريرة للغاية للسيطرة على العقول العراقية». وأضاف «لا نريد شخصيات احادية التفكير بل نحتاج لعقول مرنة للتعامل مع الوضع في العراق».

ويعتقد الدليمي ان التهديد الذي وصله أرسله متشددون أغضبتهم انتقادات وجهها على قناة الجزيرة التلفزيونية الفضائية للمتشددين الاسلاميين في مدينة الفلوجة. واتهمت جماعات أخرى كذلك بالترويع، ففي وقت سابق هذا العام انتقد عبد اللطيف المياح رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة المستنصرية في بغداد الموالين لصدام في حديث تلفزيوني، وقتل بالرصاص خارج منزله في اليوم التالي.

استخدم زملاؤه المزيد من حراس الأمن، ويقف الان حارس شخصي قوي البنية يخبئ مسدسا تحت قميصه خارج مكتب أكاديمي بارز.

وفي عهد صدام كان المثقفون يعلمون أن عاقبة الانتقاد هي القتل، لكن القمع انتهي وانتهت معه حالة التيقن فهذه الايام قد تأتي الرصاصة من أي شخص. وقال ضاري الياسين رئيس قسم الدراسات الأميركية في كلية العلوم السياسية بجامعة بغداد «عندما نغادر منازلنا لا نكون واثقين من اننا سنعود اليها... ولا نعرف حتى سبب استهدافنا». ويعتقد بعض الاكاديميين أن هناك اتجاها متعمدا لترويع الاكاديميين وابعادهم عن العراق في محاولة لاستنزاف العقول من شأنها تقويض مؤسسات البلاد، على الرغم من عدم وجود اجماع واضح على من قد يكون وراء هذه الخطة.

قال اكاديمي من جامعة الموصل في شمال العراق حيث قتل خمسة محاضرين: «اعتقد أن هناك حملة كبيرة لترويع وتصفية المثقفين والمتعلمين في البلاد». وأضاف «الحكومة المؤقتة يجب أن تتخذ اجراءات لوقف هذه الحملة الدموية». ولا توجد بيانات عن محاضرين عراقيين يبلغ عددهم 17 الف محاضر تركوا البلاد منذ سقوط صدام، ويخشى مسؤولون بقطاع التعليم أن ترتفع الارقام اذا استمر الترويع.

وتقدر الحكومة أن 80 في المائة على الاقل من عمليات قتل الاكاديميين كانت لها دوافع سياسية، لكنها تقول ان فرص القبض على الفاعلين ضئيلة.

وقال طاهر خلف جبر البكاء وزير التعليم العالي لوكالة رويترز: انهم لم يتمكنوا حتى الان من القبض على أي من القتلة. وأضاف ان ذلك يجعل من الصعب تحديد أي جماعة هي المسؤولة عن هذه العمليات.

ولكن ليست كل العمليات تفوح منها رائحة المؤامرة. فبعض المحاضرين قتلوا في عمليات السطو المسلح التي انتشرت منذ سقوط صدام. وخطفت عصابات العديد من الاطباء وأطباء الاسنان طلبا للفدية. وفر اخرون للخارج، وكان للثأر دور كذلك.

كان العديد من اساتذة الجامعات أعضاء بارزين في حزب البعث الحاكم سابقا مما تركهم عرضة لهجمات من جانب افراد ينتقمون من حكم صدام. وقال البكاء ان محمد الراوي رئيس جامعة بغداد السابق، الذي كان طبيب صدام الخاص، قتل العام الماضي في عملية ثأر من هذا النوع.

وبالنسبة للعديد من الاكاديميين تتضاءل هذه المخاطر أمام عواقب الانشقاق في عهد صدام عندما كان يمكن القبض على شخص لمجرد انه سكب القهوة على صورة للرئيس في صحيفة. ويقول الاكاديميون الذين حلوا محل البعثيين بعد أن طردهم الغزاة الأميركيون انهم لا يجدون وظائف كافية للعائدين من المنفى. وأعرب حاتم الربيعي نائب رئيس جامعة بغداد عن اعتقاده بأن الوضع بالنسبة للاكاديميين الان أفضل بكثير منه قبل الحرب. وأضاف إن العديد من الاكاديميين الذين تركوا بغداد لاسباب اقتصادية أو سياسية يحاولون العودة الان.

وفي حين يختار المثقفون كلماتهم بحرص في الاحاديث التلفزيونية يأمل بعضهم على الاقل في أن يكون له دور أكبر في الحياة العامة في مرحلة ما بعد الحرب في العراق. وقال محاضر من جامعة المستنصرية واصفا عهد صدام «الاكاديميون كانوا يعاملون مثل جنود في معسكر كبير يقفون في طوابير تحت الشمس». وأضاف «كانوا يشعرون بانهم مهمشون في ظل النظام السابق...ويشعرون الان انهم يجب أن ينظر اليهم بمنظور جديد».

وهناك قلة قليلة تتحدث عن مصير مئات من المدنيين العراقيين الذين فقدوا في الاشهر الماضية.

واقتاد رجال مسلحون نوفل عادل حجويل، 14 عاما، وهو في طريقه الى مدرسته في وسط بغداد، الى سيارتهم وهددوا بقتله ما لم تدفع عائلته فدية قدرها خمسون الف دولار. وبعد اسبوع من المفاوضات المكثفة مع الخاطفين قررت عائلة حجويل ان تدفع كل مدخراتها البالغة ستة آلاف دولار لاطلاق سراح ابنها، لكن المعاناة الناجمة عن عملية الخطف دفعت العائلة الى مغادرة العراق. وقد بدأت الشرطة العراقية الناشئة في بغداد تنفيذ خطة لتخليص شوارع العاصمة العراقية من الجريمة المنظمة كعمليات الخطف والقتل.

وقال العقيد عدنان عبد الرحمن المتحدث باسم وزارة الداخلية العراقية ان قوات الشرطة تمكنت الاثنين الماضي من انجاز اكبر عملية لها منذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة واعتقلت اكثر من 525 من المشتبه فيهم. لكن المبادرة الجديدة جاءت متأخرة جدا لعائلة حجويل التي غادرت العراق قبل نحو اسبوعين متوجهة الى سورية، بعد استمرار عصابات محلية في مضايقتها وتهديدها بالقتل خمس مرات.

وقبيل مغادرة العائلة العراق، تحدث نوفل لوكالة الصحافة الفرنسية عن حادث خطفه. وقال «تم اقتيادي الى المقعد الخلفي لسيارة ونقلت الى منزل خال». واضاف «وضعت بعد ذلك في غرفة تم تثبيت ستائرها على الحائط بمسامير. وقد ربطوا قدمي بشريط لاصق وقيدت بسلاسل بنافذة الغرفة». وتابع الفتى الذي يشعر بالخوف عندما يذكر الحادث، ان خاطفيه الثلاثة ابلغوه انهم سيقومون بقتله ما لم يقم والداه بدفع فدية. واضاف: «قاموا بضربي بمسدس وبصفعي. ظننت طيلة الوقت اننى سأموت». وطالب الخاطفون بخمسين الف دولار مقابل اطلاق سراحه.

واكد عادل حجويل، 53 عاما، والد نوفل «ابلغتهم اننا لا نمتلك ذلك القدر من المال وان عليهم قتله. وسأقوم بدفع تكاليف الجنازة».

واستمر الجدل حول الفدية سبعة ايام اتفق الطرفان بعدها على مبلغ ستة الاف دولار وهو ما يشكل «كل مدخراتنا طوال حياتنا»، على حد قول والده، لكن فقدان العائلة لما ادخرته ماليا انقذ حياة ابنها.

وقالت هناء ،50 عاما، والدة نوفل «عندما خطف ابني شعرت بألم كبير في داخلي. شعرت بانه ضاع مني»، لكن «عندما عاد لم اعلم من اين ابدا بتقبيله». ويواصل عادل حجويل روايته مؤكدا انه تم اعتقال الخاطفين لكنهم خرجوا من السجن بعد شهرين وعادوا لتهديد عائلته. واضاف «لا يوجد لدينا نظام ولا توجد حكومة حقيقية».

ويعتقد عادل ان عائلته تعرضت للمضايقة لانهم من الصابئة وهي أقلية دينية اشتهرت بعملها في صياغة الذهب وعرف عنها الثراء. لكن عادل يؤكد ان ذلك لا ينطبق على عائلته، وقد غادر عادل وزوجته وابنه العراق، لكن ابنتيه المتزوجتين فضلتا البقاء. وقال عادل «حتى مع الحكومة الجديدة لم يتغير شيء. تلك العصابات ستبقى وستستمر في القتل والسرقة». ويشهد العراق ارتفاعا في معدل الجرائم واعمال العنف منذ الحرب بقيادة الولايات المتحدة، بينما يتجول الاشخاص المدانون الذين اطلق الرئيس العراقي السابق صدام حسين سراحهم بحرية في الشوارع.

وتشكل الهجمات الدموية اليومية مصدر ازعاج للحكومة الموقتة التي انتقلت اليها السلطة من التحالف بقيادة الولايات المتحدة قبل نحو اسبوعين، وتبدو في امس الحاجة لاثبات قدرتها على احلال الاستقرار من جديد في البلاد.

وقد زادت عمليات الخطف خصوصا في الاشهر الـ15 الماضية بينما يقوم محتالون ولصوص بخطف مدنيين عراقيين للحصول على مبالغ مالية مقابل الافراج عنهم. لكن هؤلاء ليسوا مرتبطين بشبكات قامت بقطع رؤوس عدد من الرهائن الاجانب لاسباب سياسية.

وقال خبير اجنبي ساعد في المفاوضات التي تمت للافراج عن العديد من الرهائن العراقيين وغير العراقيين ان «هناك مئات من الرهائن العراقيين».

واكد الخبير الذي طلب عدم كشف هويته ان عمليات الخطف هذه «عمل قذر للغاية». واوضح العقيد في الشرطة العراقية داود سليمان ان افراد شرطة بغداد تمكنوا خلال الاسبوع الماضي من انقاذ حياة اربعة عراقيين بينهم صبي في الحادية عشرة من عمره، خطف للمطالبة بفدية.

وفي الوقت ذاته، قام مسلحون باطلاق وابل من الرصاص ورمي قنابل يدوية على متجر لبيع المشروبات الكحولية في بغداد يوم الاحد الماضي قبل خطف زوج شقيقة صاحب المتجر حيدر احمد حسن، 30 عاما.

وقال مؤيد فارس الذي يعمل محاسبا في المتجر ان «العصابة عرفت انه كان يعمل في المتجر لذلك جروه الى سيارتهم واخذوه بعيدا ولا نعرف ماذا حدث له».